الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس 2024.. هل تصمد سلاسل الإنتاج في وجه جفاف الأمطار وتراجع احتياطي الموارد المائية؟

تواجه الفلاحة المغربية اليوم، تحديا حقيقيا، بفعل توالي سنوات جفاف الأمطار، والإجهاد المائي، وتراجع حقينة السدود المغربية إلى 5296 مليون متر مكعب إلى حدود20 أبريل سنة 2024، ناهيك عن انخفاض منسوب المياه في الفرشة الباطنية ببعض المناطق. ويتضح مع هذا الوضع أن الاستراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد، لم تعد تفي بالغرض، نظرا للتهديد الكبير الذي يشكله غياب الماء على الأمن الغذائي المحلي، ثم مشكل الماء الصالح للشرب، فضلا عن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفلاحين والمستخدمين في هذا القطاع الاستراتيجي بالمغرب، الذي يساهم بنسبة 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام، كما أن 40 في المائة من السكان يعيشون على هذا القطاع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ويعتبر ورش عصرنة الإنتاج الفلاحي في تدبير الماء، من بين الحلول الأكثر عملية في الوقت الراهن، تفاديا لمزيد من هدر الماء والزمن معا، بهدف تعزيز الاستدامة وزيادة كفاءة استخدام الموارد في الزراعة. وقد خطى المغرب خطوات متقدمة في مجال تقنيات الري بالتنقيط والرش، حيث تم تجهيز مجموعة من الأراضي الفلاحية بهذه التقنيات، التي تساعد في تقليل تبخر المياه والتبذير المبالغ فيه. وفي سياق متصل، كشفت مصادر جريدة بيان اليوم، أن السلطات العمومية المغربية المسؤولة عن الماء، بدأت تشتغل بنظام الاستشعار عن بعد ورصد المعلومات جغرافيا، من خلال البيانات التي يوفرها القمران الاصطناعيان محمد السادس “أ”و”ب”، اللذان يتبعان بالصور مستوى النشاط الزراعي، ورصد تطورات البيئة والتصحر، ناهيك عن الوقاية وتدبير الكوارث الطبيعية، فضلا عن رصد استخدام المياه السطحية. في هذا الصدد، يقترح عدة خبراء، إعادة تدوير المياه العادمة واستخدامها في الزراعة، من أجل التقليل من الاعتماد على المياه العذبة والمحافظة على الموارد المائية الباطنية والسطحية. ويرتبط الحفاظ على الماء كذلك، باعتماد تقنية التنويع في الإنتاج الزراعي، بصيغة أخرى، تنويع المحاصيل الزراعية التي يمكن أن تساعد في تقليل تبخر المياه، والحفاظ عليها في التربة. ولا يمكن تحقيق كل هذه الخطط إلا من خلال توعية وتحسيس الفلاحين بأهمية توفير المياه وتحسين إدارتها، عبر اعتماد التقنيات التكنولوجية العصرية في سلاسل الإنتاج الفلاحي البديلة لما هو تقليدي في التعاطي مع هذا المورد الحيوي الذي يجب أن نضع عامل الاستدامة في التعاطي معه.

وفي سياق متصل، تؤكد وزارة التجهيز والماء، أيما مرة، على محورية الأدوار التي تنهض بها الجوانب التحسيسية والتوعوية في اقتصاد الماء وتثمينه. إلى جانب الالتزام الجماعي بالحفاظ عليه وتنميته من أجل الاستجابة للحاجيات المائية التي تشهد تزايدا متواصلا في ظل الجفاف غير المسبوق الذي يشهده المغرب، خاصة خلال السنوات الست الماضية. وتشير الوزارة في تقاريرها التي حصلت عليها جريدة بيان اليوم، إلى أن وضعية الإجهاد المائي باتت تدق ناقوس الخطر من خلال تفاقم ظاهرة ندرة الماء، داعية جميع المواطنين، كل حسب موقعه وعلاقته اليومية بالماء، إلى العمل على الحفاظ عليه والحرص على استعماله بمسؤولية. وهذا الوضع، مهدد أكثر في المستقبل، بفعل التأثيرات السلبية المتزايدة للتغير المناخي على مواردنا المائية، لهذا تدعو الوزارة إلى البحث عن حلول عملية لتعزيز التأقلم مع آثار التغيرات المناخية لمواجهة الخصاص المائي. ووقفت بيان اليوم أثناء إعدادها لهذا الملف، عند حجم البرامج التواصلية التي وضعتها السلطات العمومية بمختلف الجهات، لتحسيس المواطنين في مختلف المجالات بأهمية الحفاظ على الماء. ونظرا لهذا الوضع الحرج، شرعت وكالات الأحواض المائية بمختلف المناطق المغربية، في تكثيف وتعزيز عمل دوريات شرطة المياه التي تضطلع بدور كبير في الحفاظ على الملك العمومي المائي على مستوى الأحواض، ومراقبة الموارد المائية لمواجهة شح المياه، وحماية الفرشة المائية من الاستغلال المفرط. ويأتي تعزيز دور شرطة المياه في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2020 – 2027)، وذلك بهدف تدبير أمثل للموارد المائية. ويذكر، أنه صدر في الجريدة الرسمية، بداية شهر أبريل الجاري، المرسوم رقم 2.23.105 المتعلق برخصة “الثاقب”، والذي جاء بشروط ومسطرة مشددة، حول كيفيات مزاولة مهنة الثقب، في إطار القطع مع ظاهرة الحفر العشوائي للأثقاب المائية.

الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس يفتح النقاش حول آثار التغيرات المناخية على الزراعة

 

بات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب (SAIM)، منصة هامة لمناقشة مختلف القضايا التي تهم الشأن الفلاحي المحلي والقاري والدولي. وتم اختيار «المناخ والفلاحة: من أجل نظم إنتاج مستدامة وقادرة على الصمود»، شعارا للدورة 16 برسم سنة 2024، التي ستنظم من 22 إلى 28 أبريل الجاري بمدينة مكناس، ومن المنتظر أن تعرف مشاركة حوالي 70 بلد و1500 عارض، كما يراهن على استقبال أكثر من 950 ألف زائر. ويأتي الاهتمام بالموضوع في إطار السياق الحالي المتسم بالأزمة المناخية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الموارد المائية بفعل الإجهاد المائي. وفي ظل هذا الوضع، من المرتقب أن يناقش الباحثون والخبراء، في أزيد من 40 ندوة ومائدة مستديرة، السبل الكفيلة والمستعجلة لمعالجة الإشكاليات التي تواجه الفلاحة المغربية، وتقديم الحلول الكفيلة لضمان الأمن الغذائي بالبلاد. وتعتبر حكامة التدبير المفتاح لتجاوز الأزمة، لا سيما وأن المسؤولية تزداد أكثر إذا ما تم استحضار عامل الاستدامة الغذائية بالنسبة للأجيال القادمة، ومن هنا تبرز أهمية توظيف التكنولوجيا التي تساعد في الحفاظ على الموارد المائية وخصوبة التربة، إلى جانب ضمان مستوى الإنتاج العادي مع مراعاة الجودة. ويرى محمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن النسخة 16 لـ SIAM، ستكون موعدا للنقاش والتحسيس حول الموضوع المختار، لتسليط الضوء أكثر على المنظومة الفلاحية والاستراتيجية الفلاحية والابتكارات في القطاع، والتكنولوجيات والممارسات الفضلى من أجل زراعة أكثر قدرة على الصمود وأكثر استدامة واحتراما للبيئة. وكشف محمد صديقي خلال ندوة صحافية تم تنظيمها شهر فبراير الماضي في إطار الإعلان عن برنامج المعرض، أن هذا الأخير سيشهد تنظيم سلسلة من الندوات واللقاءات، بما في ذلك الاجتماع الوزاري لمبادرة «من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية»، والمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) لإفريقيا بالمغرب.

