بعد زيارة روس للمغرب

المباحثات التي أجراها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس في المغرب تميزت هذه المرة بلقاء مسؤولي الأحزاب الوطنية، فضلا عن فعاليات سياسية وحقوقية وجمعوية هو من تولى اختيارها وتحديد مكان اللقاء بها، كما زار روس العيون والتقى بمنتخبيها وبشيوخ وأعيان المنطقة، بالإضافة إلى اجتماعه داخل مقر «المينورسو» بفعاليات محلية ضمنها وجوه معروفة بتبنيها لموقف الطرف الآخر، وكل هذا يعني أن المبعوث الأممي التقى في المغرب من شاء وفي المكان والظروف التي كان هو من اختارها، وبالتالي فقد استمع إلى الموقف المغربي الرسمي من  جلالة الملك ومن المسؤولين الحكوميين ومن قادة الأحزاب، كما استمع إلى آراء وتحليلات ومواقف أخرى من فاعلين آخرين، بمن فيهم من يسمون «انفصاليي الداخل». من جهة ثانية، لقد نجحت السلطات الأمنية المغربية بالعيون في تفادي الانجرار وراء استفزازات عناصر انفصالية، لم يسعفها عقلها إلا في المبادرة إلى فبركة مظاهرات واحتجاجات بمناسبة وصول روس إلى المدينة، وكأن المطلوب منها كان هو الاحتجاج والصراخ وليس تقديم الأفكار والحلول والمقترحات .
لم ينجر مسؤولو العيون إلى هذه اللعبة الصبيانية، ولم يسجل على السلطات المغربية أي تضييق في حق روس وبرنامجه، سواء لما التقى فاعلين مدنيين وسياسيين في الرباط، أو لما اجتمع مع من شاء في مقر «المينورسو» أو لما زار تيفاريتي وغيرها…
واليوم، هاهو كريستوفر روس في تيندوف، فهل بإمكان الانفصاليين رفع التحدي ذاته؟
هل يلتقي روس بمن يخالف قيادة الجبهة، وبمن يتبنى الموقف المغربي المتعلق بالحكم الذاتي مثلا؟ وهل يستجيب روس لطلب مصطفى سلمى مثلا باللقاء؟
لماذا عمدت قيادة «البوليساريو» إلى تمشيط أمني واسع لمخيمات تيندوف عشية زيارة روس، وإلى تطويق كل المعارضين؟ ولماذا تخاف «البوليساريو» أن يسمع الخارج، وخصوصا الأمم المتحدة، صوتا آخر غير صوت عبد العزيز المراكشي؟
الغريب فعلا، أن جماعة المروجين لشعارات عبد العزيز في العيون يتباكون عند زيارة أي مسؤول أممي للمنطقة عن واقع حقوق الإنسان في المغرب، ويحتجون عما يقولون إنها مضايقات ترتكب في حقهم من لدن السلطات الأمنية المغربية، ويصرون على ذلك حتى عندما يعقدون الاجتماعات تلو الاجتماعات مع روس وقبله مع رئيسة مركز كنيدي وغيرهما، ولكنهم يصابون بالعمى والخرس لما تمنع «البوليساريو» في تيندوف الكلام عن كل من يخالف أطروحة عبد العزيز، ولما يتم تشريد مصطفى سلمى ويمنع من لم شمله مع أسرته في المخيمات…
بالنسبة لكريستوفر روس يجب أن يعلن في استنتاجاته وتقريره المرتقب في نهاية الشهر عن هذه الوقائع بكل تجرد وموضوعية، وبالإضافة إلى ضرورة تسجيل تعاون المغرب وانفتاحه تجاه كل أنشطته ومجموع لقاءاته في المملكة، وفي المقابل اقتصار لقاءاته في تيندوف على الرأي الوحيد لجماعة عبد العزيز دون سواها من المعارضين، فإنه أيضا مطالب بأن يتحلى اليوم بشجاعة أكبر ويقدم على مساءلة قيادة «البوليساريو» والسلطات الجزائرية بخصوص عجزها لحد الآن عن تقديم أي تصور جدي في إطار البحث عن حل سياسي لإنهاء النزاع، وأيضا عدم إبراز أي إرادة سياسية لحد الآن من أجل المساهمة الفعلية في تقدم المسار التفاوضي والسياسي.
إن جولة روس كشفت في مرحلتها المغربية عن أشياء تتغير، خصوصا في أسلوب تعامل المغرب وتعاطي السلطات الأمنية في العيون مع  استفزازات الانفصاليين، لكنها أيضا أكدت الحاجة للتغيير في عقل الطرف الآخر، وخاصة بالنسبة للنظام الجزائري.
[email protected]

Top