الاختبارات الصعبة لقادة العشرين: سوريا واللاجئون والمناخ

على العكس مما انتظرته قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية، فإن قمة دول العشرين لم تكن في المستوى المنتظر فيما يتعلق بالتنسيق بين القوى الكبرى في العالم حول الملفات الكبرى التي تشغل الناس، والتي من بينها الملف السوري الذي بقي محل خلاف، وموضوع اللاجئين الذي بدأ منعرجا جديدا ضمن السياسات الأوروبية، وأيضا موضوع المناخ الذي شهد تطورات، ولكن خبراء يؤكدون ضعف الأمل في الإصلاح.

دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يستضيف قمة مجموعة العشرين بمدينة هانغتشو، الزعماء إلى تحقيق نتائج فعلية وتجنب “الكلام غير المجدي” لا تجد ترجمة لها على المستوى الميداني، بل إن الملفات الرئيسية التي تتطلب التنسيق بين زعماء دول العشرين الأقوى اقتصاديا وصناعيا في العالم، لا تجد حلولا عملية بقدر ما مثلت محورا لتصريحات متضاربة بين قادة العالم، خاصة أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. كما أن مشاركة ولي ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز تحيل إلى نقاشات جدية في مواضيع إقليمية مثل المسألة السورية واليمنية وأيضا موضوع إنتاج النفط، إضافة إلى أن مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة العشرين بدعوة خاصة من الصين تحمّل السيسي مسؤولية طرح الملفات الاقتصادية الحارقة للدول العربية.

نقاط محل خلاف

صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما للصحافيين بعد انتهاء لقائه برئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي على هامش قمة دول العشرين، بأن محادثات بلاده مع روسيا بشأن المحاور الرئيسية في الملف السوري قد فشلت، مضيفا “لم نتوصل إلى اتفاق بعد”، وأشار إلى أن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة لم تستمر طويلا.
وتعتبر أهم النقاط التي تختلف فيها السياسة الأميركية عن السياسة الروسية بمثابة معضلات حقيقية تعرقل الوصول إلى أي اتفاق تسوية لإنهاء النزاع المسلح في سوريا والمستمر منذ أكثر من خمس سنوات، وتتمثل أهم تلك النقاط الخلافية في رفض روسيا قيام الولايات المتحدة بقيادة حملة عسكرية دولية تتولى تغيير النظام السوري بالقوة مثلما حدث في العراق سنة 2003، حيث استعملت روسيا أربع مرات حق الفيتو لإفشال قرارات من مجلس الأمن ترخص استعمال القوة في سوريا. كذلك فإن مستقبل بشار الأسد يعد محل خلاف جذري بين البلدين حيث تطلب روسيا أن يكون جزءا من الحلول السياسية الانتقالية في البلاد، إلا أن الولايات المتحدة تصر على تنحيه.
ويعد ملف المعارضة السورية ملفا معقدا بالنسبة إلى الولايات المتحدة وروسيا، رغم وضوح موقف الطرفين منها، إلا أن الولايات المتحدة تواجه تعقيدا في تركيبة هذه المعارضة حيث توجد أطراف متطرفة فيها وأطراف أخرى موضوعة على قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم مثل عناصر حزب العمال الكردستاني وبعض المنتسبين إلى تنظيمات إسلامية وغيرها، وتدعم الولايات المتحدة هذه الأطراف ولو بشكل غير مباشر، في حين تقوم روسيا باستهداف كل المعارضة حتى المعتدلة منها وذلك تحت غطاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
النقطة الأخرى التي تتفرع عن مسألة التسليح هي الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والتي تعد ملفا شائكا معقدا نظرا لتأثرها بالتقلبات الإقليمية والمفاوضات بين القوى الكبرى حول سوريا. فالولايات المتحدة تقوم بالحشد ضد داعش مع تغليب حسابات داخلية سورية لصالح الأطراف المقربة من واشنطن، في حين تقوم روسيا بقصف كل المعارضة والإرهابيين بمن فيهم داعش لتوفير أقصى حماية لنظام بشار الأسد. فداعش بالنسبة إلى الطرفين ليس سوى مدخل لتنفيذ سياسات أخرى هدفها تنفيذ أجندة داخل سوريا إما بإبقاء الأسد وإما بتنحيه.
وقال أوباما في قمة العشرين حول المحادثات بشأن سوريا “لدينا خلافات كبيرة مع الروس في ما يتعلق بالطرفين اللذين ندعمهما وأيضا بشأن العملية اللازمة لإحلال السلام في سوريا”، وأضاف “لكننا إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع الروس بشأن تقليل العنف وتخفيف الأزمة الإنسانية فسيكون حينها من الصعب الانتقال إلى المرحلة التالية”.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأحد، إنه جرى حل بعض النقاط الفنية في اتفاق أميركي روسي بشأن سوريا ولكن مازالت هناك نقطتان صعبتان. وأضاف للصحافيين على هامش قمة مجموعة العشرين أن الولايات المتحدة وافقت على الاجتماع مع الجانب الروسي ثانية لسد الفجوة في نقطتين متبقيتين، لكن مراقبين يؤكدون صعوبة التوصل إلى حلول.

