ألهمت بطيب شذاها العديد من المبدعين والمثقفين، وتغنى بها الشعراء والمطربون، وأوحت للمخرجين بقصص من الواقع والخيال، ورست في مرافئها سفن الفقراء ورجال المال والأعمال، ليس هذا فقط، بل لم ينج من خيوط دخانها حتى سادة القوم من الملوك والأمراء، وأكثر من ذلك “رفعت” مقام عباد وزهاد وغيرت من أحوالهم، بعدما أخذت ألبابهم وفعلت بها فعل الرحيق المعتق، هي واهبة السعادة وأنس الفقراء، وقطب السرور، إنها الخضراء الكافورية التي تزهو بحسن لونها، ويفوح نشرها مزرياً بنشـر العبير، وغدت لدى البعض أفضل من السلافة الصهباء. إن التي حظيت بكل هذه الألقاب والأوصاف ليست سوى القنبية أو “الحشيشة”/”الحشيش” الذي أصبح إلى حد كبير منتوجا لصيقا بالمغرب بالرغم من أنه بدأ في زراعته أواخر القرن 19 وإنتاج بعض مستخلصاته فقط في أواخر الستينيات من القرن الماضي، أما قبل هذا التاريخ فكان المغاربة لا يعرفون إلا نبتة “الكيف” أو القنب الهندي التي تزرع بشكل واسع بشمال المغرب، وبالضيط بجبال الريف الغربي، وهي النبتة التي استفادت خلال هذه الفترة من تقنيات “التحديث” و”التصنيع” التي حملتها موجة السياح الذين توافدوا على المغرب اقتداء برواد جيل المنهزمين وحركة الهبيز. “الكيف”.. الجذور التاريخية والمنشأ الجغرافي المرويات التاريخية تشير في مجملها إلى أن “الكيف” عرف لدى شعوب ٱسيا منذ العصور القديمة، وبالضبط حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وتعتبر الصين هي البلد أو المنشأ الجغرافي له، حيث ورد أن الإمبراطور الصيني “شن ننج” أطلق عليه إسم “واهب السعادة”، أما الهندوس فقد أطلقوا عليه “مخفف الأحزان” حيث اعتاد الكهنة استخدامه في الحفلات المقدسة وضمن الطقوس الدينية، لدرجة أن الأساطير تقول إن هذا النبات هو المفضل لدى ملك السماء العليا أو ملك “سفارغا”/الجنة، الإله “إندرا” قاتل الشر العظيم. بعد ذلك ساح هذا المنتوج في مختلف أرجاء العالم، متنقلا مع عشاقه من المستهلكين، سالكا معهم طرقا “مقدسة” وجد وعرة، بل وعامضة، بدء من الهند إلى فارس، ثم إلى العالم العربي خلال القرن الحادي عشر أو الثالث عشر الميلادي على يد حسن الصباح القرمطي، وقيل على يد الشيخ أحمد الشارجى القلندري أو قطب الدين حيدر، وبعد الحروب الصليبية انتقل إلى أوروبا، ولكن يقال إن ذلك الانتقال كان بشكل أكبر بعد فشل حملة “نابليون بونابرت” على مصر، ولم يصل هذا المنتوج إلى أمريكا إلا في بداية القرن العشرين، والتي عبر إليها عن طريق مهاجرين من أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى. “الحشيش” والدين.. شيعة وصوفية في قفص الاتهام كثيرة هي المحكيات التي تنسب إظهار”الحشيش” وتناوله إلى الفرقة الشيعية الإسماعيلية النزارية لحملها لقب “الحشاشين” أو “الحشاشية”، حيث هناك من يعتبرها أقدم الفرق الدينية الإسلامية التي كانت تتعاطى الحشيش، ولكن