قال قاسم مرغاطة، عضو مؤسس للمسرح الجامعي بالدار البيضاء يوم الجمعة الماضي، إن “فن المسرح قد يبدو كيانا بسيطا في ظاهره ولكنه معقد وملتبس وعميق في جوهره”، وأضاف المتحدث نفسه خلال الندوة التي عقدت في إطار النسخة الثالثة والثلاثين للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بالدار البيضاء، حول موضوع “المسرح والتأقلم” أن “الوضوح في المسرح خدعة والبساطة فيه مكر، فقد يبدو بسيطا لكنه يقدم الحياة الإنسانية على حافة التراجيديا”.
وأضاف المتحدث عينه أن “المسرح في أزمنة الوباء والاستثناء تحرر من خلفية صلبة أو عامة أو نمطية، وهو يسعى إلى خلق الخفة والتخفف من ثقل العالم وأشيائه ومنظوراته”.
وأوضح الأستاذ الجامعي مرغاطة أن “التجربة المسرحية فضاء إنساني يتأسس على خطاب إبداعي ممتهن بمنظور خفيف عن التجربة الفردية والمعاني الإنسانية”
ويرى الأخير أن “الفنان المسرحي يستجيب في أزمنة الاستثناء فقط لخيالات الحياة وأطيافها وأوهامها إلى أن يجد نفسه يحب الوهم”.
وأضاف المتحدث نفسه أن “المسرح تمثيل للمصير والحرية والعشق والبحث النهائي عن حرية طائعة مقهورة معذورة ،ففيه تتلاشى الخلافات العرقية والإديولوجية، فضلا عن كونه تركيزا على اللقطة الفنية الدقيقة والحقيقية”.
واختتم مداخلته بقوله “آن الأوان لكشف ذواتنا ولا مكان للعزاء”.
أما مداخلة نسيب المسناوي، فنان ومخرج أكاديمي في مجال المسرح والسينما، في الندوة التي تمحورت حول أثر جائحة كوفيد 19، وما سببته من ركود ثقافي واقتصادي ومحن اجتماعية والبطالة خاصة لمجموعة من الفنانين والمبدعين، إلى جانب كيفية تأقلم الفنانين مع الحالة الوبائية لكوفيد 19 في مجال الفنون، حيث قال: “لقد أجبر الفنانون على التكيف والتأقلم من أجل البقاء على الحياة أولا، وثانيا البقاء على اتصال بالجمهور”.
وتابع الفنان حديثه: “ممثلو الفنون المسرحية أظهروا قدرة كبيرة على التكيف وتصدوا لتحدي ممارسة دورهم في المجتمع وإيجاد الوسائل والأدوات لإعادة اختراع العلاقة مع الجمهور”.
كما أشار إلى نماذج تأقلم الفنانين في العالم مع الجائحة من قبيل قيام العديد من المسارح لعدد محدود من الجماهير لحضور عروض مسرحية وفق التدابير الصحية الصارمة ثم تكوين فرق مسرحية وقيام أخرى ببث مباشر للعروض المسرحية عبر الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن إطلاق مشروع تقديم فحص مجاني للكوفيد ضمن ثمن التذاكر وهناك مسارح تعتمد جواز التلقيح لولوجها.
وأوضح المخرج نفسه في الندوة ذاتها أنه بالرغم من سلبيات الجائحة على المسرح، إلا أن هناك إيجابيات، من بينها التعديل في طريقة الأداء وأساليبه، وهذا ما
خلق علاقة جديدة مع الجمهور، والتي لم تكن موجودة من قبل، مما أدى إلى نوع من التمازج في بعض الأساليب رغم كونها في السابق بعيدة ومتنافرة مع بعضها، بغض النظر عن كل تلك الكوابح كالضجيج الثقافي والفكري.
وجاءت مداخلة ميلود بوشايد، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، تحت عنوان “المسرح والتأقلم، تجربة طلبة الإجازة المهنية”،حيث سلط الضوء على كلمة ‘التأقلم’ كمفهوم، وقال بأن “التأقلم هو قدرة الإنسان على التكيف لمواجهة التحديات المستجدة “، وأضاف “التأقلم لا يخص الفنون ولكنه قديم قدم الإنسان، بحيث إنه في علم البيولوجيا كان للأخير قدرة كبيرة على التأقلم للمحافظة على البقاء على قيد الحياة”.
وأشار المتحدث نفسه إلى ذات المفهوم عند جوج بييرجي الذي قال بأن “التأقلم هو الذي يؤدي إلى التطور المعرفي للإنسان “، وهذا معناه أنه لابد من هذا التأقلم لكي يبحث الإنسان عن بدائل جديدة دون الوقوع في الاستسلام، وهذا لا يتأتى إلا بالثقة في النفس ثم استثمار كل القدرات والمهارات، باعتبار الأخير مكونا أساسيا في العمل المسرحي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى جاء الأستاذ بمستويات التأقلم مبرزا ضرورته عند كل من المخرج والممثلين.
وقد تحدث من جانب آخر عن تجربة طلبة الإجازة المهنية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، مهن المسرح والدراما، خصوصا في عز الحجر الصحي، إذ أنهم تجاوزوا هذا التوتر فأنتجوا عروضا مسرحية إلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد قدموا أكثر من 20 عملا مسرحيا.
وقال عبد القادر كنكاي، مدير المهرجان خلال الكلمة الافتتاحية للندوة أن “اختيار موضوع ‘المسرح والتأقلم’ جاء مرتبطا بما يعرفه العالم من أحداث بسبب جائحة كوفيد 19″، وتابع حديثه قائلا: “المسرح تأثر بشكل كبير، نظرا لارتباطه بمكون الإبداع الذي تكون نتائجه ونهايته فوق الخشبة من خلال التمثيل ومكون الجمهور”.
وشدد مدير المهرجان على أن “الممثل فقد مكونا أساسيا من حياته، وهو الجمهور، فوجد نفسه وحيدا يبحث عن طريقه نحو الظهور للتواصل مع الجمهور الذي ضاع”.
وتواصلت أشغال الندوة بفتح باب المناقشات أمام الحضور، وقد أسفرت هذه الندوة على نتائج ومقترحات والخروج بمجموعة من الإشكالات المجتمعية المرتبطة بالمسرح والفنان.
< فوزية البوراحي (صحافية متدربة)