العلاقة مع إسبانيا…

تدخل الأزمة مع إسبانيا مرحلة جديدة مع استمرار تعنت حكومة مدريد، وغياب أي خطوة من لدنها للمساهمة في تخفيف التوتر أو تجاوز مبرراته.
إقدام مئات من الأشخاص على النزوح نحو سبتة أو مليلية المحتلتين، زاد من حدة هذا التوتر في العلاقات بين البلدين.
من المؤكد أن العلاقات بين بلدين جارين، وخصوصا لما يحضر ثقل التاريخ في ذلك، وتعقيدات تدبير هذا الجوار الصعب، كل هذا يفرض، في مختلف الجغرافيات، تقوية التفاهم والتعاون والتنسيق بين أجهزة البلدين، لكن لما يغيب هذا التنسيق المتين أو يضعف، فإن الانعكاسات تبرز بسرعة وبجلاء على أرض الواقع، وهذا بالضبط ما يحدث اليوم على صعيد المدينتين المغربيتين المحتلتين من طرف إسبانيا.
ليس الأمر نتيجة تراخي الأجهزة الأمنية المغربية أو سلطات الحدود، كما تمعن وسائل الإعلام الإسبانية والسلطات السياسية في الترويج له هذه الأيام بشكل تبسيطي لا يخلو من تعال، ولكن ما يقع منذ أول أمس الاثنين عرى ضعف وتراخي الأجهزة الإسبانية أساسا، وفضح اتكالها الدائم على الدور المغربي، وهي اليوم تصيح ذات اليمين وذات الشمال تدعو المغرب لمواصلة القيام بالعمل الذي كان يقوم به دائما، ولكنها، في نفس الوقت، غير مستعدة لأداء أي مقابل، أو على الأقل التعامل باحترام مع المملكة وتقدير مصالحها الوطنية والإستراتيجية.
لا أحد في البلد الجار نجح لحد الآن في تقديم دليل مقنع على أن عمليات النزوح التي جرت، كانت مدبرة بشكل مقصود من طرف السلطات المغربية، وفِي نفس الوقت لم يصدر أي موقف رسمي عن السلطات المغربية بهذا الخصوص، ولكن الواضح اليوم، والفاضح أيضا، هو أن إسبانيا أقدمت على خطوة استفزازية في حق المملكة لما استضافت زعيم «البوليساريو» فوق أراضيها بهوية مزورة وبتواطؤ مع النظام العسكري الجزائري، وعطلت التحقيق القضائي معه،  ولم تقدم أي جواب عن ذلك لحد الآن، والبلد نفسه لم يخف معارضته للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وواصل استهدافه للحقوق الوطنية المغربية، ولم يبد أي استعداد للمساهمة في تقدم عملية السلام وإيجاد حل عادل لهذا النزاع المفتعل، والذي لا يخفى على أحد الدور التاريخي لإسبانيا في مختلف سياقاته…
تبعا لكل هذا، تبقى إسبانيا وحكومتها هما المطالبتان بتقديم جواب وتفسير لهذا العداء المسعور للمملكة الجارة ولوحدتها الترابية ولمصالحها الإستراتيجية.
وعندما تدخلت أمس المفوضية الأوروبية وعبرت عن قلقها مما يحدث بسبتة ومليلية المحتلتين، ولم تتردد في اعتبار الثغرين السليبين حدودا لأوروبا، فهي وجهت إشارة سلبية للغاية، واستهدفت المغرب، وهو الموقف الذي لن يساهم في بلورة الهدوء، بقدر ما سيفاقم حدة التوتر.
بالفعل، عمليات نزوح قاصرين نحو سبتة ومليلية جسدت صورة أليمة وباعثة على الاستياء بالنسبة لنا نحن هنا والآن داخل المغرب، وهي تحيل على حاجتنا الملحة كبلد لتقوية الجهد التنموي المحلي والجهوي لتحقيق تطلعات ساكنة المناطق المعنية، وصياغة بدائل مقنعة للتنمية والإدماج وتحقيق كرامة المواطنات والمواطنين، ولكن، من جهة ثانية، لا بد أن يتأسس الحوار المغربي الإسباني والشراكة بين البلدين الجارين على الندية ومراعاة مصالح وحقوق الطرفين، وذلك بعيدا عن المنطق الأوروبي المتعالي والعتيق.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top