اليسار؟

حضر مؤخرا الحديث عن «وحدة اليسار» في الصحف، ومن خلال ندوة أقيمت في الرباط، ومرة أخرى يتسيد العقم في العديد من الطروحات، ويتبدى كما لو أن بعض المتياسرين عندنا، قد غرقوا في العقلية الأصولية، وفي جمود الأفكار، واختاروا ممارسة مهنة الدركي الواقف مشهرا عصاه أو مسدسه أو تعليماته،(لايهم)، والمصر على تحديد من هو اليساري ومن الذي لا يجب أن يسلم له المعطف أو الجلباب الثوري…
كم هو تبسيطي، بل وصبياني حقا هذا التفكير، وهو في الوقت نفسه يجسد سببا رئيسيا لكل هذا التشرذم و…الغياب الذي يعاني منه اليسار المغربي.
إن التعاطي اليوم مع تيمة اليسار في بلادنا، صار يفرض الكثير من صراحة القول في العلاقة مع بعض الكائنات المحسوبة على يسارنا الذي يتوهم ثوريته، فبغض النظر عن دور الدركي المشار إليه، فإننا نعجز فعلا عن إيجاد فكرة واحدة «ثورية جدا» أبدعها هؤلاء الثوريون على الأرض، وليس في الاتهام والسباب للآخرين…
هي الساحة رحبة وشاسعة كي ينتج هؤلاء أفكارا وممارسات بديلة للقوى التي لقبوها أمس بالإصلاحية، واليوم بالمخزنية وسوى ذلك، فلماذا عجزوا إذن؟
ليثهم خصصوا كل وقتهم، فقط للبحث عن جواب لهذا السؤال…
إن المرحلة اليوم، تستدعي تعبئة كل القوى الديمقراطية الحقيقية، وضمنها اليسار القوي بأفكاره، وببعد نظره، من أجل تقوية الديمقراطية في بلادنا، وتحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا.
ولكسب هذا الرهان، لابد أولا من استعادة الحضور السياسي والثقافي والمجتمعي لليسار، ولقيم وأفكار اليسار، وذلك في الميدان ووسط الناس، وليس في التصريحات والندوات. كما أن بناء الديمقراطية، وإنجاح الإصلاحات في بلادنا لن يتما إلا عبر المؤسسات، ومن خلال النضال الديمقراطي، ومن يمتلك اليوم بديلا آخر فليختبره عمليا وبشكل صريح على الأرض.
ومن جهة أخرى، فمن المثير للسخرية حقا، أن يختار ثوريو الساعة الخامسة والعشرين التحالف في احتجاجات الشارع، وفي قيادة بعض المنظمات المهنية والمدنية، مع أكثر التنظيمات الأصولية تطرفا، وفي نفس الآن ينتقدون قوى تقدمية أخرى لأنها بنت تحالفا واضحا ضمن أغلبية حكومية وقعت فيما بينها ميثاقا واضح الأفكار والأهداف.
إن توحيد اليسار، أو الدعوة إلى ذلك ارتكازا فقط على مبررات نظرية مجردة، لن يقود إلى نتيجة إيجابية على الأرض، وسيجعل الحديث يلتف حول الموضوع إلى ما لا نهاية، كما أنه من الحمق الاستمرار في جدل يغيب كل التحولات والزلازل التي شهدها العالم من حولنا منذ سنوات، وبالتالي، فإن إثارة الموضوع في كل مرة لمجرد الحنين إلى معجم ماضي، وبالاعتماد على عقلية احتكار الحقيقة وامتلاك خارطة الطريق الصائبة، فذلك، يعتبر من أسباب إخفاق عدد من التجارب اليسارية الماضية، في العالم كما في بلادنا، وليس من صفات منهجية التحليل العلمي على كل حال أن يصر المتبجحون يوميا بقيم ومبادئ وتطلعات اليسار على تكرار السير على ذات الطريق التي أثبت التاريخ أنها غير مجدية على المستوى الاستراتيجي، وأنها لا تقود في نهاية المطاف إلى تحقيق أهداف شعبنا في العدالة والتنمية والتقدم والديمقراطية.
[email protected]

Top