هناك من يفند هذه الروايات، خاصة وأن هناك اختلافا حول سبب إطلاق هذا اللقب عليهم، هل لأنهم كانوا يختفون وسط الحشائش لاغتيال معارضيهم، أو لشربهم “الحشيش” قبيل عمليات الاغتيال لمعارضيهم حتى لا يتراجعوا عنها وسط تأثير المخدر، كما أن “الحشيش” الذي ورد في العديد من الكتابات ليس بالضرورة هو المخدر الذي نتحدث عنه اليوم أو هو بالشكل الذي نعرفه حاليا. تقي الدين أبي التقى البدري الدمشقي الذي توفي 894هـ 1488م خصص كتابه “راحة الأرواح في الحشيش والراح” الذي عمل على تحقيق ودراسة جزئه الأول الإيطالي “دانيلو مارينو” لذكر محاسن “الحمرا” ولطائف “الخضرا” حيث أورد أن ممن نسبها إلى الشيخ حيدر الإمام شهاب الدين أحمد ين محمد الحلبي المعروف بابن الرسام في أبيات من الكامل منها: واشكر عصابة حيدر إذا أظهروا لذوي الخلاعة مذهب المتحمس كما نسبها إليه الأديب علي ابن محمد ابن المبارك المعروف بابن الأعمى الدمشقي، الذي توفي 692هـ، الذي قال في أبيات من الطويل: دع الخمر من مدامة حيدر معنبرة خضراء مثل الزبرجد غير أن صاحب الكتاب أعلاه يرى أن نسبة “الحشيش” إلى قطب الدين حيدر مجرد تلبيس فقط، فهو لم يتناوله أبدا في حياته حسب تأكيد الشيخ العارف نصر الله ابن محمد الشيرازي صاحب كتاب “رياض العارفين” الذي قال إن إظهار الحشيش كان قبل وجود حيدر بزمان طويل، وأن عامة أهل خرسان نسبوها للشيخ حيدر لاشتهار أصحابه بها بعد موته بسنين. أما الشيخ تقي الدين المقريزي فقد أورد أن أهل مصر زرعوها في بستان يعرف بالكافوري من أرض القاهرة، ونسب إظهارها إلى الهند في أبيات منها: لهندية في أصل إظهار أكلها إلى الناس لا هندية اللون والخضر أما الحسن ابن محمد العكبري في كتابه “السوانح الأدبية في مدائح القنبية” فقد أشار لكيفية اكتشاف الشيخ الصوفي حيدر “الحشيش” وإشاعته بين أتباعه بين الناس، غير أن البعض الآخر يرى أن الأمر مجرد اختلاق من أهل الأدب ليس إلا… ومن هؤلاء الأدباء، الشيخ الأديب الفاضل شرف الدين أبو العباس أحمد بن يوسف الذي وصف “الحشيشة” ضمن أبيات شعرية بأنها “أنس كل فقير” أنشدها (643هـ). كذلك الإمام العالم زين الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي أنشد معبرا عن حالة السرور والابتهاج التي تجتاحه بسبب تناول “الحشيشية” قائلا: وخضراء كافورية بات فعلها بألبابنا فعل الرحيق المعتق وبالرغم من قول البعض إن أهل الأدب هم فقط من نسبوا هذا المخدر إلى الصوفية، فإن هناك من لا يتوانى في الإشارة إلى من مدح هذه النبتة العجيبة من داخل النسق الصوفي كشاعر الفقراء نور الدين أبو الحسن على بن عبد الله بن على الينبعى الذي قال: مجلسي مسجد وشربي من خضراء تزهـو بحسـن لـون نضيــر قال لي صاحبي وقد فاح منها نشرها مزرياً بنشـر العبير أمن المسـك قـلـت لـيــسـت من المسك ولكنها من الكافــور كما يورد البعض في هذا السياق أن