التحسيس بإشكالية التغير المناخي

ويمثل الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، الذي يقام هذه السنة على مساحة قدرها 12.4 هكتار، منها 11 هكتار مغطاة، أي بزيادة قدرها 13 في المائة مقارنة بالدورة السابقة، أرضية خصبة للتحسيس بإشكالية التغير المناخي، كما يطمح إلى أن يكون منصة للمؤسسات العاملة على تطوير التكنولوجيات والحلول الفلاحية المتكيفة والقادرة على الصمود، من خلال ربطها مباشرة مع كافة الفاعلين في القطاع. والمغرب على وعي بالإكراهات التي تواجه المجال الفلاحي بفعل التغيرات المناخية، وتشير تقارير وزارة الفلاحة إلى أن عنوان المرحلة المقبلة هو التعايش مع الإجهاد المائي بسبب قلة التساقطات المطرية، ذلك أن المغرب شهد في 70 سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف. وفي إطار التدخلات المستعجلة للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، اهتدت وزارة الفلاحة إلى وضع استراتيجية فلاحية على محور رئيسيين، وهما التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وتتركز الجهود المبذولة حاليا على تدبير وعقلنة استعمال مياه السقي. فيما اتجهت جهود التخفيف من آثار تغير المناخ صوب برامج توسيع المساحات المغروسة بالأشجار المثمرة، للرفع من القدرة على امتصاص الكربون والتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومن بين المشاريع التي أطلقها المغرب في إطار التكيف مع الجفاف، نعثر على مشروع التهيئة الهيدرو-فلاحية لحماية سهل سايس السقوي، مشروع تنمية الأركان في المناطق الهشة بتمويل من صندوق المناخ الأخضر، مشروع التنمية الفلاحية الشاملة المستدامة للتغيرات المناخية في وادي سوس، مشروع تحلية مياه البحر لسقي سهل اشتوكة، مشروع تأقلم الزراعة المسقية مع التغيرات المناخية بسافلة سد قادوسة، وأخيرا مشروع التأقلم مع التغيرات المناخية في مناطق الواحات.

تقوية البنية التحتية المائية

يرى فؤاد عمراوي أستاذ علوم المياه بكلية العلوم عين الشق بالدار البيضاء، أنه بقدر ما نتحكم في زراعات الخضروات والفواكه، التي نحقق اكتفاءنا الذاتي منها، «مازلنا للأسف رهينين للتساقطات المطرية على مستوى زراعات الحبوب، ومن المتوقع أن لا يتجاوز إنتاجنا هذه السنة معدل 30 مليون قنطار، بفعل جفاف الأمطار، علما أننا نحقق في السنوات الفلاحية الجيدة أزيد من 100 مليون قنطار، وهذا يعني أن الفلاحة البورية لا نتدخل فيها، كما هو الحال مع السقوية». وأوضح فؤاد عمراوي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أنه لوحظ في السنوات الأخيرة، وجود بعض المشاكل في الزراعات السقوية ذاتها، «بفعل مشكل تراجع الماء ببعض الأحواض السقوية، والفرشات المائية، التي لم تصبح قادرة على تحقيق ومواكبة حاجيات الفلاحين، خصوصا في وسط وجنوب المغرب، لأن مدن الشمال تعرف تساقطات مطرية لا بأس بها». وبخصوص مدى تأخر المغرب في التدخل لإنقاذ الوضع، كشف أستاذ علوم المياه بكلية العلوم عين الشق بالدار البيضاء، أن بلادنا لم تتأخر في مباشرة إجراءات تدبير أزمة الجفاف، «لأن كل شيء يأتي في وقته، ونعلم أن المغرب لديه إمكانيات مادية جد محدودة، لا تسمح له بالدخول في أوراش متعددة على مستوى عدة قطاعات». وزاد المتحدث ذاته موضحا، أنه «أثناء جائحة كورنا، وجه المغرب كل إمكانياته المالية للقطاع الصحي، وكذلك الأمر مع الزلزال الذي رصدت لآثاره غلافا ماليا مهما، وأتى الدور حاليا على تقوية البنية التحتية المائية، من خلال مشاريع الربط السيار المائي بين السدود، وتشييد محطات لتحلية مياه البحر». وأشار فؤاد عمراوي في حديثه للجريدة، أن هذا التأخر كان في صالح المغرب، إلى حد ما، على مستوى انخفاض القيمة المالية للتجهيزات، وتطورها التقني، لأن هذا المجال يعرف ابتكارات مستمرة بشكل دائم. ويحتاج القطاع الفلاحي اليوم، بحسب المتحدث ذاته، إلى سياسة صارمة، «عبر فعل المراقبة، من أجل ضمان نجاعة إنتاجية إيجابية، بدل الاستمرار في تضييع المواد المائية كما كان الحال في السابق». وقال فؤاد عمراوي «من منطلق تقييمي الشخصي، لم نصل بعد إلى المرحلة الحرجة، مقارنة ببعض الدول التي لا تتوفر على الموارد المائية التي بحوزتنا، ولا يجب أن نكون متشائمين بشأن وضعنا الراهن، فإذا كنا في السابق ندبر الكثرة، فإننا اليوم ندبر القلة، والدليل هو أن أسواقنا مازالت بها الخضر والفواكه. ونأمل أن يواجه المغرب بكل مؤسساته التحدي الأكبر في فصل الصيف الذي نستهلك فيه الماء بكثرة». من جانبه، أوضح محمد الهاكش، رئيس الجامعة الوطنية للفلاحة سابقا (UMT)، أن ما يجب استحضاره أثناء أي نقاش يهم الجفاف بالمغرب، «هو أن المحيط الجغرافي لبلادنا، معروف بمناخه القاحل وشبه القاحل، وعشنا خلال فترات متقطعة، لا سيما في الثمانينيات والتسعينيات مشكل الجفاف، أي أنه ليس وليد اليوم». وأشار محمد الهاكش في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن التساقطات المطرية التي تشهدها بلادنا، تكون بكثافة في المنطقة الشمالية التي تعتبر خزان المغرب المائي، وكذلك منطقة الوسط، «بيد أننا نلاحظ وجود تراجع خلال الست سنوات الأخيرة في منسوب التساقطات المطرية، أولا بفعل الحافز البيئي المتمثل في التغيرات المناخية، وأيضا لأسباب بشرية». والمطلوب اليوم، بحسب الهاكش، هو عدم الوقوع «في الأخطاء الخطيرة التي ارتكبناها سابقا، خصوصا في المجال الفلاحي، الذي يعتبر مستهلكا أساسيا للماء، لهذا يجب إعادة النظر في طرق تدبير الماء استنادا إلى اعتماد الآليات العصرية في الإنتاج الزراعي». وينصح محمد الهاكش، بالتخلي عن الزراعات المستهلكة للماء، خصوصا التي توجه للتصدير نحو أوروبا، وتزرع في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي مثل جهة سوس ماسة، التي بدأت ساكنتها تعاني بفعل الجفاف وقلة التساقطات المطرية، مبرزا أنه بالفعل تم الانتباه إلى هذا الخلل وإن بشكل متأخر، حيث تم وقف بعض الزراعات ببعض المناطق، وهو إقرار بالخطأ الذي كنا نقع فيه سابقا.

**********

إسبانيا ضيف شرف الدورة 16 لـ SIAM..  فرصة للوقوف عند التجربة الفلاحية للجارة الإيبرية وتعزيز علاقات الشراكة

اختار منظمو الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب (SIAM)، استضافة إسبانيا كضيف شرف للدورة 16 برسم سنة 2024، نظرا لخبرة هذه الدولة في مجال الزراعة داخل الاتحاد الأوروبي.

واعتبر المنظمون أن حضور إسبانيا في هذا الملتقى، يعكس عمق العلاقات التاريخية التي تربط المغرب بجاره الإيبيري، وكذا مستوى وجودة التعاون بين البلدين في المجال الفلاحي.

وتشكل هذه المشاركة، فرصة للعارضين المغاربة والأجانب، وكذا زوار المعرض، للاطلاع واكتشاف ثراء وتنوع الزراعة الإسبانية، فضلا عن إتاحة الفرصة لاكتشاف سبل تطوير الشراكات التجارية وتعزيز الاستثمارات في المجال الزراعي بين الجانبين، لا سيما على مستوى القطاع الخاص.

علاقات متينة

يتجاوز حجم التبادل التجاري الإجمالي بين المغرب وإسبانيا 21 مليار يورو، حيث تصدر أزيد من 17 ألف شركة إسبانية منتجاتها نحو المغرب.

