بيان اليوم تحاور عبد اللطيف معزوز الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج

150 مغربيا لا يزالون في سوريا.. والوزارة وضعت خلايا للتواصل بدمشق وحلب وحماه
منذ إقراره من طرف جلالة الملك محمد السادس سنة 2003 كيوم وطني للمهاجر، أصبح يوم 10 غشت من كل عام بالنسبة لمغاربة العالم فرصة للاحتفال بالذات وبالهوية والانتماء

والاقتراب أكثر من رائحة الوطن.
كما يشكل هذا اليوم بالنسبة لمغاربة العالم، لحظة استرجاع حقيقية للوقوف على حصيلة ما أنجز لفائدتهم ولفائدة كل المغاربة بشكل عام، خاصة بعد التطورات التي عرفتها بلادنا خلال السنة الماضية والتي توجت بدستور جديد حمل مكاسب جديدة لهذه الفئة من المواطنين الذين ساهموا في بلورته من خلال المشاركة على مستوى الاقتراح وعلى مستوى التصويت.
كما أن احتفال هذه السنة باليوم الوطني للمهاجر يأتي في سياق يطبعه واقع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرفها بلدان الاستقبال بأوروبا على وجه التحديد، وما لها من انعكاسات على مغاربة العالم الذين يتطلعون باستمرار للانخراط الإيجابي في البناء الجماعي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بوطنهم الأم.
وللإلمام بكل ما تحمله هذه السنة من هواجس وانتظارات لهذه الشريحة من المواطنين وما يتطلعون إليه من أجل المساهمة في الورش الإصلاحي الذي فتحه المغرب والمتعلق بالتنزيل السليم للدستور خاصة المقتضيات التي تعنى بشكل مباشر بمغاربة العالم، حول كل ذلك أجرت بيان اليوم الحوار التالي مع عبد اللطيف معزوز الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج.

* اليوم الوطني للمهاجر يشكل محطة لتقييم ما أنجز لفائدة أفراد الجالية، وفرصة للوقوف على المشاكل التي لازالت تعيق مسار هذه الجالية، وإثارة الإشكاليات المطروحة، فما هو الجديد الذي أعدته الوزارة لهذه السنة؟
– أود في البداية أن أطلب منكم الكف عن الكلام عن مغاربة العالم كمشكل أو إشكالية. حقيقة لديهم مشاكل ولكن يجب ألا تحجب هذه المشاكل عنا أن الأمر يتعلق بكفاءات عالية وأناس برهنوا على قدرتهم على المبادرة والابتكار والتأقلم وحب الوطن والإخلاص له. بعد هذا التوضيح، أعود لسؤالكم: فسواء من خلال اللقاءات التي أجريتها مع أفراد الجالية داخل وخارج المغرب أو من خلال اطلاعي على فحوى المراسلات التي تتلقاها الوزارة يوميا من مواطنينا بالخارج، يتضح أن تحسين الخدمات الإدارية يأتي في مقدمة مطالبهم وانتظاراتهم إذ يتطلعون إلى تبسيط للمساطر يكون أكثر فاعلية، ويأملون أن تكون الإدارة المغربية – وخاصة القنصليات – أكثر قربا منهم جغرافيا وإنسانيا، وأن تتحسن أساليب استقبالهم وإرشادهم، وأن تحظى شكاياتهم بمزيد من الاعتناء، وأن تنبذ بعض الممارسات الإدارية السلبية التي يعانون منها أو يلاحظونها خلال مقامهم الموسمي بالمغرب وغير ذلك من المواضيع التي يعتبرونها، ونحن نشاطرهم هذا الرأي، ذات حساسية خاصة في استدامة علاقة الجالية بوطنها الأصل.
من هذا المنطلق فكرنا في تخليد يوم 10 غشت 2012، اليوم الوطني للجالية المغربية المقيمة بالخارج، تحت شعار ”من أجل الارتقاء بالخدمات لفائدة مغاربة العالم”. وسيتم الاحتفاء بهذه المناسبة بتنظيم أبواب مفتوحة ولقاء تواصلي مع مغاربة العالم يؤطره بعض أعضاء الحكومة، وتنتظم أشغاله ضمن ورشات عمل حول أهم الخدمات العقارية والضريبية والاستثمارية والقضائية والقنصلية وغيرها من المعاملات الإدارية التي تشغل الجالية، على أمل الخروج بمقترحات عملية وأفكار بناءة لتجاوز المعيقات التي تعترضنا في سبيل تقديم خدمات في المستوى المنشود.
