التوجيه المدرسي والمهني والجامعي في زمن الكورونا

بعد قرار وزارة التعليم تعليق الدراسة في المغرب في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، تم اعتماد خيار التعليم عن بعد، وبدأ تصريف ما تبقى من برنامج خدمات الإعلام والاستشارة والتوجيه لفائدة التلاميذ عن بعد كذلك. وهكذا انخرطت مختلف البنيات الإدارية المركزية والجهوية والإقليمية في هذه العملية، وانخرط أطر التوجيه مفتشين ومستشارين ومديري المؤسسات التعليمية وباقي المتدخلين في تأمين استمرارية خدمات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي عن بعد في هذه الظرفية الاستثنائية. فما هي أهم العمليات الإدارية والخدماتية المنجزة؟ وما الوسائل التي تم توظيفها؟ وما هي الصعوبات التي تعترض العملية؟
قبل الخوض في هذا الموضوع، نذكر بداية أن وزارة التربية الوطنية أعطت منذ الدخول المدرسي 2019-2020 الانطلاقة لمشروع “إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر والنشيط”، ويعتبر هذا المشروع من بين المشاريع السبعة الملتزم بها أمام صاحب الجلالة، وهو مشروع طموح يهدف إلى الارتقاء بالتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وذلك من خلال مراجعة منظومته بغية مواكبة ومساعدة المتعلم منذ نهاية التعليم الابتدائي في بناء مشروعه الشخصي، وجعله عنصرا نشيطا ومحوريا وفاعلا في بناء مشروعه وتدقيق اختياراته الدراسية والمهنية. هذا المشروع يسعى إلى تعزيز المواكبة التخصصية التي يقوم بها المستشار في التوجيه التربوي من خلال الحصص الجماعية والمقابلات الفردية مع المتعلمين، بإرساء خدمة المواكبة التربوية، وبجعل المؤسسة التعليمية فضاء حاضنا للمشروع الشخصي للمتعلم، ويسعى أيضا إلى إدماج مكون التوجيه ضمن مشروع المؤسسة باعتباره الإطار الموجه لمجهودات كل الفاعلين والمتدخلين في المؤسسات التعليمية.
والتوجيه التربوي مفتاح للحكامة وأداة ضرورية للرفع من مستوى تأهيل العنصر البشري وترشيد الاختيارات من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وهو سيرورة مستمرة في الحياة المدرسية للتلميذ. والأشهر الأخيرة من كل موسم دراسي تعرف نشاطا توجيهيا مكثفا يعتبر تتويجا لسلسلة الحملات التحسيسية واللقاءات الجماعية والمقابلات الفردية التي تنطلق منذ بداية الموسم الدراسي، فالتلاميذ بمستويات عتبات التوجيه، ونخص بالذكر السنة الثالثة إعدادي وسلك الجذوع المشتركة والسنة الأولى بكالوريا في التأهيلي، مطالبون خلال هذه الفترة بتدقيق اختياراتهم الدراسية أو التكوينية، وهذه عملية تتطلب انخراط المتعلمين والأسر، والمؤسسات، في عدد من العمليات كتعبئة بطاقات الرغبات وبطاقات الترشيح للشعب الخاصة وبطاقات الترشيح لشعب التكوين المهني، هذه العمليات تتطلب دراسة، وترتيبا وتصنيفا، وعقد مجالس الاختيار الأولي الخاصة بالشعب والمسالك ذات الولوج المحدود. وتعرف هذه الفترة من السنة الدراسية دينامية أيضا على مستوى السنة الثانية بكالوريا، إذ يباشر التلاميذ، بموازاة مع الاستعداد لاجتياز امتحانات البكالوريا، الترشيح لولوج المؤسسات والمدارس والمعاهد العليا سواء تلك التابعة للجامعات أو غير التابعة لها، وذات الولوج المفتوح أو ذات الولوج المحدود، وهذا الترشيح يتطلب التسجيل الإلكتروني وتهييء مختلف الوثائق المكونة لملفات الترشيح.
بعد قرار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي تعليق الدراسة في المغرب في إطار التدابير الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، ابتداء من يوم الإثنين 16 مارس 2020، بجميع الأقسام والفصول، وبجميع المؤسسات التعليمية، ومؤسسات التكوين المهني، والمؤسسات الجامعية ومؤسسات تكوين الأطر وغيرها، تم اعتماد خيار التعليم عن بعد، وبدأ تصريف ما تبقى من برنامج خدمات الإعلام والاستشارة والتوجيه لفائدة التلاميذ عن بعد كذلك. وأصدرت الوزارة بتاريخ 06 أبريل 2020 بلاغا بشأن تأجيل كل مباريات الانتقاء لولوج المؤسسات الجامعية أو مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات أو مؤسسات التعليم العالي الشريكة أو مؤسسات التعليم العالي الخاص وذلك إلى ما بعد رفع الحجر الصحي واجتياز امتحانات البكالوريا.
وفي إطار الجهود المبذولة من طرف الوزارة من أجل تقريب خدمات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي من كافة التلميذات والتلاميذ، انطلاقا من السنة السادسة ابتدائي ومرورا بالسنة الثالثة إعدادي ووصولا إلى الدراسات ما بعد البكالوريا، في هذه الفترة الخاصة، وسعيا إلى تمكين التلميذات والتلاميذ بالمستويات الدراسية المعنية من المعلومات المتعلقة بإمكانات التوجيه وآفاقها المستقبلية ومنهجيات الاختيار، والتي من شأنها مساعدتهم على تدقيق اختياراتهم الملائمة لقدراتهم وميولاتهم وتحقيق مشاريعهم، دعت الوزارة في أبريل الماضي، الأكاديميات الجهوية إلى تعبئة فرقها الجهوية المختصة في مجال التوجيه التربوي وإمكاناتها اللوجستية للعمل على إنتاج وتوفير الموارد الرقمية الخاصة بالمساعدة على التوجيه ذات الصبغة الوطنية قصد بثها على القنوات التلفزية الوطنية. وهكذا تم الشروع في بث هذه الحصص الخاصة بالإعلام والتوجيه عبر قناة العيون ابتداء من الأسبوع الثاني من شهر ماي وذلك لفائدة تلميذات وتلاميذ جميع المستويات الدراسية.