وفي سياق متصل، نجد عددا كبيرا من المستثمرين الإسبان يقيمون مشاريعهم في المناطق الرئيسية للإنتاج الفلاحي المكثف بالمغرب (سوس ماسة – 40 مقاولة، اللوكوس – 18 مقاولة، الحوز، الغرب، إلخ.).

وتنشط هذه المقاولات الصناعية الفلاحية، بحسب وزارة الفلاحة المغربية في عدة سلاسل إنتاجية (الورديات، الفراولة، السكوم، توت الأرض، الحوامض، الزيتون، البذور،…) وفي مجال توزيع المدخلات الفلاحية (المستنبتات، المستلزمات والآليات الفلاحية،…).

ويتميز التعاون المغربي الإسباني بانفتاحه المتطور واللامتمركز على الجهات الإسبانية، وعلى الخصوص جهتي كاتالونيا والأندلس. وفي هذا الصدد، تم إنجاز برنامج التعاون العابر للحدود (إسبانيا – الحدود الخارجية Poctefex) مع الأندلس. كما تم إرساء إطار قانوني مع كاتالونيا عبر توقيع إعلانات مشتركة متعددة السنوات.

وتجمع البلدان علاقات إنسانية متينة، ذلك أن ما يقرب من مليون مغربي يعيشون في إسبانيا و17 ألف إسباني يعيشون في المغرب. وفي سياق متصل، هناك تعاون ثنائي، في مجال التشغيل والهجرة الدائرية الشرعية المنظمة، والتي تم تجسيدها من خلال الاتفاقية الثنائية الموقعة في مدريد، بتاريخ 25 يوليوز 2001، والتي تسمح بتوفير فرص شغل موسمية في قطاع الفلاحة لما يناهز 16 ألف امرأة مغربية من الوسط القروي، من كافة مناطق المغرب.

وتتوخى هذه العملية الموجهة لفائدة العاملات الزراعيات الموسميات المغربيات فرصة للعمل في إسبانيا في مناطق هويلفا، وألباسيتي، وسيغوفيا، وكانتابريا، لمدة تتراوح بين 3 و9 أشهر.

وتوطدت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية أكثر بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب في 21 فبراير من هذا العام، حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات ثنائية، عقب انعقاد الاجتماع رفيع المستوى العام الماضي، وهو الأول من نوعه منذ 8 سنوات.

وتشير آخر المعطيات الصادرة عن الاتحاد الإسباني لجمعيات منتجي الفاكهة والخضروات (FEDEX) بأن المغرب، يعتبر من بين الدول الأولى في تصدير الخضروات والفواكه نحو السوق الإسبانية، والتي بلغت في شهر يناير الماضي أزيد من 57 ألف طن، بقيمة 134 مليون أورو، أي بزيادة 45 في المائة، بالمقارنة مع نفس الفترة خلال 2023.

وشكلت الصادرات المغربية في هذه الفترة المذكورة، معدل 31 في المائة، من حجم واردات إسبانيا من الخضر والفواكه التي تعدت 345 ألف طن، علما أنها استوردت حوالي 165 ألف طن من خارج الاتحاد الأوربي، بما فيها المغرب.

واستنادا إلى المصدر ذاته، فإن الطماطم تأتي على رأس واردات إسبانيا من المغرب، حيث انتقلت من 18 ألف طن في سنة 2014 إلى حوالي 58 ألف طن في 2023، لتبلغ نسبة 221 في المائة، بزيادة 42 في المائة خلال العقد الأخير. وللإشارة فإن حجم صادرات الطماطم المغربية نحو السوق الأوروبية، ارتفعت من 345 ألف طن في 2014 إلى 491 ألف طن خلال 2023.

القطاع الفلاحي الإسباني

ويشكل القطاع الفلاحي أهمية خاصة ضمن المنظومة الاقتصادية الإسبانية، ذلك أنه يعتبر من القطاعات الرئيسية المساهمة في نسبة الناتج الداخلي المحلي الإجمالي، وهو ما يجعله منصة لفرص الشغل لفائدة عدد كبير من السكان.

وينتج الفلاحون الإسبان، مجموعة من المحاصيل الزراعية المختلفة، من قبيل الخضر والفواكه والحبوب، وتربية المواشي والألبان، وتشتهر إسبانيا بإنتاج النبيذ وزيت الزيتون، حيث توفر اكتفاءها الذاتي منهما، وتوجههما نحو أسواق دولية أخرى.

وفي ظل التقلبات المناخية التي تواجه العالم في السنوات الأخيرة، تأثرت بعض الأقاليم الإسبانية، من شح الأمطار ونقص نسب المياه في الفرشة الأرضية، وهو ما دفع بالفلاحين الإسبان إلى اعتماد أساليب جديدة لضمان الاستدامة والحفاظ على مستوى الإنتاج تفاديا للانهيار.

ويعد القطاع الفلاحي لدى الإسبان، ثقافة بالدرجة الأولى، إلى جانب أنه أحد الأنشطة الأساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن الكثير من الأسر تتوارثه ولا تنفك تحافظ عليه.

وتعتبر الفلاحة الإسبانية، مصدرا لتعزيز الأمن الغذائي للبلاد، وتلبية احتياجات الساكنة، إلى جانب خلق ديناميكية خاصة في المجال السياحي، بالنسبة للزوار الذين يبحثون عن الفضاءات الزراعية في الأرياف.

بصيغة أخرى، تعد الفلاحة من الركائز الأساسية في الاقتصاد الإسباني، وتساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة ورفاهية المجتمعات الريفية والحضرية بهذه الدولة التي يمكن لزوار معرض الفلاحة بمكناس التعرف على تجربتها.

وتحتل الفلاحة الإسبانية مكانة هامة داخل الاتحاد الأوروبي، بتعبير آخر، من أكبر الدول المنتجة للغذاء صمن هذا التكتل، ومن ثم تساهم منتجاتها في تلبية طلب السوق الأوروبية.

ويهتدي المواطنون المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي، إلى الاشتغال في القطاع الفلاحي الإسباني، في إطار البحث عن عمل ودخل جديد أو أخذ التجربة من مزارعي هذه الدولة، ما يجعلها عنصرا أساسيا في السياسات والاستراتيجيات الزراعية للاتحاد الأوروبي.

ويدر قطاع الأغذية الزراعية الإسباني، إيرادات تزيد عن 139 مليار يورو (2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي) ويعمل فيه ما يقرب من 450 ألف شخص، ومن ثم يعد قطاع التصنيع الرئيسي في البلاد.

قوة فلاحية

وتحتل إسبانيا المرتبة العاشرة على مستوى العالم والرابعة في أوروبا فيما يتعلق بإنتاج الأغذية الزراعية، وهذه المكانة تحتلها بفعل حجم الإنتاج، ذلك أنها تستخدم 33٪ من الأراضي للزراعة ، و16٪ موجهة للرعي.

ووعيا بأهمية ضمان الاستدامة في القطاع الفلاحي وحماية الموارد الطبيعية على المدى الطويل، باشرت الدولة الإسبانية مجموعة من الإجراءات من قبيل التشجيع على الزراعة العضوية، واعتماد أساليب زراعية تقلل من استخدام المواد الكيميائية الضارة، واعتماد التدوير وحماية التنوع البيولوجي.

وبدأ المزارعون الإسبان منذ سنوات في استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة مثل الري بالتنقيط والزراعة بالأغشية واستخدام الطائرات بدون طيار والاستشعار عن بعد، بحثا عن زيادة كفاءة استخدام المياه والموارد الطبيعية وتقليل التأثيرات البيئية السلبية.

ومن جهة أخرى، تعمل السلطات الحكومية بشكل حثيث على تعزيز إدارة الموارد الطبيعية مثل المياه والتربة والبيوت المائية للحفاظ عليها وتحسين جودتها، فضلا عن تبني استراتيجيات للحفاظ على التنوع البيولوجي وتشجيع زراعة الأصناف المحلية التقليدية والنباتات المهددة بالانقراض.

ولأن نجاح الاستراتيجيات الفلاحية رهين بالتعليم والتوعية، تولي إسبانيا أهمية بالغة لتوعية الفلاحين والمستهلكين بأهمية الاستدامة وتبني ممارسات زراعية مستدامة من خلال برامج تدريبية وحملات توعية.

