جيل جديد من المبدعين -الحلقة 11

كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.

كاتب أدب الأطفال زهير قاسمي: الإبداع تراجع مع الجيل الجديد لأسباب عدة في مقدمتها انحدار المستوى التعليمي

زهير قاسمي، له موقع بارز في مجال الكتابة الموجهة للطفل على الخصوص، راكم عدة إصدارات، أحرزت نصوصه القصصية جوائز هامة: جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في صنف أدب الطفل سنة 2014، عن قصة “بستان العم صابر” وجائزة أدب الرحلة التي نظمتها هيئة الحوار الثقافي الدائم بالمغرب خلال السنة الجارية، عن قصته الجميلة التي قرأتها بدوري واستمتعت بها “رحلة إلى مدينة البرتقال”. زهير قاسمي له كذلك شغف بالمتاحف، ويستعد بهذا الصدد لإصدار موسوعة عن متاحف المغرب.

< كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
> يمكنني القول أني بدأت بكتابة قصص قصيرة موجهة للطفل منذ أن كنت أستاذا متدربا بالمدرسة العليا للأساتذة، ولكن هذه القصص ظلت مدة حبيسة الأوراق في درج المكتب، قبل أن أقرر سنة 2012 مراسلة مجلة العربي الصغير بقصة “شهقان ونهقان” فنشرت سنة 2012 ومن ثم بدأت الانطلاقة في مجال الكتابة للطفل. بنشر العديد من الكتب داخل المغرب أولا وبعد ذلك خارج المغرب بلبنان ثم الحصول على جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب سنة 2014 دورة المرحوم عبد الرحيم مودن.

< ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
> صراحة في مجال الكتابة للطفل، لا يمكن الحديث عن عمل مهم وآخر غير مهم، لأن في غالب الأحيان الكتابات الموجهة للطفل تحمل رسائل تربوية، ولكن يمكن القول: هناك عمل لقي إقبالا دون غيره، فمثلا قصة “طموح زبيدة” الصادرة عن دار الحلبي للنشر والتوزيع بالرباط سنة 2016 عرفت مبيعات كبيرة في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، وعرفت مبيعات أيضا بمعارض دولية عربية، كذلك يمكنني الحديث عن آخر إصداراتي وهو عمل يحمل قصتين تراثيتين مغربيتين مستوحيين من التراث العربي المغربي والتراث الأمازيغي بعنوان “أسباوو ودادا فويندة”، بدوره تم بيع نسخ كثيرة منه لتميزه خصوصا الأمازيغ الذين استحسنوا فكرة تسمية عمل للطفل بعنوان أمازيغي، كذلك العمل الوطني البطل “سليمان ومطبعة الأطلس”، وهو عمل موجه للفتيان يحمل سيرة المقاوم الكبير رضا سليمان العرائشي، وهو أول عمل يوجه للطفل يحمل سيرة هذا المقاوم بقالب قصصي.

< ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
> كتبت أعمالا عدة: شعر، قصة للأطفال في سن أربع سنوات فما فوق، كتبت للفتيان للفتيات، وكلها بمواضيع مختلفة، كتبت المقالة الموجهة للطفل، كتبت الاستطلاع، كتبت حتى القصص العلمية الموسوعاتية، وكلها أعمال تحمل رسائل تربوية تثقيفية للطفل، فإما التربية على الأخلاق النبيلة، وإما التربية على حب الوطن أو المساواة بين المرأة والرجل أو الحفاظ على الصحة والبيئة.. باختصار كل ما هو جميل ونبيل ونافع له ولوطنه.
< ما هي الأعمال التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
> العديد من التجارب الإبداعية أثرت في كتاباتي الموجهة للطفل، أولها: تجربة الكاتب الكبير أحمد عبد السلام البقالي، سواء في كتبه الخيالية العلمية أو كتبه عن أبطال المقاومة الاستعمارية، أيضا التجربة الفرنسية المعاصرة، أمثال: أنطوان دو سانت إكزوبيري الذي تعتبر تجربته القصصية الموجهة للطفل ناجحة بكل المقاييس، فقد لقي عمله “الأمير الصغير” إقبالا كبيرا من طرف الأطفال، والتجربة الروسية، وهي التجربة التي استوحى منها أحمد بوكماخ أكلة “البطاطس” الشهيرة.

< هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
> طبعا، لكل مبدع أسلوب يميزه عن باقي المبدعين وإلا لن يكون في أي مجال فني ما يسمى بالإبداع، أما فيما يخص تجربتي في الكتابة للطفل، فهي متنوعة، فقد خضت تجربة الكتابة بالأسلوب المغاربي وتجربة الكتابة المشرقية بلبنان، وأيضا خضت تجربة الكتابة عن التراث وقد كانت ناجحة، سواء داخل المغرب أو خارجه. كما خضت تجربة الكتابة الشعرية للطفل، ولكن القاسم المشترك بين كل هذه التجارب هو تربية الطفل على القيم النبيلة.

< كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
> علاقتي بالتواصل الرقمي هي علاقة وطيدة، فمن خلالها استطعت ربط علاقات بمثقفين من المغرب وخارج المغرب، بل إن التواصل الرقمي سرع من تعرفي على العديد من دور النشر التي كانت تبحث عن إبداعات مغربية في مجال الكتابة للطفل، وبالفعل استطعت نشر أعمال كثيرة داخل المغرب وخارجه، كما أن التواصل الرقمي يسر معرفتي بجرائد ورقية وإلكترونية والتي عرفت بتجربتي الإبداعية في مجال الكتابة للطفل. كما أن العديد من المنابر من الثقافية من جمعيات ومؤسسات قمت معها بتنشيط لقاءات موجهة للطفل وكانت مواقع التواصل الرقمي هي المنطلق قبل القيام بها على أرض الواقع، فالمبدعون السابقون والذين لم يعاصروا مواقع التواصل الرقمي كانت الشهرة تستغرق منهم سنوات. ولكن هناك ملاحظة، فمواقع التواصل الاجتماعي هي فقط قنطرة للتواصل، والمبدع الحقيقي هو الذي يفرض نفسه بأعماله واستمراريته.

< هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
> للأسف، الإبداع تراجع مع الجيل الجديد لأسباب عدة، في مقدمتها تراجع المستوى التعليمي فأغلب الشباب -ولا أعمم- اليوم لا يملكون زادا معرفيا يجعلهم يبدعون، بل يقتصر إبداعهم على ما هو رديء ومبتذل، وعندما نقول: نقص في الزاد المعرفي فأتوماتيكيا نقصد تراجع نسبة القراءة بشكل كبير لدى الشباب، فالمغرب لا يملك شبابا قارئا، كذلك سوء استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة، فأغلب الشباب مدمنون على المحادثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما زرع فيهم حب الكسل، عامل آخر ساهم في تراجع الإبداع في فئة الشباب، عدم وجود دعم من الجهات الرسمية للشباب وتشجيعهم على الإبداع، فالمبدع يحتاج دائما للدعم المعنوي والمادي لكي يستمر، ولكي يصقل مواهبه ويطورها.

< ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
> لا يمكن الحديث عن مشروع محدد، لأني كل سنة أصدر أعمالا، ولكن يمكن القول بصيغة أخرى: ما هو طموحي في الكتابة للطفل؟ والجواب هو كتابة موسوعة عن متاحف المغرب، فأنا أعشق المتاحف، ولا أفوت زيارة لأي مدينة داخل وخارج المغرب إلا وأبحث عن متحف لأزوره، وقد نشرت تقريبا أكثر من عشرين استطلاعا عن متاحف المغرب في مجلة العربي الصغير الكويتية.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top