وضمانا لاستمرارية خدمات التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وتفعيلا للتوجيه عن بعد في هذه الظروف الاستثنائية، وفي إطار الخطط الجهوية والإقليمية المتعلقة بتأمين الاستمرارية في محور الإعلام والتوجيه المدرسي والمهني، تبذل الأكاديميات الجهوية ومصالحها الإقليمية مجهودات على هذا المستوى، وقام أطر التوجيه التربوي بمبادرات فردية أو جماعية، من أجل المساهمة في هذه الاستمرارية البيداغوجية، إذ حرصت المراكز الجهوية للتوجيه المدرسي والمهني على تنسيق عمليات إنتاج موارد رقمية جهوية تم تقاسمها وتعميمها على أطر التوجيه التربوي لكي توضع رهن إشارات الفئات المستهدفة من التلاميذ، وعرفت العملية انخراط واسعا لأطر التوجيه التربوي مستشارين ومفتشين، حيث تم إعداد عروض ودلائل مختصرة، وتم إنتاج عدد من الكبسولات والموارد الرقمية، إما من المنازل بوسائل خاصة، أو في مراكز تصوير أعدت لإنتاج الموارد الرقمية. هذه الموارد عالجت عددا من المجالات والمحاور، ومن بينها التعريف بالمشروع الشخصي للمتعلم وأهميته واستراتيجية اتخاذ القرار، والآفاق الدراسية والتكوينية والمهنية لمختلف الشعب والمسالك، والمفاتيح الأساسية لتحقيق النجاح بالدراسات العليا، وخطوات وتقنيات الترشح إلى مختلف المدارس والمعاهد العليا، وكيفية التسجيل الإلكتروني للترشيح لولوج هذه المدارس والمعاهد، والمنح وأنواعها وكيفية الترشيح للاستفادة منها.
كما خصصت المديريات الإقليمية صفحات خاصة بالتوجيه المدرسي والمهني تنشر فيها مختلف المستجدات في هذا المجال والموارد الرقمية، والدلائل الرقمية والتفاعلية والملصقات والمطويات المنجزة من طرف أطر التوجيه والمراكز الجهوية للتوجيه المدرسي والمهني. وخصصت بعض هذه الصفحات للإجابة على مختلف تساؤلات التلاميذ واستفساراتهم. وتم تقاسم عدد من الإعلانات التي تؤكد انخراط المديريات الإقليمية وأطر التوجيه التربوي بتعاون وتنسيق مع الأطر الإدارية بالمؤسسات التعليمية، في تأمين خدمات التوجيه المدرسي والمهني عن بعد، سواء عبر المكالمات الهاتفية مع أطر التوجيه، أو عبر تطبيقات التواصل الأخرى.
وتواصل بعض الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية تنظيم قوافل للإعلام والتوجيه عن بعد، وتنظيم سلسلة منتديات ولقاءات تفاعلية مباشرة في الاستشارة والتوجيه عن بعد لفائدة المتعلمين والمتعلمات وأوليائهم، ينشطها مختصون في المجال، ويحضرها طلبة وأساتذة ومهنيون. هذه اللقاءات تناقش مواضيع عدة من بينها مراحل ومتطلبات بناء المشروع الشخصي للمتعلم، وآليات الاختيار الدراسي والمهني ومنهجية اتخاذ القرار، ومنهجية الاستعداد للامتحانات، بالإضافة إلى عرض مختلف الاختيارات والآفاق الدراسية والتكوينية والمهنية، وتقدم تجارب دراسية وتكوينية ومهنية لعدد من الطلبة والمتدربين والمهنيين.
ونشير هنا إلى انخراط عدد من الجمعيات والهيئات في عدد من المبادرات في هذا الصدد، وتقديم سلسلة حلقات التوجيه المدرسي عن بعد، مع عدد من الطلبة الباحثين، أو المهنيين وقدماء التلاميذ لتقديم تجاربهم المهنية والدراسية ومساراتهم التكوينية وكيفية الولوج ومعلومات مهمة، والهدف هو التعرف عن قرب على المدارس والمعاهد العليا وتيسير الاختيار للتلاميذ والطلبة في عدد من التخصصات والمجالات الدراسية والتكوينية والمهنية في قطاعات متعددة كقطاع الهندسة، والمجال الطبي وشبه الطبي، والعمل الاجتماعي، القانون، الصحافة والإعلام، وقطاع البناء والتعمير، الأشغال العمومية والمعادن، ومجال الصيد البحري والملاحة التجارية وغيرها. ونؤكد هنا على أهمية مثل هذه اللقاءات، مع التنبيه إلى ضرورة تركيز التلاميذ والطلبة على التقاط الجانب الموضوعي من المعلومة، والتأكيد أيضا على أهمية إشراك الأطر المتخصصة في التوجيه في مثل هذه الحلقات.
وواصل أطر التوجيه تقديم خدماتهم عن بعد بقطاعاتهم المدرسية لفائدة المتعلمين، سواء بالاستشارات المباشرة عبر الهاتف جوابا على تساؤلات واستفسارات التلميذات والتلاميذ وأوليائهم، أو بتقاسم الوثائق والعروض والوصلات الإعلامية والموارد الرقمية، عبر تطبيق الواتساب أو تطبيقات أخرى، أو من خلال صفحات للتواصل الخاصة بالمؤسسات التعليمية أو القطاعات المدرسية المكونة من عدد من المؤسسات. كما انخرط أطر التوجيه في إنشاء فضاءات افتراضية للتوجيه المدرسي والمهني بمسطحةteams لمواكبة المتعلمين في مجال التوجيه. وقامت هيئة التأطير والمراقبة في المجال بمواكبة عمليات التوجيه عن بعد وتأطيرها، وذلك بالانخراط في عدد من الأنشطة، وبتنشيط عدد من اللقاءات التواصلية والتأطيرية عن بُعد.
العمليات الإدارية
المتعلقة بالتوجيه:

أما بخصوص العمليات الإدارية المتعلقة بالتوجيه، وكما قلنا سابقا، فالمرحلة الأخيرة من الأسدوس الثاني يكون لتلاميذ مستويات عتبات التوجيه (Les paliers d’orientation) فيها موعد مع التعبير عن اختياراتهم الدراسية أو التكوينية، وذلك بتعبئة بطاقات الرغبات وبطاقات الترشيح للشعب الخاصة وبطاقات الترشيح لشعب التكوين المهني، هذه العمليات تليها عمليات تصنيف وترتيب، وإرسال، وعقد مجالس الاختيار الأولي الخاصة بالشعب والمسالك ذات الولوج المحدود، ومباريات ولوج مستوى التأهيل المهني… إلا أن الظرفية الاستثنائية الحالية فرضت التفكير في تدبير هذه العمليات عن بعد.
لذلك، وضمانا للمواكبة التربوية للمتعلمين عن بعد، ولتمكينهم من التعبير عن رغباتهم في التوجيه، بادرت بعض الأكاديميات والمديريات إلى إحداث منصات إلكترونية لفائدة متعلمي مستويات عتبات التوجيه (الثالثة ثانوي إعدادي، والجذوع المشتركة، والأولى بكالوريا) وذلك للتعبير عن رغباتهم الدراسية. وتم إنتاج دلائل وفيديوهات توضيحية تشرح كيفية التسجيل في هذه المنصات الإلكترونية وكيفية تعبئة البطاقات بالطريقة الإلكترونية. هذه العملية مكنت نسبة من التلاميذ من التعبير عن رغباتهم، وتوفرت لدى المؤسسات التعليمية قاعدة معطيات خاصة بهذه الرغبات.
بعد ذلك قررت الوزارة تدبير هذه العملية مركزيا، وذلك باعتماد منصة التوجيه المدرسي والمهني مرتبطة بمنظومة التدبير المدرسي “مسار”، الشيء الذي سييسر العملية وذلك بربط الاختيارات المعبر عنها بالنتائج الدراسية بطريقة تلقائية. وتقوم المسطرة الجديدة على تعبير المتعلمين على اختياراتهم باعتماد رمز مسار والقن السري وذلك في الفترة ما بين 06 يونيو و 20 يونيو الجاري، وعلى قيام أطر التوجيه بمواكبة العملية، وإبداء الرأي بخصوص اختيارات المتعلمين الدراسية والمهنية. وبعد مصادقة المؤسسات التعليمية على الاختيارات المعبر عنها ومسك باقي الاختيارات بالرجوع الى البطاقات الورقية التي جمعت قبل توقف الدراسة حضوريا أو بعد التواصل مع التلميذ وأسرته، سيفسح المجال فيما بعد لانعقاد لجن الانتقاء الأولي للنظر في اختيارات التلاميذ الخاصة بالشعب والتخصصات ذات المقاعد المحدودة، ثم لانعقاد مجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه.

