تأملات حول بناء الحكم المدني: الواقع والتحديات

تنص المادة 50 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي: ” تصدر الأحكام في جلسة علنية وتحمل في رأسها العنوان الاتي: المملكة المغربية، باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، تشمل على اسم القاضي الذي أصدر الحكم واسم ممثل النيابة العامة عند حضوره، واسم كاتب الضبط وكذا أسماء المستشارين عند الاقتضاء في القضايا الاجتماعية.

تتضمن أسماء الأطراف الشخصية والعائلية وصفتهم ومهنتهم وموطنهم أو محل اقامتهم وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفات وموطن الوكلاء.

توضح حضور الأطراف أو تخلفهم مع إشارة الى شهادات التسليم.

تتضمن أيضا الاستماع إلى الاطراف الحاضرين، والى وكلائهم وكذا مستنتجات النيابة العامة عند الاقتضاء.

يشار فيها الى مستنتجات الأطراف مع تحليل موجز لوسائل دفاعهم والتنصيص على المستندات المدلى بها والمقتضيات القانونية المطبقة.

تنص الأحكام على أن المناقشات قد وقعت في جلسة علنية أو سرية وأن الحكم قد صدر في جلسة علنية.

يجب أن تكون الأحكام دائما معللة.

تؤرخ الاحكام وتوقع بحسب الحالات من طرف رئيس الجلسة والقاضي المقرر وكاتب الضبط أو من القاضي المكلف بالقضية وكاتب الضبط.

من خلال صياغة هذه المادة، يتضح أن الحكم هو عنوان لسيادة الدولة (المملكة المغربية، باسم جلالة الملك) كأنها عنوان للمحاكمة العادلة والمباشرة (العلنية، هوية الأطرافـ، الحق في الطعن والتقاضي على درجتين) تاريخ الحكم، واسم الهيئة مصدرته (ربط المسؤولية بالمحاسبة، الرقابة على الأحكام من حيث القانون الجاري على الخصومة)

التركيز على صياغة النص من حيث: 

مستنتجات الأطراف مع تحليل موجز لوسائل دفاعهم.

المستندات المدلى بها والمقتضيات القانونية المطبقة. 

• يجب أن تكون الأحكام دائما معللة.

هل المقصود بمستنتجات الأطراف هو نقل لمضمون المذكرات الجوابية والتعقيبية والطلبات الأصلية والاضافية ومقالات إدخال الغير والتدخل الإرادي في الدعوى….. ووو المودعة بالملف أم  تلخيص لها أم أن الامر بخلاف ذلك؟

ما يلاحظ على مستوى الممارسة العملية، أن صياغة الأحكام في باب الوقائع، هي تكرار لمضمون المقالات والمذكرات، بحيث إذا أخدنا مثالا عن وقائع خصومة بسيطة تتعلق بأداء الكراء نجدها تبتدئ عموما بالصياغة الاتية:

“بناء على المقال المودع بكتابة الضبط…. المؤدى عنها الرسم القاضي بتاريخ الذي عرض من خلاله المدعي بواسطة نائبه أو بدونه بأنه يكري للمدعى عليه المحل الكائن ب….. بسومة شهرية قدرها ….. درهم وأنه تقاعس عن الأداء مما حدى به إلى توجيه إنذار له بذلك، توصل به بتاريخ ….. ولم يحرك ساكنا، لأجل ذلك فإنه يلتمس الحكم بأدائه لفائدته مبلغ كذا عن المدة من كدا الى كذا وتعويض قدره كذا والتنفيذ المعجل والصائر والاكراه البدني في الاقصى، وعزز المقال بكذا وكذا وكذا….”

•بقراءة بسيطة لهذا الفصل، يتضح أن المقصود بمستنتجات الأطراف ليس الوقائع المضمنة في المذكرات وإنما الطلبات النهائية المؤسسة على الحق المدعى فيه دون غير ذلك، وأن هذا الاستنتاج تكفله قراءة باقي العبارة المردفة بها والتي لا يمكن أن تكون سوى متممة لها وهي ” تحليل وسائل الدفاع المتعمدة من الخصم والتي تعني القراءة متأنية للدفوع، التي تقود بالتأكيد للفهم السليم للنازلة وبالتالي تنزيل النص القانوني المناسب عليها.

وأن هذا التحليل، يقودنا إلى استنتاج آخر، هو أن صناعة الحكم بشكله الشمولي  يساهم فيها عدد كبير من المتدخلين اللذين يساهمون من قريب أو بعيد في ضمان المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، إلا أن صياغة الحكم في شكله النهائي سواء الورقي منه، أو حتى الرقمي، يجب أن يعكس تصور المنطق القضائي في التعليلي استنادا الى الواقع والقانون الذي يستشف من الوقائع المنتجة المثارة من طرف الخصوم وما يفتي  بشأنه النص القانوني بحسب الغايات المحددة من طرف المشرع مع الاخذ بعين الاعتبار، مضمون الالتزام الدستوري الواقع على كاهل القاضي وهو إنفاذ القانون مع احترام قواعد العدالة.

-الاستدلال على هذا الاستنتاج، نجده كذلك في صياغة النص في حد ذاته، التي نصت بصيغة الوجوب على ضرورة تعليل الحكم، وأظن بصيغة الجزم أن الغرض من هذا الوجوب لم يكن عبثا، وانما بغرض حث القضاة على استحضار منطق الاستدلال القضائي عند الخلوص لنتيجة الحكم ومنطوقه، وهذا الشق من الحكم هو برهان جودة العمل والإقناع القانوني واستحضار مراكز الأطراف مصالحكم الخاصة والاخرى العامة وهو الذي يعكس عن حق التوازن بين مراكز القوة والضعف بالمعنى المجازي لتكري الحماية القضائية للحقوق والحريات سواء على مستوى قواعد العدل الإجرائية أو الموضوعية.

أعتقد جازمة أنه يتعين علينا  مقاربة النص القانوني المذكور بمفهوم حقوقي  ففيه الحل لمعضلة التحرير غير المجدي للوقائع بصيغته الحالية ونحاول جميعنا تصور شكل جديد لبناء الحكم يتناسب والتطور الحاصل على مستوى المؤسسة القضائية، بأن يتضمن فقط ديباجة (تتضمن الهوية والمستنتجات) والأسباب (التعليل) والمنطوق مع التركيز على شق التعليل ففيه تظهر إحاطة القاضي بالنزاع وظروفه ويمارس من خلاله نشاطا ذهنيا عميقا ومنطقيا ليصل الى التكييف القانوني للواقعة ويترجم من خلال صياغة رصينة واضحة ومحكمة قناعة القاضي وسلامة التطبيق القانوني لها. ولا يمكننا أن نستحضر دور المعهد العالي للقضاء الذي لا بد وأن ينخرط في توفير تكوين أساسي ومستمر للقضاة يدفع في اتجاه ترشيد العمل القضائي ويرفع منسوب الجودة في المنتوج القضائي عموما.

بقلم : لبنى الفريالي*

أستاذة بالمعهد العالي للقضاء* 

نائبة رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس

Related posts

Top