يمثل الاجتماع المغربي الإسباني المشترك بالرباط مناسبة لتجسيد الانفراج في العلاقات بين البلدين، ولتأكيد الثقة التي كان قد جرى الشروع في بنائها منذ أبريل 2022، ويتوقع أن تعكس الاتفاقيات المرتقب توقيعها بين الطرفين، وأيضا المواقف التي سيجري التعبير عنها فعلية الثقة المشتركة، وإرادة مدريد والرباط في تطوير علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات.
العلاقات المغربية الإسبانية شهدت صعوبات وتوترات في السنوات الأخيرة، وحضر ملف الوحدة الترابية ومغربية الصحراء خصوصا في عمق التوتر والشد بين البلدين، كما أن تعقد السياق الإقليمي في ضفتي المتوسط كان يزيد من حدة التوترات الثنائية، وأيضا الضغوط التي مورست ضد مدريد من لدن النظام الجزائري، والمناورات الفرنسية المتواصلة ضد البلدين معا، وكل هذه التعقيدات والصعاب نجح البلدان في القفز عليها، وجرى الاتفاق على ضرورة التأسيس لمرحلة جديدة، والانكباب على رسم معالم الثقة في العلاقات الثنائية.
اليوم، ستعرف اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين توقيع حوالي عشرين اتفاقية للتعاون الثنائي في مجالات مختلفة، وسيجري وزراء البلدين مباحثات بينهما تشمل قطاعات عديدة، كما سيحضر الفاعلون الاقتصاديون وأرباب العمل في البلدين لقاء مشتركا بحضور رئيسي الحكومتين، وتندرج كامل هذه الأجندة المكثفة في سياق انفراج العلاقات بين البلدين خلال الشهور الأخيرة، وتتوج كذلك العديد من اللقاءات التي انعقدت بين مسؤولي الرباط ومدريد، وهي تعبر عن تطلع البلدين الجارين لتمتين علاقات تعاون وشراكة قوية بينهما، وسعيهما معا ليشكل هذا الاجتماع رفيع المستوى، الذي لم يلتئم منذ 2015، بداية ترسيخ أسس متينة وواضحة للتعاون الثنائي بينهما.
وعلاوة على البعد الثنائي في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وما يمثله ذلك من أهمية استراتيجية للبلدين، فإن قضايا الشراكة الاقتصادية والهجرة والتعاون الأمني وتثبيت السلم والاستقرار ومحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة، تمتلك بعدا وأهمية إقليميين، وخصوصا على صعيد الاتحاد الأوروبي وعلاقاته مع المملكة، وهذا ما عكسته التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسباني، والذي أكد على «الأهمية الإستراتيجية» لعلاقات بلاده مع المغرب، مبرزا أمام البرلمان الإسباني أنه «من مصلحتنا الحفاظ على أفضل العلاقات، ليس من أجل إسبانيا فحسب، ولكن أيضا من أجل الاتحاد الأوروبي»، ولفت إلى أن «الحقائق والواقع يؤكدان أهمية المغرب بالنسبة لإسبانيا وأوروبا»، مشددا على أنه «سيدافع دائما عن الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب».
العلاقات المغربية الإسبانية تسير اليوم ضمن محددات ما جرى الاتفاق عليه في أبريل الماضي بين عاهلي البلدين، وعلى ضوء خارطة طريق تم الاتفاق على أسسها، وكان جرى تدشين تنفيذها بالموقف الإسباني التاريخي من الوحدة الترابية المغربية، ثم بحرص البلدين على إعمال الثقة والتشاور بينهما في كل مجالات العمل المشترك، واجتماع الرباط اليوم لا شك سيكرس ذات الإرادة، ويضخ نفسا جديدا في الشراكة الثنائية.
ترتبط الرباط ومدريد بصلات تاريخية واستراتيجية معقدة ومركبة ومعروفة، وهذا ما جعل الجوار الجغرافي بينهما صعبا في أغلب المراحل التاريخية، لكن ما يشهده العالم اليوم من تحولات يفرض بناء مرحلة أخرى مختلفة تقوم على التعاون والثقة.
إن التحديات الإقليمية اليوم، والتوترات الدولية المتسارعة، خصوصا ما يتصل بأزمة المحروقات والطاقة، والتعقيدات الاقتصادية والتموينية التي يعرفها العالم بفعل تداعيات كورونا، والحرب الروسية ضد أوكرانيا، وكذلك ضغوط وتحديات الهجرة والجريمة العابرة للحدود والاتجار في البشر، وملفات شائكة أخرى تجمع البلدين، كلها عوامل تفرض اليوم بناء علاقات مغربية إسبانية جديدة.
محتات الرقاص