أوروبا تغلق أبوابها

لم تكن المسألة السورية فقط محل إحباط بالنسبة إلى الرأي العام حول القضايا العالمية الحارقة، فتصريح رئيس البرلمان الأوروبي دونالد توسك الذي أكد فيه أن قدرة الاتحاد الأوروبي على استقبال اللاجئين “اقتربت من بلوغ حدودها” يكشف أن السياسات الأوروبية التي كانت منفتحة على اللاجئين سوف تنتهي قريبا، داعيا الأسرة الدولية إلى تحمل حصتها من المسؤولية.
وقال توسك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر على هامش قمة دول العشرين الكبرى إن “قدرات أوروبا على استقبال موجات جديدة من المهاجرين فضلا عن المهاجرين الاقتصاديين غير الشرعيين اقتربت من بلوغ حدودها”. وأضاف “وحده مجهود على الصعيد العالمي سيكون قادرا على تحقيق نتائج”، داعيا أعضاء مجموعة العشرين، بما فيهم الصين، إلى تحمل حصتهم من المسؤولية. والاتحاد الأوروبي منقسم حول مسألة استقبال اللاجئين، بعد عام على قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فتح أبواب بلادها أمام المهاجرين. وتعتبر العديد من البلدان الأوروبية ولا سيما في أوروبا الشرقية أن قرار ميركل كثف موجة الهجرة. وقبل القمة حذر رئيس الوزراء الكندي من الحمائية والقومية “المنتشرتين” وقال إن “بناء الجدران ليس هو الحل”.
وليس تصريح رئيس البرلمان الأوروبي المؤشر الوحيد حول بداية نهاية فترة الانفتاح على اللاجئين، بل إن التطورات السياسية الداخلية في أوروبا تشي بأن الأمر أصبح محل نقاش واسع لدى الرأي العام الداخلي الأوروبي، وهو ما تؤكده المناسبات الانتخابية يوما بعد يوم. فقد تم افتتاح التصويت في ولاية مكلنبورج فوربومرن الألمانية في انتخابات من المتوقع أن يحقق فيها حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة مكاسب كبيرة، مما يعكس سخطا متزايدا على المستشارة أنجيلا ميركل وسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها إزاء اللاجئين. وبعد هذه الانتخابات تأتي انتخابات رئيسية أخرى في برلين خلال أسبوعين والانتخابات العامة في سبتمبر، وتأتي انتخابات الأحد بعد عام من قرار ميركل بفتح حدود ألمانيا أمام مئات الآلاف من اللاجئين.
وعاقب الناخبون بالفعل ميركل في انتخابات ثلاث ولايات في مارس حيث صوتوا بأعداد كبيرة لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا رافضين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل نظرا لسياسته المنفتحة على هجرة اللاجئين.
وولاية مكلنبورج فوربومرن هي ولاية ساحلية صغيرة في شمال شرق ألمانيا لا يزيد عدد الناخبين فيها عن 1.3 مليون ناخب، لكن الخسارة هناك ستكون مهينة لميركل إذ أنها الولاية التي تضم دائرتها الانتخابية. ومن المتوقع أن يحصل الحزب الديمقراطي الاشتراكي المشارك في الائتلاف الحاكم على 28 بالمئة من الأصوات بالمقارنة مع 35.6 بالمئة في آخر انتخابات على مستوى الولاية عام 2011.
وأظهر استطلاع جديد، الأحد، أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحقق مكاسب على مستوى البلاد كذلك، وإذا أجريت انتخابات عامة الأسبوع المقبل فإنه يتوقع أن يحصل خلالها على 12 بالمئة من الأصوات ليصبح ثالث أكبر حزب في ألمانيا، وفقا لاستطلاع أجراه معهد إمنيد لصحيفة “بيلد”.
وقد بدأت ترجمة التوجهات العامة ضد اللاجئين بقرار وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير إعادة لاجئين مجددا إلى اليونان في المستقبل، وقال في تصريحات خاصة لصحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية “حتى الآن تتعارض أحكام القضاء مع ذلك”، ولكنه أشار إلى أنه تم اتخاذ الكثير من الإجراءات في أوروبا من أجل تحسين الوضع في اليونان، وقال “لا بد أن تكون لذلك نتائج أيضا وأن يؤدي إلى إتاحة إعادة لاجئين مجددا إلى اليونان بحسب ما يتناسب مع نظام دبلن”.
وينص هذا النظام على أنه لا يمكن للاجئ تقديم طلب اللجوء إلا في الدولة التي وصل إليها أولا، وإذا تم توقيفه في دولة أخرى داخل الاتحاد الأوروبي، فإنه يمكن ترحيله إلى الدولة التي وصل إليها أولا. ولكن تم إيقاف أي ترحيلات من ألمانيا إلى اليونان في عام 2011 بسبب ظروف الاستقبال السيئة باليونان التي تعصف بها الأزمات.