ما يرتبط بالتعليم العالي:

أما بخصوص المستجدات الخاصة بالتعليم العالي والمباريات الخاصة بالمدارس العليا، فهذه المرحلة من الموسم الدراسي تعرف كذلك دينامية على مستوى السنة الثانية بكالوريا، إذ يباشر التلاميذ، وبموازاة مع الاستعداد لاجتياز امتحانات البكالوريا، الترشيح لولوج المؤسسات والمدارس والمعاهد العليا، وهذا الترشيح يتطلب التسجيل الإلكتروني وتهييء وثائق وملفات الترشيح. وقد أصدرت الوزارة بتاريخ 06 أبريل 2020 بلاغا بشأن تأجيل كل مباريات الانتقاء لولوج المؤسسات الجامعية أو مؤسسات التعليم العالي وذلك إلى ما بعد رفع الحجر الصحي واجتياز امتحانات البكالوريا. كما عملت الوزارة على تأجيل إجراء الامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة التقني العالي BTS دورة 2020 والذي كان مقررا إجراؤه ابتداء من الاثنين 04 ماي 2020.
وأعلنت فيما بعد عدد من المدارس والمعاهد والمؤسسات عن بداية الترشيح لولوجها، فقد أعلنت أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء أن مباراة الولوج للسنة الأولى للتكوين في فن الخط، وفي عدد من الشعب التقنية ستكون يوم السبت 19 شتنبر 2020 وأعلنت أن الترشيح مستمر إلى غاية 11 شتنبر 2020. كما أعلنت أيضا المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء عن مباراة الولوج إليها، واعتبرت أن 31 ماي هو آخر أجل للترشيح. كما تم الإعلان على بداية الترشيح الإلكتروني لولوج الإجازة المهنية للمدرسة العليا لصناعات النسيج والألبسة ESITH. وفتح الترشيح لولوج الاجازة الأساسية في التسيير بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات ISCAE، واستمر إلى غاية 17 ماي 2020. كما تم الإعلان عن الترشيح لإجازات كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية بابن جرير، وحدد آخر أجل للتسجيل في تاريخ 30 يونيو 2020. وفتح التسجيل الإلكتروني للترشيح لولوج مختلف مستويات وشعب وتخصصات التكوين المهني. وفي معاهد التكوين في مهن الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية المتواجدة بمدن وجدة وطنجة ووارزازات، وفي مؤسسات التكوين الفندقي والسياحي، وفي المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان. كما تم فتح الترشيح لولوج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا. وينتظر أن تعلن في الأيام القادمة عدد من المدارس والمعاهد العليا عن بداية الترشيح لولوجها.
ولتبسيط ورقمنة مسطرة ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود من خلال منظومة معلوماتية مندمجة أصدرت وزارة التربية الوطنية يوم الجمعة 8 ماي 2020 بلاغا إخباريا بشأن ولوج السنة الأولى للمدارس الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG)والمدارس الوطنية للعلوم التطبيقية (ENSA) والمدرستين الوطنيتين للمهن (ENSAM)، والمدرسة العليا للفن والتصميم (ENSAD)، حيث أنهت إلى علم التلاميذ وأوليائهم أنه ابتداء من الدخول الجامعي المقبل 2020 – 2021 سيتم تدبير ولوج السنة الأولى لهذه المدارس من خلال اعتماد الانتقاء عبر استعمال المنصة الرقمية « TAWJIHI » عوض الانتقاء الأولي والمباراة الكتابية المعمول بهما. والجدير بالذكر أن هذه منصة معلوماتية وطنية موحدة ومنظومة معلوماتية تفاعلية لتدبير ولوج المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود ما بعد البكالوريا. وقد بدأ بها العمل برسم السنة الجامعية 2019-2020 بتدبير ولوج السنة الأولى من كليات العلوم والتقنيات (FST)، والمدارس العليا للتكنولوجيا (EST).

