بنعبد الله للطلبة.. لا خوف اليوم مطلقا من ممارسة السياسة

> سميرة الشناوي
قال محمد نبيل بنعبد الله وزير السكنى وسياسة المدينة إن المغرب الذي يسعى إلى تحقيق الإقلاع الاقتصادي على غرار العديد من الدول في طريق النمو، لا يمكن أن يفعل ذلك بمعزل عن العمل الجدي على تحقيق إقلاع مجتمعي شامل يستحضر احتياجات كافة الفئات الاجتماعية في ضمان العيش الكريم، وإلا فإن الأمر سيكون أشبه بحال «شخصية كرتونية غنية تنزل من سيارة فارهة وتتقدم نحوهدفها وهي تجر في قدمها كرة حديدية تعيق حركتها مثل الهاربين من السجن».
وأوضح نبيل بنعبدالله الذي كان يتحدث إلى طلبة المدرسة العليا الدولية للتدبير بالدار البيضاء، ضمن لقاء مفتوح نظمته المؤسسة مساء يوم الجمعة الماضي، أنه لا يمكن الطموح إلى تحقيق تنمية صناعية واقتصادية في الوقت الذي ما تزال فيه أسر في عمق الأطلس «لا تجد حطبا للتدفئة». وهو الأمر الذي يقتضي، كما يقول بنعبدالله، الاستثمار في العنصر البشري كعنصر أساسي للتنمية، من خلال الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وغيرها.
وأشار الوزير أن المغرب قد عمل الكثير في هذا الاتجاه منذ سنوات عدة، وهو ما «مكننا من الخروج من مرحلة التخلف، وتهديد السكتة القلبية»، سواء على مستوى الإصلاحات السياسية ومسلسل الدمقرطة، أو عبر البرامج التنموية والاقتصادية الضخمة التي تم تفعيلها بمساهمة فعلية من القطاعات العمومية. واعتبر بنعبدالله أن هذه الانطلاقة نحو الإقلاع الاقتصادي والتنموي التي شهدها المغرب منذ نهاية التسعينات، قد عرفت بعض التعثر مع الأزمة الاقتصادية العالمية، مما جعل وتيرة العمل تتقلص «لكننا نمضي بثبات ويمكننا أن نحقق الهدفحتى إن كان الأمر سيأخذ وقتا أطول».
اللقاء كان بمثابة لحظة مكاشفة وتواصل «بقلب مفتوح»، بين وزير السكنى وسياسة المدينة، و طلبة وطالبات المدرسة العليا الدولية للتدبير، الذين أبدوا فضولا كبيرا لمعرفة تفاصيل المسار السياسي للوزير والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ومن خلاله جهود الحكومة الحالية، من أجل ضمان مستقبل أفضل للشباب ولعموم المواطنين المغاربة.
من جهته اعتبر محمد نبيل بنعبد الله أن الإنصات للشباب يعد مهمة أساسية من مهام كل شخص مسؤول من موقعه، وذلك لحاجة هؤلاء الشباب إلى من يساعدهم ويوجههم في هذه الفترة من حياتهم التي تعد فترة طرح الأسئلة وأيضا بلورة المواقف والاختيارات. وأكد قائلا «أنا أيضا مررت من هنا»، ليستعرض مسار طفولته وشبابه كتلميذ في مدرسة «ديكارت» بالرباط، في مرحلة كان فيها أقرانه بعيدين كل البعد عن السياسة، لكن الحماس الذي حملته رياح المسيرة الخضراء، وبعدها الاحتقان السياسي في سنوات السبعينات، سرعان ما اجتذباه إلى معترك الوعي والنضال السياسيين، قبل أن يسافر للدراسة في الديار الفرنسية، وهناك اعتنق مبادئ النضال السياسي بشكل حاسم كمسؤول في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا آنذاك. وبعد العودة إلى المغرب، وهي العودة التي أشار بنعبدالله أنها كانت دوما»مسلمة وحتمية» في ذهنه، عاد أيضا للتدرج في السياسة من جديد ضمن صفوف الشبيبة الاشتراكية، قبل أن يصبح الكاتب العام لهذه الهيئة التابعة لحزب التقدم والاشتراكية، ولاحقا كمسؤول في قيادة الحزب ثم كأمين عام.