بحر الصين

حصل حادث بروتوكولي في المطار الذي نزلت فيه طائرة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث تسبب مسؤولون حكوميون صينيون في المطار بمشكلة لمستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس وغيرها من المسؤولين الأميركيين بشأن التغطية الصحافية لوصول اوباما إلى مدينة هانغتشو للمشاركة في قمة مجموعة العشرين. ويؤكد مراقبون أن الحادث يستبطن ردة فعل صينية على السياسة الأميركية تجاه قضية بحر الصين التي تعد محل خلاف عميق بين البلدين وصلت إلى حرب تصريحات في الفترة الماضية، لاحتكاك سفن أميركية بمياه تسيطر عليها الصين عبر جزرها الاصطناعية في بحر الصين.
وعلى هامش قمة دول العشرين، حث الرئيس الأميركي باراك أوباما نظيره الصيني شي جين بينغ قبل يوم من بدء القمة، على حل النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، داعيا بكين إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية، ومؤكدا تعهدات الولايات المتحدة لحلفائها في المنطقة. وقد تأكدت توقعات المراقبين بأن يخيم التوتر بشأن المياه المتنازع عليها بين الصين وجيرانها على قمة مجموعة العشرين. وتحرص الصين على ضمان أن تمضي القمة دون مشاكل، بينما تتطلع بكين إلى تعزيز وضعها العالمي وتجنب أي مشاعر غاضبة بسبب قائمة طويلة من التوترات مع واشنطن، لكن ذلك لم يحدث بعد أن قامت مشاحنات بين مسؤولين صينيين وأميركيين في المطار.
ويرغب أوباما الذي لم يتبق على انتهاء فترة رئاسته سوى خمسة أشهر، أن يضع بصمته الأخيرة على التحول في سياسته تجاه دول المحيط الهادي ليمهد الطريق أمام من سيخلفه في البيت الأبيض والذي سيتم انتخابه في نوفمبر ويتولى السلطة في 20 يناير. وبذل أوباما جهدا كبيرا في إقامة علاقات أوثق مع دول جنوب شرق آسيا ويسعى جاهدا في زيارته الأخيرة المقررة إلى المنطقة لتهدئة قلق شركاء أميركا من القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين.
وبعد اجتماعات استمرت أكثر من أربع ساعات مع الرئيس الصيني وكبار معاونيه، أكد أوباما أهمية “مراعاة الصين لالتزاماتها” بشأن معاهدة بحرية دولية في النزاع حول حقوق تتعلق بمنطقة غنية بالنفط والأسماك تمر فيها تجارة تقدر بنحو خمسة تريليونات دولار سنويا.
وقضت هيئة تحكيم في لاهاي في يوليو بأن الصين ليس لها حق تاريخي في مياه بحر الصين الجنوبي، وأنها انتهكت حقوق الفلبين التي أقامت القضية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار. ورفضت الصين الحكم واتهمت الولايات المتحدة بإثارة مشاكل في البحر الذي تتداخل فيه مطالبها الإقليمية مع مطالب الفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي وتايوان.
وفي المقابل قال الرئيس الصيني في بيان نشره موقع وزارة الخارجية على الإنترنت “ستواصل الصين حماية سيادتها وحقوقها البحرية في بحر الصين الجنوبي بكل حزم”، وأضاف “في الوقت نفسه فإن الصين ستحرص على حل سلمي للنزاعات من خلال المشاورات مع الأطراف المعنية بشكل مباشر”. وحث الولايات المتحدة على “القيام بدور بناء” في السلام والاستقرار بالمنطقة.

معضلة المناخ

أكدت تقارير إعلامية أنه من المتوقع أن تنضم كل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين إلى أول خطة عمل عالمية للحد من تداعيات التغيير المناخي، وذلك بحسب أحدث مسودة لبيان قمة “جي 20”. وجاء في المسودة “نحن ملتزمون باستكمال إجراءاتنا المحلية من أجل الانضمام إلى اتفاقية باريس بمجرد أن تسمح إجراءاتنا الوطنية”، وقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الصيني شي جين بينغ انضمام دولتيهما إلى اتفاقية باريس للمناخ، السبت، ليبلغ بذلك عدد الدول الموقعة على الاتفاقية 26 دولة. ومن المقرر أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بعد 30 يوما من تصديق 55 دولة تتسبب في 55 بالمئة من الانبعاثات العالمية.
وفي الحين الذي تؤكد فيه هذه الدول عزمها على الدخول في اتفاقية باريس للمناخ، فإن الإجراءات المتخذة عمليا لا تعبر عن العمل الميداني الحقيقي لهذه الدول في سبيل القضاء على مسببات انبعاث الغازات التي تؤدي إلى زيادة حرارة الأرض.

Related posts

Top