من الصوفية من ذهب إلى تفضيلها عن الخمر مثل شرف الدين ابن الوحيد الذي قال: وخضراء لا الحمراء تفعل فعلها لها وثبات في الحشا وثبــات تؤجج ناراً في الحشا وهي جنة وتبدي مرير العيش وهي نبات وأبيات لجمال الدين النجار؛ القرن السابع الهجري؛ قال فيها مادحا “الحشيشية” بعدما كان قد هجاها في وقت سابق: سألت عن الخضراء والخمر فاستمِع مقالة ذي رأيٍ مصيبٍ مسدد وحقك ما بالخمر بعض صفاتها أتشرب جهرا في رباط ومسجد؟ كتامة.. حشيش طَبقَت شهرته الآفَاق في الحقيقة هناك اختلاف واضح حول متى وكيف دخل “الحشيش” إلى بلاد المغرب (ونقصد هنا بالحشيش القنب الهندي) وإن كان البعض يرجح حدوث ذلك خلال فترة حكم المولى الحسن الأول؛ أي بعد سنة 1894؛ ودليلهم في ذلك أن هذا السلطان هو من أصدر ظهيرا يسمح من خلاله لدواوير كتامة وبني خالد بزراعة “الكيف” واستهلاكه محليا، وقد أشار الرحالة والمؤرخ الفرنسي “أوغست مولياريس” أن “الكيف” كان منتشرا في قبائل الريف في المنتصف الثاني من القرن 19. تشير بعض الروايات والكتابات التاريخية إلى أن المزارعين الإسبان الذين حلوا قبل فترة الحماية بمنطقة الريف وشمال المغرب ربما هم أول من أدخلوا نبتة “الكيف” إلى المغرب من دول أمريكا اللاتينية، وذلك بعدما حاولوا وجربوا زراعتها بجنوب إسبانيا من غير أن تنجح لهم العملية بالشكل المطلوب لظروف تتعلق بالمناخ والتربة، فكان أن وقع اختيارهم على الشمال المغربي الذي تبين لهم أولا ملاءمة طقسه وتربته لهذه النبتة، وثانيا لأنه يقع مقابل إسبانيا، وبالتالي يسهل نقل غلتها عبر مضيق جيل طارق. وبعد الهجرة التي قام بها الريفيون إلى طنجة انتقل إليها استهلاك “الكيف”، وذلك بالتزامن مع الاعتراف بزراعته وتسويقه سنة 1906، وإقدام فرنسا سنة 1911 على إنشاء الشركة الفرنسية العالمية للتبغ بالمغرب ومنحها احتكار تصنيعه وتسويقه لرجل الأعمال الإسباني “خوان مارش أورديناس” حيث تم تشييد “دوكس مونوبوليو” كمقر لهذه الشركة ومبنى لتسويق التبغ و”الكيف”، غير أنه بداية من سنة 1920 إلى حدود 1925 عرف فيها هذا المنتوج انحصارا بعدما منعه محمد بن عبد الكريم الخطابي، ليعود إلى واجهة التسويق ما بين 1926 و1956، وبعد الاستقلال حاولت السلطات منعه إلا أنها قوبلت برفض شديد من سكان المنطقة. لفافات حشيش كتامة.. “كبسولات” إشهارية بثها الإعلام الدولي في الستينيات من القرن الماضي ظهر “الحشيش” المغربي بالشكل الذي نعرفه اليوم، وانتشر بطريقة رهيبة، وأضحى في وقت وجيز عنوانا للجودة، منافسا بذلك دولا عريقة في هذا الميدان، وقد واكبت ظهوره أكبر المنابر الإعلامية انتشارا حينها في العالم، وفي هذه الفترة بالذات حجت إلى كتامة كبريات القنوات العالمية، خاصة بعدما أصبحت المنطقة قبلة لمشاهير الفن والسياسة، وغدت جنة للحالمين بالسكينة والهدوء، وللراغبين في العزلة والتأمل، وبالخصوص بعد قدوم بعض مثقفي “جيل المنهزمين” وفناني حركة “الهيبيز” وأتباعهم من مختلف بقاع العالم. “الجميع كان يريد الذهاب إلى الجنة” كل الذين زاروا الصويرة، طنجة، أكادير، العراىش والقصر الكبير من هؤلاء المثقفين والفنانين.. كان ضمن أجندتهم زيارة كتامة؛ سرا أو علنا؛ وإذا لم يتمكن الواحد منهم خشية حادث أو عارض، فلا بد من رفيق أو رسول يحج إلى هذا المكان ويأتيه ولو بقليل من “بركة قطب السرور” التي دوخت العالم، ووقع في عشقها الورع التقي والسياسي والفنان المتمرد، كما “السائح” و”المجدوب” و”البوهالي”، كل هؤلاء في حضرتها سواء، وما أن يزحف “طيبها الفواح” على مجالسهم حتى يستكينوا لسلطتها الخارقة، ويجنحوا نحو عالم العزلة والتأمل. كثيرة هي الحكايات التي نسجت حول زوار كتامة من الشخصيات العالمية التي تنتمي إلى الفن والسياسة، روايات اختلط فيها الواقع بالخيال، والحقيقة بالإشاعات، ولكن ثمة إجماع على أن هؤلاء ذاقوا على أرض المغرب طعم “واهب السعادة” أو على الأقل وصلهم نصيب منه، قد يتنوع سرد الوقائع والسياقات، وقد تزيد أو تنقص بعض التفاصيل بحسب السارد، ولكن حتما ستجد بعض هؤلاء الزوار من كان فعلا “بطلا” لأغلفة المجلات العالمية أو ظهر في روبورتاج لقناة ما وهو يرتشف بنشوة وسحر كبيرين لفافات “حشيش البلدية” أو “السبسي”.. انتشار اسم كتامة وشهرة “كيفها البلدي” يعودان بالأساس إلى إقدام بعض الفنانين العالميين على استهلاكه، فالكثير ممن حجوا إلى “حافة” و”بابا” طنجة، وقصدوا إلى “جهجوكة” بالقصر الكبيىر، العرائش، الشاون و”ديابات” عاصمة “الرياح والكناوة” بحثا عن “النغمة المحلية” ما كان “حجهم” يكتمل دون المرور على “معبد الخلوة” كتامة، المنطقة التي استطاعت توفير إحدى أهم دعامات فكر “المنهزمين” وحركة “الهيبيز” أي التأمل والعزلة، والتي بدورها ما كانت لتتحقق دون “الحشيش،” أو “الكيف البلدي”.. إنها صورة المتعة التي عمل الإعلام الدولي على ترويجها حول هذا الجيل من صناع الثقافة والفن والترفيه، وكأن “الكيف” عند هؤلاء شرط أساسي للإبداع، ولا يتحقق هذا الشرط إلا بالتناوب على “السبسي” و”المطوي” في حضرة الندماء بـ “محافل التدريحة” ومجالس “حياة الحفر” التي كانت ملجأ لآخر فلول المنهزمين أو Beat Generation ورواد حركة “الهيبيز” وقبلهم أقطاب وأتباع “نادي الحشاشين” بباريس. جيل “المنهزمين” و”الهيبيز” حمل كتامة إلى سماء العالمية ما أن بدأت الأفواج الأولى من رواد “المنهزمين” و”الهيبيز” تفد على شمال المغرب حتى غدت منطقة كنامة محجا لمراسلي الكثير من وسائل الإعلام الذائعة الصيت، حيث قدم إليها إعلاميون من أمريكا وإسبانيا واليابان وفرنسا… وقاموا بإنجاز العشرات من “الروبورتاجات” والتقارير والتحقيقات الإعلامية حول “جنة المغرب” وبثتها قنوات دولية، ونشرت على صفحات “الغارديان” و”الواشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”.. والقاسم