مردودية التوجيه عن بعد:

بداية لا يمكن إلا أن نشيد بانخراط الوزارة بقطاعيها في تدبير مختلف العمليات الخاصة بالتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وبمختلف القرارات المتخذة في هذه الظرفية الحرجة، وبمختلف المبادرات التي انخرط فيها مختلف الفاعلين التربويين المعنيين، والتي هدفت إلى تأمين الاستمرارية البيداغوجية واستمرارية مواكبة التلاميذ في اختياراتهم الدراسية والمهنية وتقديم المعلومات الضرورية المفيدة لاتخاذ القرارات المتعلقة بمشاريعهم الشخصية. كما نشير إلى أن التوجيه عن بعد كان ولا يزال يشكل جزءا لا يستهان به من أشكال وآليات عمل المستشارين في التوجيه التربوي بالقطاعات المدرسية طيلة السنة الدراسية. والظروف الحالية، كانت مناسبة لتوحيد الجهود في إطار العمل المشترك بين أطر التوجيه بالمديريات الإقليمية، ومناسبة أيضا للتفكير في مأسسة التوجيه عن بعد باعتباره خيارا لا بديلا.
وترتكز خدمات الإعلام والاستشارة والتوجيه عن بعد، كما هو الشأن بالنسبة للتعليم عن بعد، على بعدين أساسين: البعد الأولى يتجلى في الأنشطة التزامنية، وهي الأنشطة المباشرة التي يحضر فيها التفاعل بين المستشار في التوجيه أو متدخل آخر في العملية والمتعلم، والوسائل المستعملة في تصريفها هي اللقاءات الافتراضية المباشرة من خلال منصات التواصل المعدة لهذا الغرض. ويتجلى البعد الثاني في الأنشطة غير التزامنية، ويكون فيها تقاسم للمعلومات والموارد عبر وسائل التواصل، وهذا البعد يغيب فيه عنصر التفاعل المباشر.
وكما هو الشأن بالنسبة لأنشطة التعليم الصفية المقدمة عن بعد، فالتوجيه عن بعد تعترضه صعوبات أيضا، منها ما يرتبط بمنظومة التوجيه ببلادنا، ولا يسع المجال الآن للتفصيل فيها، وهذه الإشكالات وعت بها الوزارة، وانخرطت في إصلاح المنظومة بتخصيص مشروع خاص يسعى إلى الارتقاء به من خلال مراجعة نظام التوجيه المدرسي والمهني والجامعي. أما الصعوبات وليدة الظرفية التي تواجه خدمات الإعلام والتوجيه والاستشارة عن بعد، وتحد من مردوديتها، ومن أثر المجهودات المبذولة فيها، فتكمن في صعوبات ولوج التلميذ إلى المعلومة والتي يكون سببها ماديا صرفا مرتبطا بالحالة الاجتماعية للأسر التي لا تتمكن من توفير الوسائل والتجهيزات الضرورية. كما أن إمكانات الولوج إلى الأنترنيت صعوبة ستواجه بعض التلاميذ في التعبير عن اختياراتهم في منصة التوجيه.