* في السنوات الأخيرة، لم يعد الاهتمام بقضايا الهجرة والمهاجرين مقصورا في ظرفية معينة ولا في موسم العبور والعودة، إذ أصبحت قضايا مغاربة العالم تطرح بشكل منهجي ومتواصل، فما هي المقاربة التي تعتمدونها للتعاطي مع مختلف هذه القضايا خاصة تلك المرتبطة بإشكاليات الهوية والإدماج ومواجهة العنصرية؟ وكيف تنسقون مع مختلف المؤسسات الأخرى المعنية بقضايا الهجرة والمهاجرين كمجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني وغيرهما؟
– منذ بدأ اشتغال الفريق الحكومي الحالي، اقترحنا جملة من الإجراءات لتحسين الحكامة في مجال التدبير العمومي لشؤون المغاربة المقيمين في الخارج، تتوخى تعزيز آليات التنسيق مع الفرقاء لتوضيح مجال تدخل الوزارة ومجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين في الخارج بدقة أكثر، تفاديا لتداخل الأدوار فيما بينها، وتوخيا للنجاعة في الأداء. كما جعلنا من أولى انشغالاتنا بلورة رؤية وطنية لتدبير شؤون الجالية تحدد، بعد الاستشارات اللازمة، عناصر استراتيجية وطنية على المدى البعيد لتأطير عمل القطاعات الحكومية والمؤسسات المعنية، وكذا مأسسة اللجنة الوزارية المكلفة بالجالية المغربية بالخارج تحت رئاسة السيد رئيس الحكومة كإطار منتظم يهدف إلى إدماج محور مغاربة الخارج في مختلف السياسات القطاعية وإرساء سياسة عمومية مندمجة تحقق الالتقائية بين مختلف المتدخلين.
ونأمل أن يرقى هذا التنسيق بأدائنا إلى ما نطمح إليه من فعالية لتحقيق الأهداف التي سطرتها الحكومة في تعاملها مع قضايا الجالية والتي يمكن تلخيصها في خمس محاور أساسية هي:
إنجاح اندماج الأجيال الجديدة بدول المهجر مع المحافظة على هويتها الأصلية وتمتين روابطها وصلتها مع الوطن الأصل.
تكريس حماية مكتسبات ومصالح مغاربة الخارج والدفاع عن حقوقهم بالداخل والخارج.
التنزيل الملائم للدستور بما يضمن تحقيق مشاركة مغاربة العالم في المسيرة التنموية لوطنهم الأصل.
تحسين سياسة الخدمات الموجهة لمغاربة العالم في مختلف المرافق العمومية وذات الصلة (الإدارات العمومية، الأبناك، التأمينات، العقار،…).
تعبئة مواطني الخارج كرافد مهم لدعم التنمية الوطنية الشاملة وفاعل إيجابي لحماية المصالح الحيوية لبلدهم الأصل.
* كيف تمر عملية العبور لهذه السنة؟ وهل أثرت الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرفها بعض الدول الأوربية على مستويات العودة إلى الوطن بالنسبة للمهاجرين المغاربة؟ وهل لديكم أرقام بخصوص المغاربة الذين قرروا العودة للاستقرار بشكل نهائي في المغرب؟
– ليست لدينا وسائل علمية بحتة لمعرفة عدد مغاربة الخارج الذين عادوا بصفة نهائية إلى المغرب، بسبب الأزمة أو غيرها. أكيد أن الأزمة أثرت على العديد من مواطنينا في أوروبا، وفي إسبانيا على وجه الخصوص، غير أن ما نلاحظه هو أن نسبة مهمة منهم استطاعوا مقاومة آثار الظرفية غير الملائمة، إما بالبحث عن عمل في دول شمال أوروبا غير المتأثرة نسبيا أو بقبول الاستمرار بالاشتغال في إسبانيا لكن بأجر أقل وبشروط مجحفة أحيانا. أضف إلى ذلك أن الأزمة أصبحت شبه عامة وأن بلدنا ليس بمنأى عن آثارها، ومواطنونا في الخارج واعون بهذه الحقيقة، وهذا ما يبعثهم على التريث، على ما أظن، قبل الإقدام على العودة النهائية. أما عن عملية العبور فهي تمر في أحسن الظروف بفضل الترتيبات الجدية والتدابير الفعالة المتخذة من قبل مؤسسة محمد الخامس للتضامن ومن قبل الحكومة وباقي الجهات المعنية لتأمين نقل واستقبال ومرافقة المغاربة الوافدين.
