الملك في الخليج

 

بدأ جلالة الملك زيارته إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي والأردن. وبالنظر إلى سياق الزيارة والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بها، فإنها ليست عادية، ولكن يتوقع منها أن تؤسس لمرحلة جديدة في علاقات المملكة ببلدان الخليج بالخصوص، وهي تجسد أيضا تقدير هذه البلدان وإعجابها بالتجربة السياسية المغربية التي مكنت البلاد من تأمين الاستقرار والأمن وخوض مسلسلات الإصلاح.

صحيح أن المغرب، خلال زيارة جلالة الملك هذه، يتطلع إلى تعزيز المساهمة الخليجية في برامج التمويل لمشاريع التنمية بالمملكة، وبالتالي فسيغلب الحديث الاقتصادي والاستثماري، لكن السياق المشار إليه أعلاه يجعل الزيارة لا تخلو كذلك من بعد سياسي واستراتيجي، حيث أن نجاح النموذج الديمقراطي المغربي المتميز يعتبر الورقة الرابحة لدى المغرب لتقوية جاذبيته الاستثمارية في الأوساط الاقتصادية والمالية الخليجية.
إن متانة العلاقات المغربية الخليجية لم تظهر فقط اليوم أو في الشهور الأخيرة، أو أنها نتيجة ما  تشهده المنطقة العربية من تغيرات ومآسي، بل إنها ممتدة في التاريخ، وقد تحولت مع بعض بلدان مجلس التعاون إلى علاقات راسخة وتطابق كامل في الرؤى والمواقف.
وعلاوة على هذا، فإن فاعلين اقتصاديين من بلدان الخليج، والحكومات والصناديق التمويلية السيادية، شرعوا في التوجه نحو المغرب قبل الأزمات الحالية في المنطقة، وهذه الدينامية هي التي تم تتويجها في ماي من العام الماضي بإعلان بلدان مجلس التعاون الخليجي ترحيبها بانضمام المغرب والأردن إلى تجمعها الإقليمي، وهو ما اعتبرته الرباط  حينها «إشارة سياسية واضحة لتأسيس نموذج تشاركي جديد ذي مضمون ملموس ومتميز يساهم بأوفر نصيب في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار ومن ثم احتواء المخاطر المهددة لسلامة دولنا وأمنها ووحدتها الترابية وتأمين مصالحها العليا»، كما عبر على ذلك وزير الخارجية المغربي آنذاك.
اليوم إذن يعبر  جلالة الملك بزيارته إلى البلدان الخليجية عن اعتزازه بقوة العلاقات معها وتطلع المملكة إلى تطويرها، كما أن الزيارة الملكية تمثل دليل ثقة للمغرب في نفسه، وفي اختياراته السياسية الواضحة، حيث أنه يعرض على هذه البلدان نموذجا ديمقراطيا مستقرا نجح في التفاعل مع كل تطورات المنطقة والعالم.
وإن المغرب الواثق من نفسه ومن اختياراته الكبرى، هو الذي يعمل اليوم على تنويع علاقاته الديبلوماسية وشراكاته الاقتصادية والتجارية، ويحرص على تمتين حضوره الدولي والإقليمي، باعتباره فاعلا محوريا في مواجهة كل التحديات المطروحة ليس فقط على المنطقة العربية والمغاربية، وإنما أيضا على الصعيد المتوسطي وفي منطقة الساحل والصحراء.
يعرض المغرب إذن على الخليجيين ممكنات الاستثمار والنجاح الاقتصادي، والبدائل المناسبة لباقي الوجهات التي تعاني اليوم من أزمات في أوروبا وأمريكا، كما يقدم لهم نجاح مساره الديمقراطي المتميز كضمانة قوية في مواجهة كل المخاطر التي يخشاها الرأسمال بطبيعته.
[email protected]

 

Top