مع شروع دول عدة في الخروج من العزل، تبرز المناقشة الطبية كيفية رصد وتتبع العلماء لتطور فيروس “كوفيد- 19″، إلا أن التصريحات المتضاربة للباحثين تأتي في وقـت مازالت منظمة “الصحة العالمية” ومعها مسـؤولـو السلطات الـصحية عبر العالم يـحـضون على ضـرورة توخي الحذر، وينصحون بعدم التسرع في إعلان الانتصار على الفيروس.
فبعد صدور عدة تقارير عن حدوث تغيير في حدة انتشار فيروس “كورونا”، الذي طال أكثر من 6 ملايين شخص حول العالم، وأودى بحياة أكثر من 370 ألف شخص، حذرت منظمة الصحة العالمية من الانجرار وراء تلك النظريات غير المؤكدة بعد.
وفيما بدا أنه “نظرة تشاؤمية” إزاء “الافتراضات القائلة، إن الفيروس يضعف، قال خبراء في المنظمة الأممية وعدد من العلماء، إنه “لا دليل علميا يدعم تأكيد أطباء أن فيروس كورونا بدأ يفقد قوته”.
وفي هذا السياق، أوضحت المتخصصة في علم الأوبئة في المنظمة، ماريا فان كيرخوفي: “فيما يتعلق بإمكانية انتقاله، لم يحدث أي تغيير، كما لم يحدث تغيير في شدته”.
من ناحيته، أكد أستاذ الأمراض المعدية الناشئة في كلية لندن للنظافة والطب الاستوائي، مارتن هيبرد، أن “الدراسات الكبيرة التي تبحث في التغيرات الجينية في الفيروس، لا تدعم بأي شكل فكرة أنه يصبح أقل قوة أو يضعف”. وقال: “في وجود بيانات من أكثر من 35 ألف مجموعة جينية فيروسية كاملة لا يوجد دليل حالياً على أن هناك أي فرق فيما يتعلق بالحدة”.
بدوره، رأى الخبير في مركز البحوث الفيروسية في جامعة غلاسغو أوسكار ماكلين، أن “الافتراضات القائلة إن الفيروس يضعف لا يدعمها أي شيء في الأدبيات العلمية، وتبدو أيضا غير قابلة للتصديق على أسس جينية”.
وتأتي تلك التعليقات بعد أن كشف البروفيسور ألبرتو زانغريلو، رئيس العناية المركزة في مستشفى سان رفاييل في ميلانو بمنطقة لومباردي في شمال إيطاليا، الذي تحمّل العبء الأكبر لعدوى الفيروس في إيطاليا في حديث للتلفزيون الرسمي الإيطالي، أن الفيروس “لم يعد موجودا إكلينيكيا في إيطاليا”.
وأثارت هذه التصريحات، تنديدا شديدا من السلطات الإيطالية.
وقال زانغريلو المعروف في إيطاليا بأنه طبيب رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، إن تصريحاته تدعمها دراسة أجراها زميله العالم ماسيمو كليمنتي، وستنشر الأسبوع المقبل.
لكن كيرخوفي أوضحت أن تصريحات الطبيب الإيطالي “لا يدعمها دليل علمي”. كما أكدت أنه “لا توجد بيانات تظهر أن الفيروس المستجد تغير بشكل كبير، سواء في طريقة انتقاله أو من ناحية شدة المرض الذي يسببه”.
لكن منظمة الصحة أقرت بداية الأسبوع الجاري،، بأن الوباء تراجع بشكل ملحوظ في أوروبا، باستثناء بؤر التفشي القوية شرقا. وقالت المتحدثة باسم المنظمة مارغريت هاريس، في إفادة صحافية: «نشهد تراجعا مطردا في غرب أوروبا حاليا، ورغم أنه لا يحدث بوتيرة سريعة لكنه مطرد في الحالات الجديدة التي يجري تسجيلها يوميا، أي إن عدد الحالات الجديدة لا يزال كبيرا، لكنه آخذ في التناقص باستثناء روسيا وأوروبا الشرقية حيث لا نزال نشهد ارتفاعا هناك».
حتمية التعايش مع المرض
وبعد قرابة 6 أشهر من اجتياح فيروس كورونا المستجد(كوفيد-19) بلدان العالم، ونحو 8 أشهر من بداية رصده لأول مرة في مدينة ووهان الصينية، أصبح من الواضح أن التعايش مع الفيروس التاجي خلال الأشهر القادمة أمر حتمي وأقرب للحدوث، وهو أيضا ما يبحثه كثير من المختصين وكذلك السلطات في عديد من دول العالم.
ومن بين المختصين الذين يرون حتمية التعايش مع فيروس كورونا المستجد خلال الأشهر القادمة، ولحين تطوير لقاح أو اكتشاف علاج للجائحة، الدكتور فهيم يونس، رئيس قسم الأمراض المعدية بجامعة ميريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي نشر سلسلة تغريدات عبر حسابه الشخصي على تويتر، ينصح فيها متابعيه كيفية التعايش مع جائحة كورونا بنسبة أقل من المخاطر.
