لروح آسية الوديع

رحلت المناضلة الحقوقية والنسائية آسية الوديع إلى دار البقاء، وفقدت بذلك الحركة الديمقراطية والعمل الجمعوي الإنساني وجها بارزا ضمن دينامياتهما المجتمعية طيلة العقود الثلاثة الأخيرة.
الراحلة لفظت أنفاسها الأخيرة فجر أمس الجمعة٬ عن عمر يناهز 63 عاما٬ وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض٬ ومن المقرر أن يوارى جثمانها الثرى يومه السبت بمقبرة الشهداء في الدار البيضاء. لقد عرف المغاربة آسية الوديع في أكثر من واجهة نضال، ضمن نضالات أسر المعتقلين السياسيين، ووسط المدافعين عن حقوق الإنسان، وكقاضية ثم محامية فيما بعد، وأيضا في مجال النهوض بأوضاع السجون والسجناء، حيث كانت «ماما آسية» عضوة مؤسسة للمرصد المغربي للسجون ورئيسة جمعية أصدقاء الأحداث داخل السجن، وعضوة بمؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج، كما أنها كانت عضوة في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أثناء رئاسته من طرف الراحل إدريس بنزكري.
الكثيرون لا يذكرون للابنة البكر للوديع الأسفي ولثريا السقاط سوى خزانها الإنساني الكبير، وتواجدها الدائم وسط الأطفال ونزلاء الإصلاحيات، وحبهم القوي لها، وقدرتها العالية على الإنصات والتفاعل مع انشغالاتهم وتظلماتهم وشكاواهم، حتى أن لقب «ماما آسية» كان إبداعا أصيلا لهؤلاء الأطفال تجاه سيدة انخرطت بقلبها وعقلها وكامل جهدها في العمل الإنساني.
لقد مثلت آسية كذلك طيلة حياتها عنوانا دالا يحيل على أسرة وطنية مناضلة معروفة، وكانت إلى جانب صلاح وعزيز وباقي الأشقاء الاستمرار المكثف لانخراط الأسرة في العمل الوطني والديمقراطي والجمعوي، وبقي عبق التاريخ وشموخه دائم الحضور في الاسم، وفي المسار العام، وفي الصورة المترسخة لدى الناس.
إن انخراط امرأة مغربية في عراكات العمل الجمعوي والحقوقي والنسائي والسياسي لم يكن دائما سهلا ومتيسرا في بلادنا، خصوصا عندما يكون الاصطفاف في اليسار، وفي المعركة من أجل الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندما تبرز واحدة على هذا الصعيد، وترسخ وجودها وكفاءتها في الميدان، فإن ذلك يعني دعما مهما للمسار النضالي لشعبنا، وعندما نفقد إحداهن، فإن ورقة تكون قد سقطت من شجرة النضال هذه، ولهذا تستحق الاحتفاء.
حركتنا النسائية والحقوقية حزينة اليوم لهذا الفقدان، وهي مصرة أيضا على مواصلة المسير على الدرب ذاته، من أجل الحرية والمساواة والديمقراطية…
الرحمة للفقيدة آسية الوديع…
العزاء لكل الأسرة…
[email protected]

Top