شباب يبادر…

في الفترة الأخيرة نشرت الصحف تقارير إخبارية عن إقدام مهندسين مغاربة شباب على إنشاء موقع إلكتروني «مامدورنيش»، يعنى بمحاربة الرشوة بطريقة مبتكرة تقوم أساسا على مشاركة المواطن في عملية التبليغ، بالإضافة إلى أن المبادرة تتوخى كذلك توعية المواطن بخطورة الرشوة، وفتح نقاش واسع حول الفساد بشكل يتيح إمكانيات حقيقية لمحاكمة المفسدين، ويستخدم الموقع وسيط الخرائط التفاعلية التي تمكن من توطين أماكن الخروقات، في محاولة للاستفادة من مجموعة من التجارب العالمية في مكافحة الرشوة. وإلى جانب هذه المبادرة، يمكن ذكر مبادرة إنشاء مرصد لمتابعة العمل البرلماني، وهو ينكب على مواكبة عمل المؤسسة التشريعية، وتوعية المواطنين لمواكبة أداء ممثليهم، والمساهمة في التأثير على السياسات العمومية، وعلى التشريعات.
أما المبادرة الثالثة، فهي تشكيل «حكومة الشباب» الموازية، وقد قيل وكتب عنها الكثير، وهي فعلا مبادرة شبابية مبتكرة تستحق التشجيع والتطوير والتفعيل.
إن المبادرات الثلاث أعلاه تلتقي في كونها صادرة عن شباب، كما أنها تجسد انخراطا من نوع مختلف لشبابنا في الانشغال السياسي العام لبلادهم، وهي تستحق الاحتضان من لدن الفاعل السياسي والمؤسساتي لجعلها تقود إلى تأهيل حقلنا السياسي الوطني، وتقوية المشاركة الشعبية في استحقاقاته.
وإذا أضفنا المبادرات المذكورة إلى تجارب شبابية ونسائية وحقوقية وجمعوية أخرى موجودة في مختلف جهات المملكة، تعمل على قضايا مثل: الحريات الفردية، حقوق المرأة والمساواة، المشاريع التنموية الصغرى، محاربة الرشوة وحماية المال العام، إلغاء عقوبة الإعدام، الدفاع عن المدرسة العمومية، الدفاع عن الحق في الصحة وغيرها.. فإن كل هذا يمثل إشارات معبرة عن انشغال شباب المغرب فعلا بقضايا بلادهم وشعبهم، كما أنهم يتفاعلون مع نضالات أقرانهم عبر العالم، ومع النضالات الجارية اليوم في مختلف الدول من أجل التنمية والبيئة والحرية والحقوق والمساواة والعدالة الاجتماعية..
السؤال هنا، كيف ننتقل بهذه المبادرات والانشغالات كلها لكي تكون في أجندة الأحزاب والمؤسسات، ما سيمكن من إقناع الأجيال الجديدة من المغاربة بكون هذه الهيئات تناضل أيضا من أجل ما هم منشغلون به هنا والآن؟؟
وفي السياق نفسه، تطرح على هؤلاء الشباب أنفسهم مسؤولية توجيه نضالاتهم ودينامياتهم الجمعوية والفردية نحو مستوى أكثر تنظيما وهيكلية وتوحيدا من أجل التأثير في مسلسلات تسريع وتيرة الإصلاحات في بلادنا.
وتعتبر الاستحقاقات الانتخابية القادمة مناسبة سانحة لكي يجسد الشباب انشغاله بقضايا التخليق ومحاربة الرشوة والفساد مثلا، وبالتالي أن يتعبأ من أجل التسجيل في اللوائح، ومن أجل التصويت، ومن أجل اختيار المنتخبين النزهاء وذوي الكفاءة والمصداقية، وبذلك سيتحول الانشغال الترافعي والافتراضي إلى عمل ملموس قابل لقياس نجاحه وأثره على واقع الناس.
إن تحولات في السوسيولوجيا، وفي القيم والتمثلات تخترق اليوم شبابنا وشعبنا، ولا بد من التأمل في صيرورتها، وحسن قراءة إشاراتها.

Top