إجمالا، تتطلع إسبانيا والجهات المسؤولة على القطاع الفلاحي، إلى تعزيز الاستدامة في القطاع الفلاحي بشكل مستمر، من خلال تشجيع التكنولوجيا الخضراء وتحفيز المزارعين على تبني الممارسات الزراعة المستدامة للحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استمرارية الإنتاج الزراعي لأجيال المستقبل.

**********

شجر الأركان.. رمز الصمود في البيئات القاحلة بالمغرب

شجرة الأركان وتعددة الأغراض

شجرة الأركان (أركانيا سبينوزا)، هي نوع متوطن من الأشجار الغابوية والتي توجد بكثافة في الجنوب المغربي، حيث تنمو هذه الشجرة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وشجرة الأركان هي النوع المحدد للنظام البيئي للغابات الغني بالنباتات المستوطنة، الذي يعرف بـ”ارقانيري”، وهذا النظام قادر على الصمود في بيئة قاسية في ظل ندرة المياه، وخطر التعرية والتربة الفقيرة.

كما أن هذا النظام البيئي ذي الجمال الاستثنائي حسبما جاء في تقرير على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، مهم لصون التنوع البيولوجي وللبحث وللتنمية الاجتماعية والاقتصادية نظرا لتأثيره في الغابات والزراعة وتربية الماشية.

وتعرف الأركان بأنها شجرة معمرة يصل عمرها، أحيانا، إلى أكثر من قرنين من الزمن، ويتراوح طولها ما بين 8 و10 أمتار، ولها أوراق صغيرة، كما أن لها قدرة كبيرة على مقاومة الجفاف والصمود في وجه التصحر.

ولغابات شجر الأركان منتجات حرجية وفواكه وأعلاف، وأوراقها وثمارها صالحة للأكل وذات قيمة عالية، كما أنها تشكل احتياطي علف حيوي للقطعان حتى في فترات الجفاف. وفضلا عن ذلك، تستخدم هذه الأشجار حطبا ووقودا للطبخ والتدفئة.

ويُستخرج زيت الأركان المشهور عالميا من بذور هذه الشجرة، ولهذا الزيت استخدامات متعددة، وبخاصة في الطب التقليدي والتكميلي وفي صناعات الأغذية ومستحضرات التجميل.

ويعتبر زيت الأركان من أندر الزيوت في العالم ويشتهر بـ”الذهب السائل” للمغرب، وله استخدامات متعددة في الطبخ والأدوية ومستحضرات التجميل. ويُعرف عن هذا الزيت علميًا قدرته على الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وفوائده للبشرة. وتتصدر المرأة القروية عملية استخراج الزيت كاملة من خلال المعرفة المنقولة عبر الأجيال.

لشجرة الأركان أهمية كبرى نظرا لتعدد استخداماتها وبوصفها وسيلة من وسائل الكسب، فضلا عن دورها في زيادة المرونة وتحسين التكيف مع المناخ وتحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة – الاقتصادية والاجتماعية والبيئية – على المستوى المحلي.

وتساهم الممارسات المتعلقة بالأركان وقطاع الإنتاج المستدام للأركان في التمكين الاقتصادي والإدماج المالي للمناطق والسكان المحليين، ولا سيما النساء اللائي يعشن في المناطق القروية.

وتقوم المنظمات الزراعية المدعومة من المجتمعات المحلية والعاملة في مجال الأركان بدور أساسي في تعزيز فرص العمل المحلية وتحقيق الأمن الغذائي وفي القضاء على الفقر.

ولقرون طويلة، كانت شجرة الأركان هي الدعامة الأساسية للمجتمعات القروية الأصلية من الأمازيغ والعرب، التي طورت ثقافة وهوية محددة، وتقاسمت المعارف والمهارات التقليدية بالتعليم غير الرسمي، خصوصا المعرفة الفريدة المرتبطة بعمل النساء في الإنتاج التقليدي لزيت الأركان.

ولا يستخدم النظام الفريد القائم على زراعة الغابات والمراعي إلا الأنواع المتكيفة محليًا وأنشطة الرعي ويعتمد على الإدارة التقليدية للمياه بطريق خزانات مياه الأمطار المحفورة في الصخور، وهو ما يساهم بالتالي في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، فضلا عن الحفاظ على التنوع البيولوجي.

اليوم العالمي لشجرة الأركان

تجمع هذه المنطقة الفريدة (التي تزرع فيها أشجار الأركان منذ عقود طولية) بين التنوع البيولوجي الزراعي والنظم البيئية المرنة والتراث الثقافي الثمين. ولهذا السبب، حصلت على اعتراف من مختلف كيانات الأمم المتحدة وحمايتها.

وقد حددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في عام 1988 منطقة إنتاج الأركان بوصفها محمية. كما أُدرجت جميع الممارسات والدرايات الفنية المتعلقة بأشجار الأركان القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في عام 2014. وعلاوة على ذلك، اعترفت منظمة الأغذية والزراعة في دجنبر 2018 بالنظام الزراعي والرعوي المعتمد على أشجار الأركان في المغرب بوصفه نظاما تراثيا زراعيا ذي أهمية عالمية.

وفي عام 2021، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 ماي يوما عالميا لشجرة الأركان. وشاركت 113 دولة عضو في رعاية مشروع القرار الذي قدمه المغرب حيث تم تبنيه بالإجماع.

ويعد هذا الاحتفال، على الصعيدين الوطني والدولي، باليوم العالمي لشجرة الأركان اعترافا دوليا بجهود المملكة، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، لحماية وتثمين شجرة الأركان.

وتجدر الإشارة إلى أن جلالة الملك كان قد أشرف في فبراير 2020 على إطلاق الاستراتيجية الوطنية “غابات المغرب” لتنمية قطاعات المياه والغابات. ويتعلق الأمر بإستراتيجية تتضمن على الخصوص إطلاق مشروع رائد لغرس 10 آلاف هكتار من شجرة الأركان على مدى 6 سنوات، بغلاف إجمالي قدره 49,2 مليون دولار، بتمويل مشترك من المغرب وصندوق المناخ الأخضر.

ودعما لهذه الجهود، احتفل المغرب بالتعاون مع الوكالات الأممية ومختلف القطاعات والفاعلين الوطنيين، بهذا اليوم العالمي “الأول”، وهو أعطى دفعة جديدة لتثمين المحيط الحيوي لشجرة الأركان، ليس فقط على الصعيد الوطني، بل أيضا على الصعيد الدولي.

وتعترف منظمة الأمم المتحدة، من خلال قرارها حول شجرة الأركان، بالمساهمة القيمة لهذا القطاع في تنفيذ الأهداف الـ17 لأجندة 2030 وفي تحقيق التنمية المستدامة ضمن أبعادها الثلاثة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وفي الواقع، فإن الطابع المتفرد لشجرة الأركان يعتمد على ممارسات الزراعة الغابوية المستدامة والمرنة التي تضمن استمرار أنظمة الإنتاج الغذائي، والحفاظ على التنوع البيولوجي والتكيف مع آثار تغيرات المناخ والتخفيف من حدتها. وتسلط منظمة الأمم المتحدة أيضا الضوء على الاستخدامات العديدة لزيت الأركان، لاسيما في الطب التقليدي والتكميلي وفي مجال الطبخ وصناعة مستحضرات التجميل.

وفي هذا الصدد، اعتبر ويرنر أوبيرماير، مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في نيويورك، أن شجرة الأركان هي “أحد الموارد الخارقة للعادة” في المغرب، بالنظر إلى استخداماتها المتنوعة وفوائدها، خاصة الغذائية والتجميلية والطبية.

من جهتها، سجلت مديرة مكتب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في نيويورك، كارلا موكافي، أن شجرة الأركان تتميز بقدرتها على التكيف بشكل جيد مع الظروف المناخية القاسية، وتمثل بالتالي “بطلا حقيقيا للمناخ”.