المشترك بينها أنها أظهرت العديد من فناني “الهيبيز” يحملون لفافات “حشيش” محلي (جوان)، فكان أن هبت حشود من شباب العالم لقطع مضيق جبل طارق للحصول على نصيبهم من متع بلاد “الكيف” إسوة بمشاهير الفن والثقافة حينها. الفنان “براين جونز” رائد الفرقة الشهيرة “رولينغ ستونز” قالت عنه الصحافة البريطانية إنه حين كان يتردد على شمال المغرب وبالخصوص على إحدى قرى القصر الكبير سنة 1968، وقبلها على العديد من الفضاءات بطنجة؛ مثل مقهى “بابا” و”الحافة” وفندق المنزه؛ كان يدخن الكيف المغربي و”حشيشته” ونشرت له بعض المجلات العالمية، ولأعضاء هذه الفرقة، صورا يحملون بين أصابيعهم “صواريخ كتامة”.. أشهر قليلة قبل وفاته سنة 1970، نال أسطورة الروك “هاندريكس” نصيبه من إشاعات الصحافة الدولية التي قالت إن زيارته للمغرب ما جاءت إلا للبحث عن الأجود من “الكيف” وهو الذي اشتهر؛ كأغلب فناني جيله من موجة الستينيات، بتدخين لفافات الحشيش، ولفرط عشقها لواهب السعادة الذي يتطاير من جبال الريف لم تسلم أيضا شقيقة الرئيس الأمريكي السابق “جيمي كارتر” من إشاعات تسكعها في كتامة وأحد فنادق إساكن. وبدوره الفنان العالمي الشهير “بوب مارلي” كان واحدا ممن أشعل ميادين حفلاته بـ “جوانات كتامة” وأذكى في جمهوره لهيب اشتياق هذا المنتوج الخارق. هكذا يبدو أن الذين ساهموا في الترويج لكتامة وكانوا سفراء التعريف بها هم الفنانون، السياسيون، الكتاب، الرحالة والإعلاميون، الذين تعرف عن طريقهم شباب التمرد في الغرب على العالم السفلي لمدينة طنجة بالخضوص، العالم الذي بدا لهم؛ من خلال كتابات شكري، ومرويات محمد المرابط، والشرادي؛ منفلتا من أية رقابة أو ضوابط اجتماعية، دون أن ننسى نوع السياحة التي روجت لها المجموعة السياحية “نادي البحر الأبيض المتوسط” التي افتتحت أول قرية سياحية لها بالمغرب (الحسيمة) سنة 1963. كتامة.. سرود تحتفي بسطوة المكان ينتمون لعالم الإبداع الأدبي والفني كما للسياسة والصحافة، جاؤوا إلى المغرب “سائحون” وعن “الكيف” باحثون، من عمق “الحال” كتبوا ومن “مقام القرب” أبدعوا، إلى جبال كتامة قصدوا وفي ثنايا فجاجها انتشروا، تعددت المنطلقات والخلفيات كما السياقات والغايات، ولكن في طيب شذاها ما اختلفوا، في “عالم غير معروف،” عاشوا، ومن السماع عن “المكان الآخر” اقتبسوا، ولمعنى أن يكون الإنسان “غريبا إلى الأبد” أدركوا، وعلى جودة “كيفها” أجمعوا ولروعة الطبيعة بهذه الجبال ذكروا وأفاضوا. هذا هو “الكيف” المغربي، ظل لعقود من الزمن محافظا على حضوره القوي داخل السرد العالمي، ففي رحلته إلى شمال إفريقيا تحدث الأمريكي “فيكتور ساسونا” مبكرا عن “كيف” كتامة و”حشيشها” اعتبره من أجود ما دخن طيلة حياته وقد جربه بمجرد نزوله بطنجة سنة 1903، هذا الاعتراف جاء في مذكراته التي صدرت سنة 1914 تحت عنوان “رحلتي إلى شمال إفريقيا” موضحا