أوروبا تستحق نوبل

ضخ نيل الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام هذا العام نفسا مهما من الثقة والتفاؤل وسط أنصار أوروبا الموحدة، خصوصا في الظرفية الراهنة المثقلة بجراح الأزمة المالية والاقتصادية الضاغطة على الكثير من دولها وشعوبها.
رمزية الجائزة، التي أعلن عنها الجمعة الماضي في أوسلو، تكمن في كون (الاتحاد الأوروبي) يمثل التجسيد العملي والسياسي والتنظيمي لانتقال أوروبا من قارة الحروب والاقتتال بين بلدانها إلى منظومة موحدة اختارت العمل المشترك من أجل مستقبل يعمه الأمن والسلام والتقدم والرفاهية. وعندما نستعيد تاريخ أوروبا، خصوصا خلال الحربين الكونيتين، وما خلفتهما من ضحايا وخسائر وضغائن وعداوات، ونتمعن في كيفية إقدام بعض بلدان القارة في بداية الخمسينيات من القرن الماضي على طي الصفحة، والشروع في تأسيس تكتل وحدوي تطور  عبر سنوات وعقود حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم، وبات يضم 27 بلدا أوروبيا، ويمتلك هياكل وآليات وامتدادات، هنا نفهم معنى نيل جائزة نوبل اليوم، أي أن الأمر يتعلق بالاحتفاء بكل هذا المسار التاريخي، وبالجهد الذي نجح في تحويل قارة بكاملها من الحروب والاقتتال إلى السلام والتعاون والعمل المشترك من أجل التقدم.
وبغض النظر عما تحياه أوروبا اليوم من أزمات اقتصادية ومالية، ورغم تحفظ البعض بداخلها عن مسيرة الوحدة نفسها، وبقاء بلدان أخرى خارج الاتحاد، بما في ذلك النرويج نفسها حيث أعلن عن (نوبل)، فان تجربتها ومسارها يمثلان درسا حقيقيا لبقية العالم، وفي حالتنا نحن، هنا والآن، فذلك درس حقيقي للبلدان المغاربية، وأيضا للبلدان العربية، حيث لا اللغة الواحدة، ولا ما يقوله البعض عن المعتقد الديني الواحد، كانا كافيين لتحقيق الوحدة التي حققتها أوروبا رغم تعدد لغاتها وثقافاتها، ورغم الحروب التي نشبت في الماضي بين بعضها.
على صعيد شعوب المغرب الكبير، فالتشابه والتقارب بين أفرادها يكاد يكون تاما وكاملا وغير قابل للتمييز، كما أن الموقع الجغرافي  وممكنات التكامل الاقتصادي والمشترك الثقافي والتاريخي والتحديات الأمنية والإستراتيجية، كلها تحفز على التقارب والوحدة، لكن مع ذلك لا الوحدة تحققت ولا التقارب صار فعليا.
إن أوروبا استطاعت أن تؤسس لوحدتها في زمن صعب على المستوى الجيواستراتيجي  في العالم، وأيضا على المستوى الاقتصادي، لكن السياقات اليوم تغيرت، والشروط صارت مختلفة، وبالتالي، فلو توفرت الإرادة السياسية لدى أنظمة بعض البلدان المغاربية  لتحقق الاتحاد المغاربي في مدى زمني أقصر،  عكس ما عانته مسيرة الوحدة الأوروبية، والتي رغم ذلك، فهي مجسدة  اليوم في اتحاد قوي يضم دولا قوية، ومصممة على السير المشترك من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ومن أجل حضور أكبر لأوربا في العالم.
أوروبا تستحق فعلا جائزة نوبل للسلام، ومسارها الوحدوي يستحق أن يكون درسا للبلدان المغاربية والعربية ولبقية العالم.
[email protected]

 

Top