انتخابات بطعم المال والعنف

ما عاشه المغرب من أحداث شاذة، ومظاهر وسلوكيات لا تمت بصلة للآداب والأخلاق المفروض ترسيخها في المواطن، خلال فترة الحملات الانتخابية الخاصة بموعد الثامن من شتنبر 2021، تدخل ضمن حصاد ومنتوج عمل الحكومات التي تعاقبت على فرض مخططات وبرامج ثقافية وتربوية فاشلة. لا هي أثمرت أجيالا مواطنة ناضجة فكريا، ولا هي حافظت على ما يكتسبه المغاربة من كرامة وعفة وأخلاق عالية. أحداث وسلوكيات مهينة ومسيئة إلى سمعة ومكانة المغرب إفريقيا ودوليا. قد تسير بالمغاربة عكس اتجاه ركب التنمية المنشودة. وإن استمرت ستقدم المغاربة لقمة سائغة على طبق من ذهب لخصوم الأرض والوطن.
ما لمسناه أنه لاشيء تغير من الواقع المتعفن للحملات الانتخابية التي تعرفها معظم المدن والقرى مع كل استحقاق وطني. قوافل وعصابات ترعب المواطنين وتحبط ٱمالهم في التغيير والبديل الذي بإمكانه تنزيل النموذج التنموي الملكي الجديد. حملات بنفس الطعم النتن حيث كل شيء مباح، بما فيه تعريض المغاربة لخطر الإصابة بفيروس كورونا وسلالاته المختلفة. تجمعات ومسيرات بدون أدنى احترام للاحترازات اللازمة «الكمامة التباعد.. العدد …». بل إن التجاوزات ارتكبت من مسؤولين كبار في مقدمتهم رئيس الحكومة.
معظم المرشحين، فرادى وجماعات، في الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، اعتمدوا على زبائنهم من الناخبين الدائمين الذين يصوتون عليهم وفق مبادئ الذل والعار، باعتماد القرابة وبيع الذمم بالمال أو الخدمات الشخصية التي لا علاقة لها بمهام المنتخب. معظم المرشحين يتقنون أساليب الإقناع بالوعود الكاذبة، والمتاجرة بالدين والمال والمبادئ. همهم الوحيد الفوز بمقاعد داخل مجلس النواب، ومجالس الجماعات ومجالس الأقاليم والجهات. يؤثثون لطرق ومسالك تمكنهم من نهب المال وقضاء مصالحهم الشخصية. وتبقى تلك القلة القليلة من المرشحين الشرفاء الجدد والقدامى خارج اهتمام وتغطيات تلك الفئات من الناخبين التي تمثل أزيد من تسعين في المائة من العدد الإجمالي للمصوتين. علما أن تلك الفئة من الناخبين ومعها القلة القليلة من المصوتين الشرفاء لا تمثل سوى 35 في المائة على أعلى تقدير من إجمالي عدد المسجلين. ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : أين هم باقي الناخبين الذين يمثلون حوالي 65 في المائة من عدد المسجلين ؟ . لماذا كل هذا العزوف من طرف الفئات التي تعتبر نفسها شريفة وعفيفة ومثقفة.. تلك الفئات التي لا تتوقف ألسنتها ولا أقلامها عن الاحتجاج والانتقاد والمطالبة بالتغيير. لماذا لا تتحول حربها الدروس من العوالم الافتراضية «الفايس، التويتر، الواتساب، اليوتوب….» إلى الواقع المنظم بقوانين وأنظمة بإمكانهم تغييرها أو تعديلها؟. لماذا لا تنتقل من دردشات المقاهي والشارع، إلى دردشات رسمية داخل المجالس المنتخبة والبرلمان ؟.
للأسف. لا تشارك معظم الفئات الحية بالمغرب في العمل السياسي والنقابي والحقوقي والجمعوي، و تتحاشى المشاركة في الاستحقاقات الوطنية، لا كمرشحة ولا كناخبة. وللأسف، لا تلج المحطات السياسية المحددة لمستقبل البلاد. وتترك مكانها للعابثين والفاسدين ومن يوالونهم بدوافع البحث عن المال و الجاه المصالح الشخصية
لو استفاقت تلك الفئات من سباتها وقررت المشاركة السياسية لتمكنت من إفراز قادة سياسيين حقيقيين، ومن فرض زعماء وقادة أحزاب قادرين على توسيع دوائر التأطير السياسي، وفرض الأشخاص المناسبين لكل المقاعد والكراسي داخل الأحزاب وخارجها. لو انتبهت إلى أن عزوفها عن المشاركة السياسة أكبر جريمة ترتكبها في حق الشعب والوطن. وأن جريمة من يتلقى 200 درهم مقابل التصويت أقل ضررا من جرائمهم. ولفطنوا إلى أن ضرورة انتقاء المرشحين الشرفاء وذوي الكفاءات المهنية والأخلاقية. ودعمهم بالدعاية والتصويت.
كل خمس أو ست سنوات تدق طبول الانتخابات الجماعية والجهوية أو البرلمانية. لكن معظم تلك الفئات الشريفة العفيفة والمثقفة تبقى خارج تغطية الناخبين والمرشحين، فتضيع عليها فرص القطع مع الفساد. لا هي بادرت إلى انتقاء مترشحين من ذوي النزاهة والكفائة.، ولا إلى التصويت على الصالح وفضح الطالح، ولا حتى انتقاء أقلهم فسادا واستبدادا. إن لم تشارك في انتقاء المترشحين، وإن لم تدل بصوتها يوم الاستحقاق، فلا يحق لأي مواطن من فئتها أن يطلق لسانه أو قلمه من أجل الاحتجاج أو التنديد على فساد أو استبداد منتخب أينما كان موقعه. بمعنى أنه بإمكان الناخب أن يؤثث المجالس الجماعية والبرلمانية وباقي المجالس بما يريده من كفاءات وشريفات وشرفاء إن هم اتحدوا وقرروا التوافق والمشاركة السياسية. كما بإمكانه أن يؤثث لحكومة مشكلة من أحزاب سياسية قادرة على تنمية البلاد.
مع الأسف، ما جرى ودار خلال فترة الحملات الانتخابية بمختلف المناطق المغربية، يؤكد على أن حليمة لازالت على عاداتها القديمة، تغوص في الفساد والاستبداد. معظم الحملات الانتخابية قذرة تقودها وجوه فاسدة ومستبدة تستبيح الأعراض ولا تقيم وزنا للقوانين ودستور البلاد. أسواق بيع الذمم منتشرة داخل الأحياء والدواوير والأسواق الأسبوعية. ورواد العزوف السياسي لازالوا يطربون على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل المقاهي. والقلة القليلة من الشرفاء والشريفات الذين ولجوا المجال السياسي وترشحوا عانوا الأمرين، بين مطارق أسواق بيع الذمم وسنادين العزوف المدمر.
ليعلم العازفين عن المشاركة السياسية وعن الترشيح والتصويت أن شلة المنتخبين المنتظرين الذين لم يساهموا في فوزهم بمقاعد داخل المجالس المنتخبة والبرلمان، سيتحكمون في كل مناحي حيواتهم، سواء صوتوا أو رفضوا التصويت.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top