وبدورها، أكدت مديرة مكتب اليونسكو في نيويورك، ماري بول روديل، أن شجرة الأركان هي “عنصر أساسي في التراث الطبيعي والزراعي والرعوي للمجتمعات المحلية”، و”رمز لاستراتيجية اليونسكو الرامية إلى تعزيز الروابط بين الثقافة والطبيعة”.

أما نائبة مدير إدارة الشؤون الخارجية في صندوق المناخ الأخضر، بابيتا بشت، فاعتبرت أن مشروع زرع أشجار الأركان على مساحة تقدر بعشرة آلاف هكتار في المغرب، بتمويل مشترك من المملكة وصندوق المناخ الأخضر، يشكل أحد المشاريع الرائدة في مجال التكيف مع المناخ في إفريقيا.

وقالت بشت إن هذا المشروع “يتجاوز الجانب المرتبط بالتكيف مع المناخ في بعده البيئي. إنه مشروع يركز أيضا على التقنيات الحديثة لجمع المياه واقتصادها، واستخدام الطاقات المتجددة النظيفة ودعم التعاونيات المحلية التي تسير بشكل أساسي من قبل النساء القرويات المغربيات”.

وفي السنوات الأخيرة تزايد الطلب، بشكل كبير، على زيت الأركان في السوق الوطنية والعالمية. ودفعت الأهمية المتزايدة لشجرة الأركان أهل المناطق التي تعرف بها إلى خلق تعاونيات لإنتاج مشتقات الزيوت وتسويقها، مما أدى إلى تحسين مستوى عيش السكان، خصوصاً النساء.

وثمار شجرة الأركان، بحجم ثمار الجوز، وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة للغاية، لونها بني جذاب وقشرتها ناعمة، وبداخلها لوزة بحجم اللوز العادي. ويحتاج استخراج اللوزة جهداً شاقاً.

وحين تكسر النواة ترمى القشور الخشبية وتسخن اللوزة، ومن ثم تطحن برحى يدوية مصنوعة خصيصاً لطحن نواة الأركان، وتؤخذ العجينة المطحونة بعد ذلك، وتُعصر باليد لاستخراج الزيت.

الفلاحة التضامنية

وتشكل الفلاحة التضامنية، لا سيما زراعة الأركان، إحدى المكونات الأساسية في السياسة الفلاحية للمغرب (مخطط المغرب الأخضر). حيث تتم زراعة شجرة الأركان في العديد من المناطق الجنوبية للمملكة كما هو الحال بإقليم كلميم، فبالجماعة الترابية أباينو، على مستوى دوار إغيسيل، حملت جمعية دووامان للتنمية والتعاون على عاتقها مشروع تشجير 68 هكتارا بالأركان.

وهمت هذه المبادرة، التي تم إنجازها بالكامل، التجهيز بنظام الري الموضعي والتجهيز بالطاقة الشمسية من أجل الضخ، وإنشاء سياج لحماية منطقة المشروع، وتوفير الدعم والاستشارة الفلاحية.

ويستمر العمل على زراعة شجر الأركان، الملائمة للبيئة المحلية، والتي تدعمها السمعة العالمية لزيت الأركان والطلب المتزايد عليه في السوق. فالمشروع موجه لـ 99 مستفيدا، وتطلب إنجازه 8,6 مليون درهم، وتصل طاقته الإنتاجية إلى 16 لتر من زيت الأركان للهكتار، بالإضافة لإحداثه 200 يوم عمل في الهكتار.

وتنظم خلال الفترة ما بين 10 و12 ماي المقبل بالصويرة النسخة السابعة للمؤتمر الدولي للأركان، وذلك تحت شعار “شجرة الأركان في مواجهة التغير المناخي”.

وأوضح بلاغ للمنظمين أن هذا المؤتمر الذي يعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، منذ سنة 2011، يجمع المجتمع العلمي الوطني والدولي للنهوض بالتنمية المستدامة لقطاع الأركان.

وأضاف المصدر ذاته أن النسخة السابعة من هذه التظاهرة تشكل مرحلة مفصلية في إطار الالتزام المستمر بالحفاظ على الأركان والنهوض بهذه الشجرة المغربية الاستثنائية.

وأبرز أن هذه التظاهرة باتت موعدا لابد منه ينظم كل سنتين، إذ يجمع الباحثين والمؤسسات والمهنيين والعاملين في القطاع، مشيرا إلى أن هذه النسخة تؤكد على ضرورة التفكير العميق في التفاقم الملحوظ لآثار التغيرات المناخية، ولا سيما خلال العقد الأخير.

وأشار البلاغ إلى أن النسخة السابعة، في إطار التزامها بضرورة اعتماد ومشاركة نتائج البحث العلمي، تروم تعميق المعارف حول الأنواع والنظم البيئية، وكذلك حول ردود فعلها على تغير المناخ بهدف تطوير استراتيجيات التكيف. كما تهدف إلى تحليل النتائج وقياس تأثيرات تغير المناخ على النظام البيئي والقطاع والمجتمعات.

وأكد أن التظاهرة تروم تقديم الخيارات الكفيلة بتعزيز تكيف الموارد الطبيعية والقطاعات والمجتمعات مع تغير المناخ، وكذلك مشاركة الأبحاث والتقنيات التي من شأنها تعزيز قدرات التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية.

ومن بين أهداف هذا المؤتمر تعزيز العمل المتخصص والتنسيق المؤسساتي الذي يدعم إنتاج وتقاسم المعرفة وإشراك الفاعلين والمتخصصين في هذا القطاع.

وأشار المنظمون إلى أن “تنوع المشاركين في هذه النسخة السابعة سيعكس التزامنا بالمقاربة القائمة على التعاون لمواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية”.

**********

زبيدة شروف:  الفوائد الطبية والتجميلية للأركان مكنته من الوصول إلى العالمية

أدت التحولات التي عرفتها المملكة المغربية في العديد من المجالات ومن أهمها المجال الفلاحي والزراعي، والتي من أبرزها الاهتمام بشجرة الأركان التي يعتبر المغرب مصدر زيوتها نحو العالم وما توفره من فوائد طبية وعلاجية تجميلية وعوائد مادية على ساكنة المناطق الجنوبية للمغرب، إضافة إلى خلقه مجال أوسع للتعاونيات الفلاحية، وكذا تشجيع البحث العلمي من أجل استدامة “الأركان المغربي”.

في هذا الإطار كان لجريدة بيان اليوم حديث مع زبيدة شروف، أستاذة الكيمياء بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس بالرباط ورئيسة جمعية ابن البياطر، حول “ذهب المغرب الأخضر “.

< تحتل زراعة الأركان، حيزا مهما في المجال الفلاحي المغربي، كيف تنظرين إلى تثمين هذه الشجرة التي تعتبر من الأشجار الصامدة في البيئات القاحلة بالمغرب؟

> إن التثمين الاقتصادي لشجرة الأركان، وخاصة في مجالات التجميل والطب، يعد أحد الدعائم الرئيسية التي من شأنها الحفاظ وضمان استدامة هذه الأشجار الصنوبرية.

وهنا أستحضر إحدى الدراسات التي قمت بها في بداية التسعينات، والتي تناولت من خلالها أهمية تثمين منتجات شجرة الأركان وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستويين الجهوي والوطني، حيث أبرزت أن الاقتصاد دائما ما يكون هو الذي يحرك البيئة والنتائج التي تم تحقيقها حاليا، تؤكد تلك التوقعات.

وقد كانت الدراسة تحت عنوان «تثمين منتجات الأركان من أجل الإدارة المستدامة للمناطق الجافة جنوب غرب المغرب» والتي بينت أنه في المناطق الجافة والمكتظة بالسكان، لا يمكن فصل الاهتمامات البيئية عن الاهتمامات الاقتصادية، حيث أن التنمية الاقتصادية لشجرة الأركان من خلال تثمين منتجاتها وإشراك المجتمعات المحلية في الدورة الإنتاجية يمكن أن تشكل إحدى وسائل إعادة تأهيل هذه الغابات بشكل مستدام.

كما أن شجرة الأركان عرفت تطورا اقتصاديا هاما خلال السنوات الأخيرة، ما انعكس إيجابا على المساحات المعاد تأهيلها والتي شهدت قفزة نوعية، حيث أعاد المغرب تأهيل 146 ألف هكتار ما بين سنة 2011 و2020، بالإضافة إلى زراعة حوالي 5000 هكتار على أراض خاصة.

