جولة كريستوفر روس

بدأ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالصحراء كريستوفر روس جولة أخرى في المنطقة، وذلك بزيارة المغرب، وهي الجولة التي كان مقررا لها أن تتم قبل شهور، لكنها تأجلت عقب قرار المغرب سحب ثقته من الديبلوماسي الأمريكي، واحتجاج الرباط على عدم حياده وموضوعيته في الوساطة، بالإضافة إلى تصريح المملكة حينها بأن مسلسل التفاوض تآكل، وأضحى دون أفق، وبلا تقدم. وفي غشت الماضي جرى اتصال هاتفي بين جلالة الملك والأمين العام للأمم المتحدة، أكدت من خلاله الهيئة الأممية أن مبعوثها سيلتزم بمقتضيات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبأن وساطة الأمم المتحدة لن تشهد أي تغيير، وهذا ما ساهم في تيسير إجراء زيارة روس إلى المنطقة  حاليا.
بالنظر إذن إلى هذا السياق، فإن جولة كريستوفر روس الحالية ستحظى بأهمية خاصة، وأساسا عند الإعلان عن تقريره، وعند الكشف عن توجهاته ومنحى المفاوضات من الآن فصاعدا، أي أن هذه الجولة وما سيليها سيبرزان مستوى التفاعل مع التنبيه المغربي المعبر عنه من خلال سحب الثقة سابقا من المبعوث الأممي.
إن المساعي الأممية المتعلقة بالنزاع المفتعل في الأقاليم الصحراوية يجب أن تنتقل اليوم إلى مرحلة جديدة، أي أن تعيد إطلاق  المسلسل السياسي الهادف إلى إيجاد حل سياسي نهائي وتوافقي، وهذا المسلسل لن يكتسب معناه من دون إبراز تقدم واضح في مساعي الأمم المتحدة، أي أن الناس يجب أن يحسوا بأن عمل الأمم المتحدة يتقدم، ويسير إلى الأمام، وليس واقفا وجامدا، أو أنه يتآكل.
في السياق نفسه، فإن الحرص على الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه لا معنى له أيضا بدون اعتراف واضح بكون المغرب هو الوحيد الذي يعرض اليوم مقترحا متكاملا للحل هو مقترح الحكم الذاتي، وهو ما وصفته الكثير من القوى الدولية بالواقعي والجدي وذي المصداقية، وفي غياب مقترح آخر في مواجهة المقترح المغربي، فإن المنطق يفرض أولا تسجيل كون المقترح المغربي هو الوحيد الموجود اليوم على الطاولة، وبأن المفاوضات السياسية يجب أن تجري حوله من أجل تحقيق تقدم فعلي في المساعي.
اليوم كذلك، هناك عائلات كثيرة تعود من تيندوف إلى المغرب، كما أن الكل يسجل الدينامية المتنامية في الأقاليم الصحراوية ، سياسيا وتنمويا وثقافيا، فضلا على أن المملكة قدمت عشرات الدلائل والحجج على قوة إرادتها السياسية وحسن نيتها في المضي من أجل حل نهائي للنزاع المفتعل، وبالتالي التفرغ إلى أوراش التنمية، وإلى مسلسل البناء المغاربي المشترك، وكل هذا يجب اليوم تسجيله، والاعتراف الدولي به، والحرص على تقوية الجهود المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي.
وصلة بنفس المعطى، فإن ما يجري في مالي، وفي كامل منطقة الساحل والصحراء، يطرح تحديا أمنيا واستراتيجيا ليس فقط على المنطقة المغاربية، وإنما على منطقة المتوسط بضفتيها، أي على مصالح قوى عالمية كثيرة، ما يعني أن المنتظم الدولي مطالب  بإنهاء نزاع الصحراء لتفادي تمتين التنسيق والتحالف بين عصابات التهريب والاختطاف والقوى الإرهابية المتطرفة ، وبينها وبين أوساط نافذة في تيندوف، ما يهدد بتحويل الشريط الصحراوي إلى خطر أمني وإرهابي حقيقي.
عمل الأمم المتحدة، بكريستوفر روس أو بدونه، يجب أن يسعى إلى تقليص المدى الزمني لمسلسل البحث عن حل لنزاع الصحراء، وبالتالي الوصول إلى حل نهائي متوافق عليه عبر مبادرة الحكم الذاتي، ولهذا فإن جولة روس اليوم في المنطقة يجب أن تؤسس للتحول.
[email protected]

Top