الصحافة الوطنية، أولوية أيضا

في الحملة التي تستهدف المغرب هذه الأيام على خلفية برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”، وبغض النظر عن التفاصيل والسياقات والمناقشات التقنية والقانونية والمهنية، فإن اللافت هو بروز صحف مكتوبة، فضلا عن صحف إلكترونية، ووجودها ضمن منصات تصريف هذه الحملة…
وقبل هذه الحملة، كانت الأزمة المغربية الأخيرة مع إسبانيا، قد كشفت، بدورها، اصطفاف أغلب الصحف والقنوات الإسبانية إلى جانب الرأي الرسمي لحكومة بلادها، وشنت هجمات مكثفة على المملكة المغربية.
المشترك في الحالتين معا هو أن الصحافة المهنية،  المكتوبة بالخصوص، وأيضا الإلكترونية والتلفزيونية، برزت بمثابة “سلاح” لا زال يمتلك قوته وحضوره وتأثيره في أوروبا وأمريكا، وحكومات هذه الدول تعتبره واجهة أساسية للدفاع عن مصالحها، والتصدي لخصومها.
لم تختر هذه البلدان الاعتماد على “مؤثرين” أو “مؤثرات” بلا عمق أو معرفة، ولم تعمد إلى اصطناع صفحات هاوية على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما اعتمدت على إعلام وطني مهني جاد، ويمتلك المصداقية اللازمة، والمتانة الاقتصادية والقدرة على الحضور والسجال والفعل.
هذا درس جوهري لا بد أن نقرأه جيدا في بلادنا، خصوصا من حيث علاقة الدولة بالإعلام الوطني، ولطالما نبه إليه الكثير من المهنيين والمحللين.
لا يمكن أن تعتبر السلطات العمومية نفسها غير معنية بإنقاذ قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية وتأهيل الإعلام السمعي البصري، ولا يمكن أن تترك البلاد تتفرج على موت إعلامها أو انهيار منظومته المهنية والاقتصادية…
في زمن الجائحة، ضخت البلدان الأوروبية ميزانيات ضخمة لدعم مقاولات الصحافة ومنظومة التوزيع، وحرصت على استمرار الصحف في الصدور وتحفيز الناس على القراءة، وهو ما قامت به، في الواقع، بلادنا كذلك، وإن كان الأمر لا زال يتطلب الكثير من التنظيم، والإنصات إلى المهنيين، والسعي لإعمال العدالة والإنصاف والنجاعة، وتصحيح بعض الاختلالات.
إن قطاع الصحافة في بلادنا يتطلب اليوم رؤية استراتيجية التقائية ومتكاملة، ولن تنفع فيه بعض الممارسات الفوقية الملتبسة أو الإمعان في تحويل كامل القضية إلى مجرد اختلاف بين مهنيين أو إضعاف منظومات القطاع كلها.
نحن أمام تحدي وجود مقاولات متينة اقتصاديا ومهيكلة تنظيميا وإداريا، وأمام تحدي الحاجة إلى صحف ذات مصداقية وتاريخ ووضوح رأي، ونحن أيضا في حاجة إلى منظومة عملية وفعالة للتوزيع، وفِي حاجة إلى سياسة شمولية لدعم القراءة وانتشار الصحف…
وكل هذا يتطلب هيئات ممثلة للمهنيين، وهي موجودة، ويجب أن تبقى قوية وذات مصداقية، ويفرض تطوير التجربة الفتية للتنظيم الذاتي، ويجب تفعيل حلول ورؤى شجاعة ومبتكرة لتأهيل القطاع على كل المستويات، ومن ثم الوصول إلى امتلاك بلادنا لصحف مكتوبة وإلكترونية قوية ومهنية وذات مصداقية، تعتمد عليها للانتصار لمصالحها الوطنية والإستراتيجية.
بلادنا، في غمرة كل التحديات التي تواجهها، لا تستحق أن تكون بلا صحافة في مستوى تاريخها، ومن دون إعلاميين يساهمون في التعريف بقضايا الوطن والدفاع عنها.
إن ما يجري اليوم حوالينا يفرض أن نطرح نحن أيضا قطاع الصحافة والإعلام كأولوية وطنية هنا والآن.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top