وقد أوضحت الدراسة، أنه عندما توفر الأشجار الغذاء والمنتجات القابلة للتسويق والمنتجات التي يمكن أن تستهلكها الماشية، يكون السكان أكثر أمانا ويستثمرون في هذه الأشجار المربحة، وينخرطون بشكل طبيعي في جهود الحفاظ عليها وحمايتها.

< ما هي أهم الفوائد الطبية والتجميلية لهذه الشجرة؟

> إن الفوائد الطبية والتجميلية التي مكنت هذا الزيت من الوصول إلى العالمية، وأصبحت تتهافت عليه أكبر الشركات في ميدان الطب والتجميل، عائد لكون زيت الأركان يتوفر على عدة فوائد صحية، وذلك بسبب دأب المغاربة، منذ قرون، على استهلاك زيت الأركان للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.

كما أن العديد من الدراسات أظهرت بالفعل أن هذا الزيت يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية كونه يخفض ضغط الدم ويعمل على السيطرة على الكولسترول، كما أظهرت دراسات أخرى أن زيت الأركان يمكن أن يعمل على إبطاء تكاثر خلايا سرطان البروستات وذلك لاحتوائه على مضادات الأكسدة.

أما عن الفوائد التجميلية فتتجلى في العمل على ترطيب وتنظيف البشرة، وتغذية الشعر وفروة الرأس، كما أنه يحفز الوظائف الحيوية لخلايا الجلد، مما يساهم في مقاومة شيخوخة الجلد، بالإضافة إلى أنه يساعد على علاج حب الشباب، والندوب.

< ما هي أهم العوامل التي ستساهم في الحفاظ على الأركان؟

> لابد من الاستغلال العقلاني والتدبير الجيد لاستخدام شجر الأركان في استخراج الزيت التجميلي والطبي، بما من شأنه حماية والمحافظة على هذه الثروة الطبيعية النادرة، والنظر إلى تجارب ناجحة في هذا المجال كما هو الحال بالنسبة لشجرة الجوجوبا والجينكو بيلوبا.

كما أنه لابد من الضروري العمل على تنظيم القطاع بشكل أفضل بحيث يستفيد السكان وخاصة النساء العاملات في القطاع، من الزخم وارتفاع الطلب على زيت الأركان، وتعزيز تثمين هذا المنتج في المنطقة المنتجة، من خلال، حظر تصدير زيت الأركان الصالح للأكل بكميات كبيرة، وتعبئتها في عبوات لا تتعدى لتر أو 250 مليليتر محليا، وتصديرها بعلامة المنشأ والجودة «البيانات الجغرافية المحمية IGP»، بالإضافة إلى تسجيل علامة «البيانات الجغرافية المحمية» للأركان في أوروبا.

أما بالنسبة لزيت الأركان التجميلي، فيجب أن ينخرط المغرب بشكل أكبر في بروتوكول ناغويا الذي وقع عليه سنة 2011، والذي يلزم المستخدمين الأجانب بتقاسم المزايا الناتجة عن استغلال الموارد الجينية، وتقاسم المنافع، وذلك حفاظا على التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام لمكوناته.

*****

لطيفة اليعقوبي: سلسلة الأركان رافد أساسي للتنمية المجالية وهاجسنا الأول الحفاظ على الموروث الواحي للمملكة

قالت المديرة العامة للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان، لطيفة اليعقوبي، إن أن مناطق الواحات والأركان تواجه مجموعة من الإكراهات خصوصا منها البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، والتي تتجلى في توالي سنوات الجفاف والفيضانات وزحف الرمال، مما انعكس سلبا على القطاع الفلاحي الذي يشكل أهم مورد اقتصادي لسكان هذه المناطق وبالخصوص سلسلتي النخيل والأركان.

وشددت اليعقوبي في حوار مع جريدة بيان اليوم، على أن هاجسهم الأول هو الحفاظ على الموروث الواحي للمملكة، مبرزة أن الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، بلورت مع شركائها المحليين الوطنيين والدوليين، جيلا جديدا من المشاريع يستهدف حماية الواحات الوطنية من خطر الحرائق اعتمادا على استراتيجية متكاملة تنسجم مع الواقع المحلي وتنبني على منظومة حماية ذاتية وإجراءات احترازية ضد الحرائق.

وأشارت اليعقوبي إلى أن شجرة الأركان موروث عالمي اعترفت به مؤسسة اليونيسكو، مؤكدة أن المغرب حرص على تثمين هذه الشجرة ووضع رؤية استراتيجية للحفاظ عليها من الاندثار، مع ضمان أفضل الشروط لنجاح هذه الرؤية، من خلال إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان “أندزوا” (ANDZOA) سنة 2010، بهدف أن تتولى الإشراف على هذا القطاع وفق الضوابط والأسس المنسجمة مع مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها.

 

1 كيف يعمل المغرب على الحفاظ على مجال الواحات والأركان في ظل تأثيرات التقلبات المناخية؟

< أود أن أشير في البداية إلى أن مناطق الواحات والأركان تواجه مجموعة من الإكراهات خصوصا منها البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، والتي تتجلى في توالي سنوات الجفاف والفيضانات وزحف الرمال، مما انعكس سلبا على القطاع الفلاحي الذي يشكل أهم مورد اقتصادي لسكان هذه المناطق وبالخصوص سلسلتي النخيل والأركان.

ومن أجل التخفيف من تأثير التغيرات المناخية، وضمان استدامة الزراعة وتحسين قدرتها على الصمود، فإن المغرب وتماشيا مع التوجيهات المولوية النيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وضع مخططات فلاحية: المغرب الأخضر 2008-2020 والجيل الأخضر 2020-2030، التي تستهدف تحسين إدارة الموارد الطبيعية، ودعم الزراعة المستدامة.

وفي هذا السياق، تم خلق آليات فعالة للتخفيف من هشاشة المنظومة الإيكولوجية وتحسين قدرات تأقلم المؤسسات والفاعلين المحليين مع التغيرات المناخية.

ومن بين هذه الآليات أذكر تحسين قدرات تدبير الموارد المائية وذلك عبر إنجاز وتأهيل البنيات والمنشآت المائية لتعبئة وتجديد الفرشات المائية الباطنية عبر إنجاز الحواجز المائية، وأيضا حماية وتنمية أشجار النخيل المثمر حيث تم غرس أزيد من 3 ملايين شجرة بالواحات.

وقد تم كذلك تنويع مصادر الدخل وتحسين الظروف المعيشية للساكنة لتخفيف الضغط على المنظومة الإيكولوجية الهشة، وذلك عن طريق تشجيع المبادرات المحلية فيما يخص المشاريع المحافظة على البيئة (السياحية الإيكولوجية، استعمال الطاقات المتجددة وتثمين المنتجات المحلية…)، زيادة على الاشتغال على تحسين وعي جميع الفاعلين عن طريق تبادل التجارب والمعرفة وتقوية قدرات المشاركين في تصميم وتنفيذ تدابير التأقلم.

ومن الأنشطة الرئيسية للمخطط، تسريع برنامج زراعة أشجار الأركان، وتأهيل الغابات الطبيعية والمحافظة عليها، كما تهدف الاستراتيجية أيضا إلى تسريع البحث وتطويره من خلال الاستفادة من التطورات التقنية، لا سيما فيما يتعلق بتكاثر الأصناف الجديدة المختارة وعالية الأداء. كما تم البحث عن أنماط بيئية متأقلمة وعالية الأداء، إما عن طريق استغلال التنوع الجيني الحالي أو عن طريق التحسين الوراثي، للحفاظ على قطاع الأركان وتطويره.