خرافات حول طرق الوقاية
يدعو يونس إلى تجنب بعض «الخرافات» التي ارتبطت سابقا بـ «كوفيد-19»، مؤكدا «لا يمكنك تدمير الفيروسات التي اخترقت الخلايا عن طريق شرب الكثير من الماء، فلا ترهق نفسك»، إذ يقدم كثيرون على تناول الكثير من السوائل خاصة الدافئة، ظنا منهم أنها تدفع الفيروس المحتمل أن يكون عالقا بالحلق إلى المعدة مباشرة، وبالتالي تتعامل المعدة بواسطة الإفرازات الحمضية داخلها للقضاء على الفيروس التاجي، وهو أمر لم يتم إثباته علميا.
الفيروس أيضا، وعلى عكس الاعتقاد السائد عند الغالبية العظمى، قد لا يتأثر بالصيف، بل ما زال فيروس كورونا المستجد ينتشر وبسرعة في العديد من دول العالم التي تتأهب لاستقبال فصل الصيف وتشهد بالفعل ارتفاعا في درجات الحرارة.
أيضا دخول «الساونا» لا يقتل الفيروسات التي اخترقت الخلية، بل هي عملية تمثل خطورة في الوقت الحالي بسبب إمكانية انتشار العدوى الناجمة عن الاختلاط في مثل هذه الأماكن، أو استخدام أدوات الغير دون اكتراث بضرورة استبدالها، أو تعقيم الأماكن التي يتردد عليها الآخرون.
كما لا يمكن أن تكون محميا من الفيروس –بحسب يونس- عن طريق شرب أو أكل الخل والسماق والصودا والزنجبيل، فكل هذا لم تتناوله أي دراسة علمية ولم تؤكده الاختبارات التي أجريت في هذا الشأن، فالاهتمام بالمناعة يكون في المجمل بتناول العناصر المكملة التي يحتاجها الجسم تحت إشراف الطبيب.
التزام الحرص وتجنب الهلع
ويقول دكتور فهيم يونس، في إحدى تغريداته على تويتر، إنه لا داعي للقلق بشأن طلبات الطعام الخاصة بك، فلم يثبت حتى الآن انتقال الفيروس عبر الطعام، ولكن إذا كان الأمر ضروريا أو مقلقا لك، يكفي تسخين الطعام قليلا للقضاء على أي احتمال لتواجد الفيروس على سطحه، إذ تسهم درجة الحرارة التي تزيد عن 60 مئوية في القضاء عليه.
ويدعو يونس لتجنب الفزع والهلع جراء تفشي الفيروس، مطالبا بالحرص والتزام التعليمات الصحية في هذا الشأن، قائلا: «سنعيش مع فيروس كورونا لعدة أشهر. فدع عنك الإنكار والفزع ولا تصعب عليك الحياة، ولنتعلم التعايش مع هذه الحقيقة»، مؤكدا في الوقت نفسه على فرضية أخرى متداولة، وهي أن فيروس كوفيد-19 لا يعلق في الهواء، فالعدوى تتطلب الاتصال الوثيق بين المصاب والشخص الآخر، لذا يمكنك الاستمتاع بحياتك في الأماكن المفتوحة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي، على حد تعبيره.
أيضا، اغسل يديك وتجنب لمس وجهك ما أمكن، وعش حياتك كالمعتاد، فأكياس البضائع ومضخات البنزين وعربات التسوق وأجهزة الصراف الآلي لا تسبب العدوى ما دمت لا تلمس وجهك، إذ ينتقل الفيروس كما هو مؤكد حتى الآن عبر القطرات والرذاذ مثل الإنفلوانزا.
ويقول يونس إنه من المحتمل أن تفقد خاصية الشم مع العديد من أمراض الحساسية والالتهابات الفيروسية، ويعد هذا عرضا غير محدد لكوفيد-19، مع أنه لا ينفي احتمالية إصابة الشخص بالفيروس التاجي، لكن ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بكوفيد-19، إذ يمكن للأعراض أن تتشابه، خاصة مع الفيروسات المنتمية للعائلة التاجية.
الفيروس أيضا يمكن أن يتراكم على القفاز ويمكن بسهولة أن ينتقل لوجهك، فمن الأفضل غسل اليدين باستخدام الصابون العادي جيدا وباستمرار، بدلا من استخدام القفاز، وهي الخطوة الأهم دائما للوقاية من فيروس كوفيد-19، والتي ينصح بها عادة كل المختصين والعاملين في المجال الطبي، فالماء الجاري- بدون صابون- لا يكفي وحده للقضاء على الفيروس، كما ينبغي أن يتم غسل اليدين وفق الإرشادات الصحية المتعارف عليها، وهي أن يطال الغسل أطراف الأصابع، وأن يستمر لـ20 ثانية على الأقل مع التدليك بالصابون جيدا وإيصاله لكافة أجزاء اليد بالأعلى والأسفل. ولا يشترط استخدام الصابون المضاد للبكتيريا بالضرورة، فكل أنواع الصابون، بما فيها الأنواع رخيصة الثمن، تكفي لتلك المهمة.