ممثلان مسرحيان كبيران، بتجربتهما الإبداعية ومراسهما الطويل، عبد الرحيم المنياري وعبد اللطيف الخمولي مضاف اليهما نجمة استعراضية صاعدة في سماء الفن، غناء ورقصا وتمثيلا، هي هند بن جبارة، هذا الثلاثي الذي هيمن على فضاء الخشبة، مرتديا شخصيات متباينة لكنها من صميم واقعنا الجديد، المتميز بتأليه المال، وجعله متحكما في العلاقات بين الناس، بل جعله مقياسا وقيمة تعلو على ما دونها من القيم الاجتماعية وحتى الإنسانية. كان هذا ليلة الإثنين الماضي بالدار البيضاء في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان الجهوي للمسرح الاحترافي في نسخته الأولى، التي تنعقد تحت شعار “لنتصالح مع المسرح”.
المسابقة الرسمية، التي انطلقت بهذا العرض الذي يحمل عنوان
“سعدات سعيد” لفرقة مسرح غرناطة، وهو من تأليف وإخراج عمر الجدلي، سينوغرافيا الحسين الهوفي، كوريغرافيا أمين دامون، والمحافظة العامة لمولود بنعبو، ستتواصل حتى الثامن من يونيو الجاري، بأعمال أخرى متبارية من قبيل (شكسبير في القلب) لفرقة الرؤية الجديدة، إخراج لحسن زينون، و(تاكزيرت) لمسرح تافوكت، إخراج خالد بويشو، و(المقامة البهلوانية) لمسرح أبعاد، إخراج عبد المجيد شكير، و(الرامود) لرواد الخشبة، إخراج بوسرحان الزيتوني، و(بوغطاط) لفرقة ارتيل كوم، إخراج جواد الخودي، و(مايد إن موروكو) لمسرح لكوميدي، إخراج سعد التسولي، و( جيل شو ) لفضاء القرية للإبداع، إخراج بوسرحان الزيتوني.
مسرحية “سعدات سعيد”
تحكي مسرحية “سعدات سعيد”، عن قضايا شائكة في بعديها الاجتماعي والانساني، كتجليات من صميم حياتنا اليومية، في قالب كوميدي لكن بحبكة بسيطة، وتشخيص ممتاز واحترافية كبيرة، وتوجه المسرحية سهام النقد لواقع صار يتميز، بالطمع والنفاق وعبادة المال، في خطاب مباشر بسيط يتوخى الوصول الى مختلف شرائح المتلقين، على اختلاف مستوياتهم، كما يجدر التنويه بالممثلة هند بن جبارة التي قدمت دورها بإتقان ولم يربكها ولو لحظة وقوفها أمام قامتين مسرحيتين كبيرتين مثل عبد اللطيف خمولي، وعبد الرحيم المنياري بل على العكس أبانت عن إمكانات كبيرة وبراعة متناهية في التقمص والاستعراض، مضيفة على العرض الكثير من السحر والجاذبية بطلاقتها وتلقائيتها في الأداء ما أثار الكثير من الإعجاب لدى الحاضرين الذين لم يبخلوا عليها بتصفيقاتهم.
ويمكن إجمال القول بخصوص مسرحية “سعدات سعيد” أنها تتحدث عن الأخوة والمال، والحب، والفن، والمرأة، والمشاعر المتقلبة المتباينة، وعن دور المال في قلب أقوى المعادلات مثل علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الأخ بأخيه، وتم تقديمها في قالب مشوق متعدد ومترابط المشاهد، مع تطعيمها بلوحات راقصة وغنائية هي من صميم العمل، زادت العرض إبداعا وجعلت المتفرج في منأى عن أي ملل.
هذا، وفيما يواصل المهرجان عروضه مسابقته الرسمية حتى الثامن من يونيو الجاري، سيؤشر في نسخته الحالية، على العديد من الأنشطة الموازية مثل حفل توقيع كتاب الصحافي حسن نرايس وهو تحت عنوان “بحال الضحك السخرية والفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية”، وستتخلله أيضا ورشات تدريبية من تأطير الممثل سعيد باي، ناهيك عن معرض لفن الكاريكاتور تحتضنه المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء حول موضوع حقوق المرأة للرسام سعد جلال.
ويبقى جديرا بالإشارة، أن شعار “لنتصالح مع المسرح” الذي اختاره المنظمون لهذه الدورة، يتضمن الإقرار بخصومة وقطيعة قسرية، تداخلت فيها الكثير من العوامل، ودامت عقودا من الزمن، اختزلها مدير المهرجان الفنان عبد الاله عاجل في مداخلته الافتتاحية حين قال: “” لقد ابتعدنا كثيرا عن المسرح، وابتعد عنا الجمهور، لأننا ابتعدنا عن أنفسنا “.
كما يعبر شعار المهرجان عن نظرة تفاؤلية كبيرة، تواجهها العديد من التحديات والإكراهات، الموضوعية، والتي وإن بدت مواجهتها صعبة وشاقة للغاية لكنها أبدا لن تكون مستحيلة، إذا توفرت الإرادة الصادقة والجرأة على اختراق المستجدات الطارئة على الواقع وعلى الذوق العام، الذي صار يتوسل بأب الفنون باعتباره حمولة من القيم، كي يرقى به، بالارتكاز على تضمن قوة تجربة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي المسرحية، من أجل العبور إلى مستقبل يعيد للخشبة بريقها السالف، وفي انتظار أن يتجسد ذلك، نعم “لنتصالح مع المسرح”.
> سعيد الحبشي
تصوير عقيل مكاو