كما عملت الوكالة على تعبئة الشراكة عبر التعاون الدولي همت 4 مشاريع بمناطق الواحات:

• إنجاز مشروع «التأقلم مع التغيرات المناخية بمناطق الواحات» الممتد ما بين 2015 و 2023، الذي خصص له غلاف مالي قدره 95 مليون درهم، و يهدف إلى الرفع من قدرات تأقلم ساكنة الواحات مع التغيرات المناخية،

• وتماشيا مع هذا التوجه وإيمانا منها بدور قطاع النخيل في تعزيز قدرة هذه المناطق على مواجهة آثار هذه التغيرات، فقد عملت الوكالة بشراكة مع منظمة التعاون البلجيكي على انجاز مشروع دعم المجموعات ذات النفع الاقتصادي بالواحات المغربية بغلاف مالي يناهز 130 مليون درهم، امتد ما بين 2017 و.2023

• ومشروع “إعادة تأهيل المنظومات الزراعية الإيكولوجية الواحاتية عبر مقاربة مستدامة ومتكاملة”–ؤ بشراكة مع منظمة الأغدية والزراعة الفاو بغلاف مالي يناهز 90 مليون درهم، الممتد ما بين 2016 و2024. هذا المشروع الذي يساهم بشكل فعال في إنعاش الأنظمة الإيكولوجية الزراعية للواحات على أن تكون منتجة، جذابة وصحية، وأن تدعم سبل العيش المحلية.

• وكذلك في إطار المجهودات المتواصلة، قامت الوكالة بإعداد مشروع يهم الرفع من مرونة وتأقلم واحات اوفوس بالرشيدية واقا بطاطا بتمويل من وزارة الفلاحة والبنك الدولي بميزانية 120 مليون درهم وسينطلق خلال السنة الجارية 2024 ويمتد لثلاث سنوات. ويتكون هذا المشروع من ثلاثة محاور رئيسية؛ الأول يتعلق بالتعزيز المؤسساتي والتخطيط المحلي، والثاني يخص استعادة النظم الإيكولوجية للواحات، فيما يهم الثالث إدارة وتدبير المشاريع التي تستهدف واحات المناطق السهلية والمتوسطة وكذا الواحات الصحراوية.

2 ما هي أبرز الخطوات الاستباقية التي تعمل عليها الوكالة من أجل الحد من حرائق الواحات وهل تعمل الوكالة على تعويض المساحات المتضررة من الحرائق من خلال الأغراس الجديدة ؟

< شكرا لطرحكم هذا السؤال البالغ الأهمية؛ هاجسنا الأول هو الحفاظ على الموروث الواحي للمملكة، حيث بلورت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، مع شركائها المحليين الوطنيين والدوليين، جيلا جديدا من المشاريع يستهدف حماية الواحات الوطنية من خطر الحرائق اعتمادا على استراتيجية متكاملة تنسجم مع الواقع المحلي وتنبني على منظومة حماية ذاتية وإجراءات احترازية ضد الحرائق. ويتم تنزيل هذه المشاريع عبر وضع برنامج عمل سنوي أو متعدد السنوات على صعيد الأقاليم الواحية للرفع من النجاعة في التدخل لحماية الواحات من الحرائق وذلك عبر تهيئة الواحات والمساهمة في التوعية والتحسيس من أخطار ومسببات هذه الظاهرة.

ولقد أبرمت الوكالة مع شركائها اتفاقيات شراكة أولية بالواحات الأكثر عرضة للحرائق، بتكلفة مالية إجمالية تبلغ 842 مليون درهم تمتد على ستة سنوات (2022-2027) وتتمحور حول عدد من البرامج والمشاريع، من بينها: تهيئة المسالك لتسهيل التدخلات، إنجاز فوهات الماء داخل الواحات، الإنارة العمومية باللوحات الشمسية، التكثيف من وحدات القرب للوقاية المدنية، دراسة وإنجاز أبراج مراقبة مجهزة للمراقبة عن بعد، توزيع معدات خاصة للتدخل السريع، تنقية أعشاش النخيل، تهيئة السواقي والخطارات، توزيع الفسائل (الشتلات) في المناطق المتضررة، تجهيز ومواكبة التعاونيات الخدماتية، إضافة إلى التكوين والتحسيس.

وقد مكن الشطر الأول من هذا البرنامج، على مستوى واحات أوفوس وتنجداد بالرشيدية وواحة مزكيطة بإقليم زاكورة وواحة سكورة بإقليم ورززات وواحات أسرير وتغرمت بإقليم كلميم من توفير 29 مجموعة من آليات ومعدات خاصة للتدخل السريع عن قرب؛ وضع 73 من فوهات الإطفاء ومحطات الضخ وإنشاء نقاط وشبكات المياه؛ تهيئة 45 كلم من المسالك داخل الواحات، تجهيز المسالك بالإنارة بأزيد من 200 عمود من اللوحات الشمسية؛ تنقية أزيد من 570 هكتار من أعشاش النخيل؛ تهيئة حوالي 30 كلم من السواقي والخطارات؛ توزيع أزيد من 35000 من الفسائل والأشجار المثمرة؛ تهيئة فضاءات للعرض السياحي؛ اقتناء 25 من الآليات والمعدات الفلاحية إضافة للأنشطة التحسيسية وتقوية القدرات. كما تم إصدار قرارات عاملية تقضي بمنع حرق بقايا النخيل والأعشاب داخل الواحات. إلى جانب الحملات المكثفة للتحسيس والتوعية بأسباب ومخاطر الحريق كل سنة ابتداء من شهر ماي وطيلة الفترة الصيفية بمختلف الواحات.

وعلى مستوى اليقظة والاشعار المبكر ووفق منظور “واحة ذكية” “SMART OASIS” سيتم اطلاق نموذج لرصد الحرائق على مستوى واحة اوفوس كتجربة فريدة على مستوى الواحات المغربية يقوم على وضع كاميرات المراقبة مع الربط الاوتوماتيكي. على ان يتم تقييمها أواخر صيف 2024 في أفق تعميمها على باقي المجالات الواحاتية بالمملكة المغربية.

وفيما يخص تعويض المساحات المتضررة من الحرائق من خلال الأغراس الجديدة، فوزارة الفلاحة تعمل على تقديم مساعدات للفلاحين، حيث تقوم في إطار الاستراتيجيات الفلاحية بتوزيع الفسائل على الفلاحين مجانا.

وتنفيذا لعقد برنامج تنمية سلسلة التمر لمخطط المغرب الأخضر وبالخصوص برنامج الغرس الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالرشيدية بتاريخ 10نونبر2009 ، لا بأس أن أشير للدور الأساسي لسلسلة التمور في تنمية اقتصاد المناطق الواحاتية، خاصة توفير فرص العمل والحفاظ على المجال البيئي داخل هذه المناطق. فقد تمت تعبئة استثمارات مهمة، في إطار عقد برنامج سلسلة النخيل، ناهزت 7,5 مليار درهم من أجل تنزيل هذا البرنامج الملكي الطموح.

أما في إطار تنزيل استراتيجية الجيل الأخضر، فقد تم توقيع عقد-برنامج جديد، بين الوزارة والفيدرالية البيمهنية المغربية للتمور “تمور المغرب” من أجل تنفيذ برنامج تنمية سلسلة نخيل التمر في أفق 2030، بهدف مواصلة ترسيخ مكانتها سلسلة النخيل داخل القطاع الفلاحي، وتأهيل الواحات التقليدية وتوسيع المساحات المغروسة خارج الواحات. كما يطمح هذا البرنامج إلى تحسين الإنتاجية، وتوسيع وحدات التبريد والتعبئة والتحويل، وزيادة الصادرات وتنويع الأسواق.

أما بالنسبة للأركان، وفي إطار تنزيل محاور استراتيجية “الجيل الأخضر”، فقد شرع المغرب في توسيع وتكثيف المساحات المغروسة من الأركان الفلاحي، من خلال غرس 10 آلاف هكتار من المساحات الجديدة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، في إطار برنامج ممول من طرف الصندوق الأخضر للمناخ. وسيتم أيضا، رفع هذه المساحات المغروسة بأشجار الأركان لتصل إلى 50 ألف هكتار في أفق 2030، من أجل تخفيف الضغط على غابات الأركان الطبيعية ولتثبيت الإنتاج وتحسين جودته.

