اليوم، بالرباط، وبالضبط بقاعة علي يعته المنتصبة بأبهاء المقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية، تلتئم صفوة من نخب المجتمع المغربي، من نساء ورجال الفكر والسياسة والثقافة والفنون والاقتصاد والإعلام.. للمشاركة الجماعية في وضع اللبنة الأساسية الأولى لـ “مؤسسة علي يعته” التي ستنبثق عن جمع عام تأسيسي وازن وباذخ.. هذا المساء.
لا يخفى على مناضلي الحزب وعموم مناضلي اليسار ما تنطوي عليه هذه المبادرة الخلاقة (مبادرة إحداث “مؤسسة علي يعته”) من دلالات سياسية وبيداغوجية في سياق الراهن المغربي والعالمي، هنا والآن.. والآتي.. ولا شك أن الظروف التي تأتي فيها هذه “المؤسسة” تكتسي طابعا إشكاليا يمتزج فيه الشعور بنشوة المكتسبات والإحساس بحسرة الإخفاقات، إن على المستوى السياسي المحض أو على مستوى التفاعلات المجتمعية عموما وتداعياتها الاقتصادية على الإنسان والمجال.. كما تأتي هذه المؤسسة اليوم في الوقت الذي يتنامى فيه بشدة خطاب نقدي قاس حول اليسار وكينونته وفاعليته وبرنامجه ومدى تأثيره وتجذره في الواقع الملموس وفي ذهنية الجماهير.. وبالموازاة ثمة خطاب آخر يقوم على تبخيس العمل السياسي والحزبي والنقابي واحتقار كل عمل منظم ومؤسساتي يستند على مقاربات عقلانية وناجعة.. وبالمقابل تواصل الأصوات التقدمية، في ظل صراع إيديولوجي ملتبس، سعيها الدؤوب لإرساء مشروعها السياسي والفكري نحو مجتمع ديمقراطي حداثي حر.
وفي ضوء ذلك، سيكون على “مؤسسة علي يعته” أن تنخرط بفعالية وبهدوء، في محاولة الإجابة أو مقاربة كل القضايا المجتمعية الوطنية والكونية، في إطار من التفكير الرصين والحوار والتبادل، لاقتراح بدائل ومشاريع من شأنها أن تساهم في تطوير العمل السياسي، وتنمية الفكر السياسي النظري، وتثمين مبادئ الحرية والمساواة والعدالة، والانتصار للتنوع والتعدد وحماية القيم الإنسانية السامية والنبيلة..
وإذا كانت “مؤسسة علي يعته” تأتي أيضا على سبيل تأكيد وترسيخ سلوك العرفان والاعتراف والتقدير والتكريم لشخصية فذة ووازنة من عيار السي علي الذي أفنى زهرة شبابه وكل مساراته الحياتية في الإخلاص للوطن والثبات على المبادئ والصمود في مواجهة كل أشكال الظلم والقهر والفقر والإقصاء.. وكرس كل جهده الفكري والميداني للعمل السياسي النبيل والراقي.. فإنها أيضا ستشكل، لا محالة، فضاء رحبا وحرا، وخيمة مضيافة لكل الديمقراطيين المغاربة وفي العالم لإعمال التفكير والتحليل في كل ما هو شائك ومستعص، في إطار عقلاني وناجع ومفيد لتطور وتقدم البلاد والبشرية..
وباعتبارها منظمة غير حكومية، مستقلة، مدنية وحرة، ذات طابع فكري وعلمي، فإنها، من دون شك، ستثري المشهد الثقافي والفكري بسيل من المناظرات والندوات والمنتديات الحوارية والجدالية، الفكرية والسياسية، سواء تعلق الأمر بالتاريخ، أو الفلسفة، أو الاقتصاد، أو الثقافة، أو القضايا المجتمعية والكونية.. وستغني المكتبة الوطنية بمنشورات تثقيفية وتنويرية وتوثيقية.. وفوق كل ذلك ستسن تقليدا جديدا كموعد سنوي من أجل التنافس على “جائزة علي يعته” السنوية في الفكر السياسي والميدان الإعلامي.
حتى ولو أن الفكرة كانت تراود الرفيقات والرفاق والأصدقاء منذ أن رحل الزعيم التقدمي اليساري علي يعته سنة 1997، ولم يتأت لها أن ترى النور قبل اليوم، فإن تحقيقها اليوم يصادف إقدام حزب التقدم والاشتراكية على سن خارطة طريق لعمله السياسي المستقبلي ضمن خطة تحت عنوان “تجذر”، ولعل ميلاد “مؤسسة علي يعته” سيشكل الانطلاقة الفعلية والرمزية لتنزيل هذه الخطة، باعتبار هذا الفعل نموذجا للمزج الجدلي الخلاق بين العمل السياسي الميداني والاجتهاد السياسي الفكري والنظري.
فلنتجذر، إذن، في المجتمع وفي الفكر.. بيقين المقتنعين، وبإصرار المناضلين.. لكن بسلاسة وبهاء.
بقلم: الحسين الشعبي