التوجيه، ودور المتعلمين والأسر:

في ظل هذه الظروف يطفو سؤال خدمات الإعلام والتوجيه المدرسي، والتي تعتبر هاجسا من هواجس التلاميذ والأسر، فالتلميذ يجد نفسه ابتداء من مرحلة التعليم الإعدادي أمام محطات للتوجيه يطالب فيها باختيار مسالك وتخصصات ستحدد مستقبله الدراسي، وتعتبر البكالوريا وما بعدها محطة حاسمة تتوج حصيلة النتائج المحققة والاختيارات المعبر عنها والعرض التربوي المتوفر. لذلك فأسئلة الإعلام والتوجيه إن لم تطرح باستمرار بالموازاة مع سنوات الدراسة، سيجد التلميذ نفسه فجأة أمام زخم من المباريات والإعلانات عن التكوينات بمسالك وشعب تختلف من حيث التخصص ومدة التكوين ومناطق الاستقطاب وشروط الترشيح وآجاله وعدد المقاعد والصعوبات والآفاق المهنية ونوع التكوين (عمومي أو خصوصي)، وطبيعة الاستقطاب (مفتوح أو محدود)، والتوزيع الجغرافي… مما سيؤدي دون شك إلى الحيرة والتخبط والعشوائية في الاختيار.
ونشير هنا إلى أهمية انخراط التلاميذ والطلبة والمتدربين في البحث والاستعلام، ومواكبة المستجدات. إذ يتحكم الإعلام ومستوى توفره إلى حد كبير في اختيار مسالك التكوين، وبالتالي في المسارات المهنية، فالإعلام سيمكن من الإلمام بالمعلومات المرتبطة بالمسالك الدراسية والتكوينية المتوفرة (المراكز والمعاهد المستقبلة، طريقة الولوج، الشروط، نظام التقويم، الدبلومات، الآفاق الدراسية والمهنية، نظام الدراسة، المنح…) ويمكن من تصحيح التمثلات حولها، ويمكن من التعريف بالمهن ومجالاتها وخصائصها ومتطلباتها، ولهذا يجب التنبيه إلى ضرورة استقصاء المعلومة من مصادرها الرسمية، وذلك بزيارة المواقع الرسمية للمؤسسات المعنية أو الوزارات الوصية، فهذه هي الجهات التي تصدر الإعلانات الرسمية للمباريات، وتحدد الشروط وآجال الترشيح، وكذلك زيارة المواقع المتخصصة في مجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، والتي تقدم المعلومة نقلا عن المصادر الرسمية السابقة. أما الإعلام حول الذات فيختص بإحاطة المتعلم بكل ما يتصل بمميزاته الشخصية وميولاته وقدراته ونقط قوته وضعفه. وتبقى مصداقية وجودة هذه المعلومات أساسية في تهيئ مختلف القرارات.
كما نشير هنا إلى أهمية انخراط الأسر في مساعدة أبنائها على الاختيار. ويكمن دور الأسرة في مساعدة البنت أو الابن وتشجيعه لكي يكون عنصرا فاعلا في بناء مشروعه الشخصي، وينبغي مساعدته من خلال تنمية مهارات البحث والتنقيب عن المعلومات، وإعداده لاتخاذ مختلف القرارات والتعبير عن آرائه، وإعداد ملفات الترشيح والتمكن من آليات التسجيل عبر الأنترنيت.
لذلك وجب استشارة أهل التخصص، ومعرفة مصادر المعلومات المفيدة، والتمكن من أدوات تحليل ومقارنة المعلومات المتعلقة بالعرض التربوي المتوفر، وإخضاع ما تم الحصول عليه من معلومات حول المحيط الدراسي والمهني والتكويني لعامل الانسجام والتآلف مع قدرات المتعلم وميولاته واهتماماته. وذلك لتيسير بلورة مشروع شخصي واقعي يأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات، الشيء الذي سيقلص إلى أبعد الحدود حالات الحيرة والتردد والتخوف. واتخاذ القرار هو نتاج سيرورة تفاعل وبحث وتقصي تأخذ بعين الاعتبار الذات، لأن الميولات والاهتمامات وأنماط الشخصية تختلف من فرد إلى آخر، كما تأخذ بعين الاعتبار القدرات والمؤهلات، وإمكانيات الدراسة والتكوين أو الشغل. والتحضير المبكر المتأني والمعقلن هو مفتاح الاختيار السليم، لذلك فالاطلاع على العرض المتوفر من تكوينات السنة الماضية سيعطي فكرة مهمة عن التكوين في السنة التي تليها.

بقلم: عبد الكريم بن رزوق
مفتش في التوجيه التربوي بأكاديمية البيضاء سطات

Related posts

Top