ذكرى المسيرة الخضراء

يخلد الشعب المغربي اليوم الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء، وذلك ضمن استمرار التعبئة والإصرار الوطنيين على استكمال الوحدة الترابية للبلاد والدفاع عن سيادتها الوطنية، وأيضا في إطار ما تشهده قضيتنا الوطنية من تطورات، لعل أبرزها تزامن الحدث، هذا العام، مع جولة كريستوفر روس في المنطقة، والتي كان بدأها من الرباط حيث استقبله جلالة الملك، وتباحث مع المسؤولين الحكوميين، كما التقى فعاليات مختلفة في الرباط والعيون. المسيرة الخضراء تعتبر من الذكريات الوطنية البارزة في تاريخ مسار النضال الوطني لشعبنا من أجل الوحدة الترابية للمملكة، وللتأمل اليوم في فلسفتها وفرادتها، لابد من استحضار الواقع الدولي لتلك المرحلة، وسياق سبعينيات القرن الماضي، بكل ما يرمز إليه من صراعات سياسية وإيديولوجية وتجاذبات بين المعسكرين المهيمنين في العالم حينها، كما أن المسيرة لم تكن إلا محطة أخرى تنسجم داخل منطق واحد، هو دفاع المغاربة عن استقلالهم وعن الوحدة الترابية لبلادهم، وذلك منذ فترة الحركة الوطنية والنضال الوطني ضد الاستعمار، وبعد ذلك على مختلف الواجهات، ثم من خلال المسيرة الخضراء وما تلاها من محطات عسكرية وسياسية وديبلوماسية، إلى مرحلة اقتراح مخطط الحكم الذاتي، وأيضا ما رسخه المغرب من إصلاحات سياسية وديمقراطية داخلية جعلته نموذجا متميزا ضمن الحراك المغاربي والعربي الأخير.
واليوم، يواصل الشعب المغربي ذات المسار بنفس العزيمة والقوة، حيث يعتبر قضية الوحدة الترابية أسبقية الأسبقيات في السياسة الداخلية والخارجية لبلاده، ويتطلع إلى حل نهائي لهذا النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية، وقد عاين المبعوث الأممي روس في لقاءاته الأخيرة بالمغرب هذا الإجماع الواضح حول عدالة القضية وسط الطبقة السياسية، كما سيكون من دون شك قد استوعب دلالة انفتاح المغرب وثقته في نفسه، حيث تمكن روس من الاجتماع مع من أراد وفي أي مكان أراد، بما في ذلك مع المعارضين للموقف المغربي، ومع المدافعين عن الطرح الانفصالي، وهذا لا يعني سوى أن المملكة مقتنعة بقوة موقفها وجديته وعدالته، وأيضا استعدادها الكامل وإرادتها الحقيقية في الوصول إلى حل سياسي توافقي للملف ضمن السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمغرب.
وإن هذه الثقة الوطنية البارزة لدى الشعب المغربي يجب أن تحفز اليوم السلطات العمومية على مزيد جهد لإنجاح برامج ومخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأقاليم الجنوبية، بمشاركة الساكنة المحلية، وبما ينفعها ويمكنها من التدبير الذاتي لشؤونها، كما أن الأمر يقتضي الحرص الدائم والتام على ترسيخ الممارسة الديمقراطية في هذه المناطق، كما في مجموع التراب الوطني، وجعل الساكنة والنخب الجديدة والفعاليات السياسية والجمعوية تساهم بفعالية في الحياة العامة، وفي مسلسلات إنجاح أوراش الإصلاح والتنمية في المنطقة.
ومن المؤكد، أن النجاح في كسب هذه الرهانات، بالإضافة إلى إنجاح ورش الجهوية المتقدمة والتأهيل السياسي والمؤسساتي، من شأنه أن يزيد في الثقة الوطنية الراسخة لدى المغاربة، وخصوصا وسط ساكنة الأقاليم الصحراوية.
وإن استحضار دلالات المسيرة الخضراء اليوم لا يعني فقط تقوية هذه التعبئة الوطنية للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وإنما كذلك من أجل تقوية الحس الوطني لدى شبابنا وأجيالنا الجديدة، وتعزيز إقبالهم على الاهتمام بالشأن العام، وبقضايا البلاد وأهلها، والانخراط في مسار الدفاع عن وحدة البلاد واستقلالها، وعن الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم..
[email protected]

Top