أن أول ما لاحظه بطنجة هو استهلاك الناس لنوع جيد من “الحشيش” محلي الصنع وبشكل عاد، مشيرا إلى أن أحد الشباب عرض عليه مصاحبته إلى منطقة قريبة يزرع فيها “الكيف” ويساعده على اقتناء الكمية التي يرغب فيها. وممن سقط؛ أيضا؛ في حب “حشيش” كتامة ومعجونها نجد أحد أقطاب “baet “generation إنه الشاعر والروائي الأمريكي “وليم بوروز” الذي حل بطنجة 1953 ليصدر بعد ست سنوات روايته “الغذاء العاري” عن منشورات “اولمبيا بريس” لصاحبها “موريس غيروديا” Maurice Girodias حيث اتخذت من طنحة، الولايات المتحدة والمكسيك فضاء لأحداثها، الرواية تحولت سنة 1991 لفيلم سينمائي يحمل نفس العنوان من كتابة وإخراج “ديفيد كروننبرج” بطولة “بيتر ويلير” “إيان هولم” “جودي ديفيس* و”روي شايدر” فيما صدرت لريمز غنام سنة 2019 الترجمة العربية عن منشورات الجمل ببيروت. الصدفة وولعه الموسيقي؛ أو هكذا يبدو على الأقل في الظاهر؛ قادا الكاتب الأمريكي الذائع الصيت “بول بوز” إلى زيارة كتامة سنة 1959، ففي رحلتة “من الريف إلى طنجة” عبر “الخنفساء” لتسجيل منتخبات من الموسيقى الشعبية الريفية لفائدة مكتبة الكونغرس الأمريكي، بتكليف من مؤسسة Rockfeler، مكنته من أن يتذوق الكيف البلدي لكتامة بعدما ذاق معجونها بطنجة، والشاهد على ذلك أتى بالإشارة أحيانا، وبالواضح أحيانا أخرى، أورد ذلك “بدون توقف” فيما محكيات أخرى تشير أن “حياة مليئة بالحفر” لادريس الشرادي أو العربي العياشي أتت ذات مسامرات حضر فيها “الحشيش”.. سحر كتامة، بفضاءاتها الطبيعية ومنتوجها، ما زال يرخي بمفعوله على الكثير من السرديات وإن اختلف السياق والزمان والشخوص، يمكن القول إن كل الذبن كتبوا عن هذه البلدة عمدوا إلى “تأبيد كتامة” كفضاء لنصوصهم، في بداية هذه الألفية كتب ماحي بينبين “Pollens” أو “غبار الحشيش”، هي رواية من هذا الزمن 2001، تنتمي بالفعل لكتامة التي ليست بدون صدى، هي أرض من الريف، قاحلة ومنكوبة وغارقة في أبخرة الكيف، ولكن استطاعت أن تغوي بطلي الرواية باللجوء إليها، حيث فرار “بيير” و”سونيا” من صقيع فرنسا في اتجاه قلب الريف، في وسط حقول القنب، حيث انتهى طريق بعض “الهيبيين” القدامى لتخصيب البهجة والحب. كذلك سنة 2006 شهدت صدور رواية “Je reviendrai à Ketama” للبلجيكي Jacques Hébrard وإذا كان هذا العمل الروائي يرسل نظرة على مهربي المخدرات والنظام الأمني بالمغرب، فإنه بالمقابل يقدم صورة جميلة عن الضيافة المغربية وسكان الجبال من خلال القرية الريفية التي أقام فيها بطل الرواية “مارك لاندريو” الذي ما عادت حياته الباريسية تسحره بالرغم من أنه يمتلك كل شي، فعلى عتبة وكالة أسفار تقدم عروضا لاكتشاف المغرب الذي لا يعرفه إلا من خلال البطاقات البريدية والملصقات السياحية، وبعد ثلاث ساعات من الطيران، سيجد نفسه، وبدون سابق تفكير، في “أرض مجهولة”.
يقلم: الغبزوري السكناوي