3 يتمتع المغرب بسمعة جيدة من حيث جودة منتجات الأركان، ما هي استراتيجية الوكالة بخصوص ترسيخ هذه السمعة والحفاظ على هذا الإرث التاريخي؟

< تعتبر شجرة الأركان الممتدة على مساحة تقدر بـ830 ألف هكتار من الفصائل شديدة التحمل، كما أن زراعة شجر الأركان ملائمة للبيئة المحلية، الشيء الذي جعل من منتوجات الأركان عموما وزيت الأركان خصوصا تتميز بسمعة عالمية وتعرف طلبا متزايدا عليها في السوق، ولا ننسى أن شجرة الأركان موروث عالمي اعترفت به مؤسسة اليونيسكو. ولقد حرص المغرب على تثمين هذه الشجرة ووضع رؤية استراتيجية للحفاظ عليها من الاندثار، مع ضمان أفضل الشروط لنجاح هذه الرؤية، من خلال إحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان “أندزوا” (ANDZOA) سنة 2010، بهدف أن تتولى الإشراف على هذا القطاع وفق الضوابط والأسس المنسجمة مع مبادئ التنمية المستدامة وأهدافها.

لقد أتاحت استراتيجية “الجيل الأخضر” موارد هامة للمؤسسات المهنية العاملة في مجال الأركان، وهكذا تم العمل على تعزيز وتحديث أساليب المعالجة والتعبئة والتلفيف على مستوى الوحدات المحلية والوطنية، و كذلك إصدار علامات الجودة، والتسويق كما تهدف هذه الاستراتيجية إلى مضاعفة كميات زيت الأركان المعبأ من 20 في المائة إلى 50 في المائة، وأيضا دعم وتشجيع تصدير زيت الأركان.

كما أن الوكالة اتخذت إجراءات أخرى ستمكنها من أن تكون رافعة لاستدامة وتحديث قطاع الأركان في السنوات العشر القادمة، والتي يمكن أن نذكر منها المساهمة في تقوية عملية تأطير منتوج الأركان من خلال العمل على تنظيم السلسلة الإنتاجية وبناء وحدات تجميع وتخزين ثمار الأركان، إضافة إلى تطوير نظام معلوماتي جغرافي للتوقعات السنوية لإنتاج ثمار الأركان (GIS).

ويهدف هذا الأخير إلى تسهيل نشر المعلومات وإدارة موارد الأركان بالإضافة إلى دعم برامج البحث العلمي. وفي هذا الإطار نعمل على إنشاء مركز دولي للأركان، مهمته تنسيق البحث العلمي في خصائص هذه الشجرة، وتتبع مراحل تنزيل أهداف برنامج إعادة تأهيل مناطق زراعة شجرة الأركان، بالإضافة إلى إنشاء متحف خاص بتراث شجرة الأركان.

وفي الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان نعمل أيضا على تعزيز وتطوير مشاريع لمنتوجات مبتكرة للأركان يشارك فيها باحثون وتعاونيات نسائية على حد سواء، وكذا تبسيط نتائج الأبحاث حول شجرة الأركان وشهادات الجودة، إضافة إلى القيام بدراسات حول السوق الدولية لمساعدة التعاونيات والشركات على تحسين تموقعها، ومساعدتها على تقوية التعاقد في إطار برنامج دعم ومواكبة التعاونيات واتحادات التعاونيات والتجمعات ذات النفع الاقتصادي من أجل تثمين وتسويق المنتوجات المجالية.

-4 ما هو الأثر التنموي لهاتين السلسلتين في مجال تواجدهما؟

< فعلا، كما سبق الإشارة إليه الأثر يتضح جليا من خلال السلسلتين السالفتي الذكر، فبالنسبة لسلسلة النخيل فقد مكنت الاستثمارات من إعادة تأهيل وإنشاء بساتين النخيل بالواحات التقليدية، وفي هذا الإطار، تم غرس 2 مليون نخلة بالواحات التقليدية من أصل 3,1 مليون نخلة. كما تم بناء وتجهيز 50 وحدة لتثمين منتوجات التمر بطاقة إنتاجية تفوق 27.000 طن، وطاقة استيعابية للتخزين تجاوزت 5750 طن.

أما فيما يتعلق بمضاعفة إنتاج البراعم الخضرية فقد تم إحداث مختبر في مدينة الراشيدية بطاقة إنتاجية تناهز 40 ألف برعم خضري، وتجهيزه بمنظم جزيئي (Séquenceur) للتأكد من صنف الأغراس الأنبوبية الموزعة، كما تمت مضاعفة الطاقة الإنتاجية لمختبر مراكش لبلوغ 20 ألف برعم خضري.

وقد بلغت حصيلة إنتاج البراعم من طرف المعهد الوطني للبحث الزراعي حوالي 313.190 برعم خلال الفترة 2010-2020. كما تم أيضا الاشتغال على تعزيز الطاقة الإنتاجية للشتلات الأنبوبية لتصل إلى 800 ألف شتلة سنويا.

أما بخصوص الموارد المائية المتعلقة بالنخيل مثلا، فقد تمت تعبئتها من خلال استمرار الإنجازات الهيدرو-فلاحية لمدارات السقي الصغير والمتوسط بالواحات عبر استصلاح شبكة الري (حوالي 852 كيلومترا من السواقي)، وتشييد 88 سدا تحويليا وترميم منابع المياه والخطارات (118 كيلومترات)، وصهاريج التخزين، بالإضافة إلى مجهودات الدولة لإنجاز السدود الكبرى (أكدز بدرعة، وقدوسة بالراشيدية).

ومن أجل النهوض بمنتجات الواحات وتثمينها، فقد تم إرساء معايير الجودة لفائدة 9 أصناف من التمور المغربية للرفع من قيمتها التجارية وتسهيل تسويقها، منها 8 أصناف تحت العلامة المميزة للبيان الجغرافي المحمي (IGP)، بالإضافة إلى تمور النجدة تحت علامة الجودة الفلاحية (LA). وقد مكنت هذه المجهودات المتواصلة والنتائج المحققة من بلوغ معدل إنتاج سنوي يناهز 149000 طن، إضافة إلى تحقيق رقم معاملات يزيد عن 2,9 مليار درهم. وبفضل هذه النتائج الإيجابية المحققة، فقد أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، انطلاق برنامج غرس 5 مليون نخلة في أفق 2030 في إطار استراتيجية الجيل الأخضر.

أما سلسلة الأركان فهي تشكل بدورها رافدا أساسيا ومهما للتنمية المجالية المندمجة في هذه المناطق، من خلال مساهمتها الكبيرة في تحسين ظروف عيش الساكنة المحلية وخاصة المرأة القروية التى تحظى باهتمام بالغ في البرامج التنموية الفلاحية.

ولهذه الغاية سطرت الوكالة برامج تنموية تهم مختلف القطاعات الحيوية لتوفير الخدمات الأساسية للساكنة المحلية لا سيما منها فك العزلة، الصحة، التعليم، توفير الماء الصالح للشرب، الكهربة القروية، التكوين المهني وخلق الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل والموفرة لفرص الشغل.

وفي هذا الإطار خصصت الوكالة ميزانية تفوق مليار درهم لتأهيل هذه المناطق النائية والنهوض بمستوى وتحسين عيش الساكنة المحلية عبر تمويل برامج ومشاريع تنموية تهم جميع المجالات السالفة الذكر، وبفضل مساهمة وتدخلات الوكالة في مجال الأركان تم تحقيق مؤشرات إيجابية، أذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر : بلوغ نسبة 99% بالنسبة للكهرباء في العالم القروي في المناطق المعنية بشجرة الأركان، ونسبة 96% من الربط بالماء الصالح للشرب و80% بالنسبة للتعليم الأساسي و78% للتعليم التأهيلي و96% بالنسبة لفك العزلة في العالم القروي.

إن هذه الإنجازات السالفة الذكر، نتيجة لمقاربة تشاركية مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ومختلف الشركاء المعنيين، وهي تمرة نتاج لسنوات عديدة، كان لها الوقع الإيجابي على الساكنة وعلى المجال الإيكولوجي الذي تعيش فيه، زيادة على مساهمتها في الحفاظ على الموروث الطبيعي والثقافي المميز لمناطق تدخل الوكالة، هذا الموروث الذي توج خلال سنة 2021 بإقرار اليوم العاشر من شهر مايو من كل سنة يوما عالميا لشجرة الأركان من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إنجاز: عبد الصمد ادنيدن- أنس معطى الله- يوسف الخيدر

 

Top