* في ظل الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها بلدان منطقة اليورو خاصة إيطاليا وإسبانيا، وهي الأزمة التي أفرزت واقعا جديدا بالنسبة للمغاربة المقيمين بهذه الدول حيث أصبحوا  يعانون من البطالة ومن صعوبة الحصول على عمل، ما هي إذن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لمجابهة هذا الوضع الجديد؟
– نحن نعمل على مواكبة مغاربة الخارج العائدين أو المرحلين بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعرفها عدة مناطق عبر العالم. عملنا يتجلى في تأهيل الأشخاص الذين عبروا عن رغبتهم في إعادة اندماجهم في النسيج الاقتصادي إما بمساعدتهم على استكمال تكوينهم المهني لتحسين فرص حصولهم على شغل في المجالات التي تتطلب مهارات معينة، أو بإرشادهم ومصاحبتهم لإنجاز مشاريع مدرة للدخل إن كانت لديهم الرغبة والقدرة على الاستثمار.    
* أثار تعامل الوزارة مع تبعات الزلزال الذي هز شمال إيطاليا وتحديدا جهة «إيميليا» التي يعيش بها أكثر من 40 ألف مهاجر مغربي، احتجاجات من لدن جمعيات مغربية في إيطاليا، حيث اعتبروا أن الوزارة عبر قنصلية المغرب ببولونيا لم تقم بأي مجهود يذكر على مستوى إغاثة المنكوبين المغاربة البالغ عددهم حوالي 500 مغربي كما لم تقم بمواكبتهم بعد الزلزال. كيف تردون على هذه الانتقادات؟
– لا يمكن الحديث مطلقا عن تخلي المغرب عن مواطنيه في إيطاليا كما تروج ذلك بعض الجهات. فمنذ أن وقعت الكارثة، لم تفتأ الحكومة تتابع عن كثب وضعية المتضررين المغاربة وتواصل تنسيق تدخلها على كافة المستويات من خلال خلية أزمة تمثل فيها القطاعات الحكومية المعنية والممثليات الدبلوماسية والقنصلية في إيطاليا. وعلى إثر زيارتي إلى المناطق المتضررة نهاية ماي الماضي ولقاءاتي مع المسؤولين الإيطاليين ومع ممثلي المغاربة بالمخيمات المقامة من طرف السلطات الإيطالية للاطلاع على أحوالهم وتدارس نوعية المساعدات التي يمكن للدولة المغربية توفيرها لهم، تم اتخاذ عدة إجراءات للتخفيف من آثار هذا المصاب على معنويات وظروف عيش مواطنينا المتضررين من قبيل تمكين عدد من الأطفال من المشاركة المجانية نقلا وإقامة في المخيمات الصيفية المنظمة بالمغرب، والترحيل المجاني لكل شخص معوز في حالة صحية جد هشة، ودعم تكلفة السفر، بنسبة 50%، عبر الطائرة أو الباخرة حسب اختيار المعنيين من النساء والأطفال والمهددين بالنظر لسنهم أو لحالتهم الصحية والذين لا يتوفرون على إمكانية تحمل تكلفة السفر. ولعلمكم، فالسلطات الإيطالية لم تطلب مساعدة أجنبية ولا سمحت لأي دولة بالتدخل معها في تدبير هذه الأزمة،  لذا ركزنا عملنا على التخفيف من المعاناة النفسية للمغاربة المقيمين بالمخيمات من خلال التأطير والمؤازرة الاجتماعية والنفسانية وتنظيم لقاءات وتظاهرات ثقافية ودينية وترفيهية وعمليات إفطار خلال شهر رمضان الجاري.