استعراض بنعبدالله لمساره جاء للإجابة على أسئلة الطلبة والطالبات، ولكنه كان أيضا فرصة سانحة عمل الوزير من خلالها بذكاء على بعث العديد من الرسائل السياسية والنضالية لهؤلاء الشباب، وعلى رأسها ضرورة التفوق الدراسي كسبيل للنجاح الشخصي ولبلورة الاختيارات الصائبة في كافة مجالات الحياة ومن بينها المجال السياسي، إذ توجه إليهم بنعبد الله قائلا: «أنتم من يجب أن يحسن الاختيار بين الصالح والطالح»، مشيرا إلى ضرورة عدم الانسياق وراء ادعاءات ومحاولات تمييع وتشويه المشهد السياسي التي يمارسها أيضا عدد من المسؤولين السياسيين والمستفيدين من أوضاع البؤس والفساد في المجتمع. وأكد أن العمل السياسي اليوم، كما بالأمس، يجب أن يحكمه السعي نحو إقرار المثل والمبادئ الأخلاقية والتغيير المجتمعي وليس كوسيلة للتسلق الاجتماعي. وأجاب على تخوفات الطلبة من ممارسة العمل السياسي بأنه، خلافا لما كان عليه الأمر في فترة الاعتقالات والاختفاءات القسرية التي عرفها المغرب سابقا،فـ»لا خوف اليوممطلقا من ممارسة السياسة» باستثناء»الخوف من انتقادات واحتجاجات المواطنين» في حال عدم الوفاء بالالتزامات السياسية أو عدم سلامة الاختيارات السياسية.
واعتبر الوزير أن ممارسة المسؤولية الحكومية تفترض على الشخص أن يكون أيضا سياسيا محنكا. وأوضح قائلا «لست ضد التكنوقراط، فقد تكون خبرة التكنوقراطي أفضل من تجربة السياسي، لكن السياسي يمتلك حسا أكبر ومعرفة أكثر بواقع المجتمع، مما يعفيه من هواجس اتخاذ قرارات قد تكون مثالية من الناحية التقنية، لكنها تواجه بالفشل والرفض من قبل المجتمع لأنها لم تكن مرفوقة بالقدرة على قراءة الواقع وملاءمة القرارات، التي  يمتلكها المسؤول السياسي». وأكد الوزير أيضا على أهمية «استقلالية القرار السياسي والحزبي»، والتي اتخذها حزب التقدم الاشتراكية، كما يقول الأمين العام، شعارا ونبراسا مكناه من اكتساب مكانته المعروفة اليوم في الساحة السياسية والمبنية على مواقف أسست قوتها وجرأتها على الاستقلالية وإعلاء مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار.
اللقاء كان مناسبة أيضا للتعريف بجهود وزارة السكنى وسياسة المدينة، حيث تحدث الوزير عن طموحات الوزارة لتفعيل سياسة للمدينة تمكن من تجاوز التراكمات والتأخر الذي عرفته المدن المغربية لجعلها مدنا مؤطرة بجودة العيش الكريم للساكنة، ومدنا موفرة للخدمات ومنتجة للثروة في نفس الوقت. واستعرض الوزير مختلف البرامج التي تعمل الوزارة على تنفيذها في هذا الصدد، ومن بينها برنامج مدن بلا صفيح، وبرنامج تأهيل المدن القديمة والمساكن التقليدية، وكذا برنامج المدن الذكية كلمسة جديدة في مجال سياسة المدينة تحمل الكثير من الإمكانيات لتدبير وعيش أفضل في مدننا. ولم يفت الوزير الإشارة أيضا إلى عدد من الإكراهات التي يعرفها تنفيذ مختلف البرامج في القطاع، وعلى رأسها برنامج مدن بلا صفيح الذي يعاني من تشعب وتداخل المشاكل الاجتماعية في الدواوير الصفيحية، وكذا من تواطؤ عدد من أعوان السلطة والمنتخبين والسماسرة. لكن الوزير أكد على استمرارية الجهود المبذولة في أفق احتواء مختلف العراقيل وضمن مقاربة شمولية لحل المشاكل الاجتماعية في قطاع السكن، هدفها ضمان سكن ذي جودة لجميع الفئات الاجتماعية.  

Related posts

Top