* عرفت دول عربية ثورات شعبية أفضت إلى تغيير أنظمة ومواجهات داخلية مسلحة ومآسي، فيما لازالت المأساة نفسها متواصلة في بعض هذه الدول، كيف تعاملت الحكومة المغربية مع أوضاع ومعاناة المغاربة المقيمين بتلك الدول؟ وكيف تتعامل اليوم مع وضعية المغاربة المقيمين في سوريا؟
– منذ اندلاع حركة الاحتجاجات في سوريا في مارس 2011، انخرطت الحكومة بكل فعالية في تتبع الوضع وتأثيراته المحتملة على مواطنينا المغاربة المقيمين في هذا البلد البالغ عددهم حوالي 1200 فرد، دون احتساب المئات من الفلسطينيين من أصل مغربي، حيث تم خلق خلية وزارية لليقظة على المستوى المركزي كما اتخذت سفارتنا بدمشق كل التدابير لتأمين التواصل مع أفراد الجالية، حيث قامت بإحداث خلايا للتواصل تتكون من مواطنين اثنين أو ثلاثة في مختلف المدن السورية الكبرى كدمشق وحلب وحمص واللاذقية وحماة.
ومنذ البداية أعلنا عن استعدادنا لتحمل مصاريف ترحيل المغاربة الراغبين في العودة إلى المغرب والذين تعوزهم الإمكانيات المادية لاقتناء تذاكر سفر العودة، وقد ظل عدد الطلبات استجابة لهذا العرض محدودا. بعد أن بدأت الأحداث في سوريا تتجه نحو التصعيد، خصصت الحكومة اعتمادا ماليا لأداء مصاريف سفر المواطنين المغاربة، مع إعطاء الأولوية للفئات المعوزة المتضررة أماكن سكنهم والموجودين في المناطق الساخنة وللتكفل بمصاريف الإيواء المؤقت بالفنادق في انتظار ترحيلهم. وإلى غاية 8 غشت، قامت الدولة بتحمل مصاريف 153 فردا زيادة على كون أكثر من 1000 مواطن بادروا من تلقاء أنفسهم إلى مغادرة سوريا دون طلب مساعدة، لينحصر عدد الباقين فوق الأراضي السورية في حوالي 150 شخصا. ولا تنحصر معالجة مخلفات هذه الأزمة في مستوى الترحيل الآمن فقط، بل نسعى إلى مواكبة العائدين اجتماعيا من خلال تيسير اندماج أطفالهم في المدارس المغربية ونعمل، للراغبين في ذلك، على تيسير اقتناء مساكن اجتماعية تابعة للقطاع العمومي وفق الشروط المعمول بها.  
* يتطلع مغاربة العالم إلى بلورة المقتضيات الجديدة التي جاء بها الدستور بخصوص المشاركة في الحياة السياسية للمهاجرين، ماذا أعدت الحكومة من أجل ضمان مشاركة مغاربة العالم في الحياة السياسة الوطنية؟
– أولا، يجب التذكير بأن الدستور المغربي من بين القلائل إن لم نقل الوحيد بين دساتير العالم الذي خصص حيزا مهما من مواده للجالية، فالفصول 16 و17 و18 و30 و163 تنص بوضوح على المواطنة الكاملة للمغاربة المقيمين في الخارج وتنوه بإيجابية الدور الذي يقومون به وتحث الدولة على إشراكهم أكثر في دينامية التطور التي يعرفها المغرب وعلى تنظيم مشاركتهم في مؤسساته على أوسع نطاق ممكن. نحن نعمل على ألا تبقى كفاءاتنا في الخارج على الهامش وكما نريد لها أن تتعبأ للمشاركة في كل المجالات التنموية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، نريد أيضا أن تحقق طموحها في المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام. غير أنني أعتقد أن تعبئة النخب المغربية في الخارج من أجل القضايا الوطنية ستكون أكثر نجاعة إن هي مرت عبر جماعات أو لوبيات منتظمة ذات تأثير على مراكز القرار في دول الإقامة. لا جدال في أن الحق في الترشح والتصويت وطنيا هو من بين وسائل التعبير عن المشاركة، والحكومة منكبة الآن على دراسة آليات تفعيل هذه المشاركة على غرار باقي المقتضيات الدستورية التي تعمل على تنزيلها.

 

Top