يفتتح البرلمان بغرفتيه اليوم الجمعة الدورة الخريفية للسنة التشريعية، التي تعتبر الأخيرة قبل الانتخابات المرتقبة في 2021.
الدخول البرلماني هذه السنة يكتسب استثنائية كبيرة اعتبارا لتداعيات فيروس “كوفيد – 19” وما تطرحه من تحديات أمام البلاد بشكل عام، وأيضا لكون المؤسسة التشريعية تعيش آخر عام في ولايتها الحالية، ومن ثم يبقى التحدي المركزي هو ألا تتحول هذه السنة التشريعية الأخيرة إلى ميدان للصراعات العقيمة ذات الخلفية السجالية الانتخابوية، وتناقل صور التدني عبر الإعلام، وأن ينكب المشرعون، بدل ذلك، على إنجاز المهمات الأساسية المطروحة ضمن الأجندة البرلمانية.
من جهة أخرى، يهتم جدول أعمال دورة أكتوبر البرلمانية عادة بدراسة وإقرار قانون المالية، والظرفية الاستثنائية الحالية تجعل ميزانية هذا العام بدورها استثنائية، ذلك أنها أعدت ضمن شروط مجتمعية واقتصادية قاسية بسبب تفشي الوباء وانعكاساته الاجتماعية بالخصوص، وهو ما يفرض استحضار مختلف الرهانات التنموية والسوسيو اقتصادية في بلورة برامج ومشاريع وتوجهات الميزانية السنوية، وبالتالي صياغة انطلاقة تنموية حقيقية وشجاعة لبلادنا في هذه الشروط الوبائية الصعبة وما نجم عنها من أضرار كثيرة، واستخلاص الدروس الحقيقية من كامل الرجة التي أحدثتها كورونا في العالم برمته.
ومن المؤكد كذلك، أن الدورة البرلمانية الجديدة سيطغى عليها كثيرا نقاش القوانين الانتخابية التي ستؤطر الاستحقاقات القادمة، وهذا الورش الهام هو اليوم موضوع مشاورات صعبة ومعقدة بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، وبرزت قضايا خلافية واضحة، لا شك أنها ستحضر في أشغال البرلمان أيضا، ويجب مقاربتها ضمن الحرص الجماعي على مصداقية الانتخابات وضرورة تمتين المسار الديمقراطي العام لبلادنا، وتعزيز منظومتها المؤسساتية والتمثيلية.
تبعا لما سبق، يفرض “كوفيد – 19″، بشكل عام، شروطه على مضمون وأولويات أجندة دورة أكتوبر البرلمانية، سواء من خلال توجهات قانون المالية وأسبقياته، أو أيضا من خلال النصوص القانونية المطروحة.
وحيث إن هذه الدورة تعتبر الأخيرة في عمر الولاية البرلمانية، فإن تنفيذ الالتزامات التي كان تضمنها برنامج الحكومة يفرض، بدوره، الانتباه، ذلك أنه بالفعل هناك العديد من النصوص الواردة في البرنامج الحكومي لم تنجز لحد الآن، وأيضا مجموعة من القوانين التنظيمية التي تندرج ضمن تفعيل أحكام دستور 2011، وهذا يجعل اليوم صعبا الوفاء بكل هذه الالتزامات في سنة تشريعية استثنائية مثل هذه، ما يعني أن تشريعات عديدة ستبقى مؤجلة، بسبب تغير الأولويات، وما فرضه زمن كورونا والزمن الانتخابي من شروط جديدة على عمل مختلف المؤسسات.
وبالنسبة للبرلمان، هناك نصوص تناقش منذ مدة على صعيد اللجان، وسيكون مطلوبا استكمالها، علاوة على مهمات استطلاعية أقرتها عدد من اللجان ووافق عليها المكتب، وتشمل موضوعات وملفات مختلفة، ثم هناك أيضا المشروع الذي أعلن عنه جلالة الملك والمتعلق بالتغطية الصحية، ومقترحات قوانين تقدمت بها الفرق، وكل هذه المهمات تستدعي برمجة محكمة، ومتابعة جادة، كما أنها، تتطلب جودة عامة في التعاطي السياسي والصياغة القانونية والتقنية، وبالتالي، جعل دراستها، وأيضا جلسات الأسئلة والعمل الرقابي على الحكومة، مناسبات لتمتين الحوار السياسي العمومي داخل القبة التشريعية، وتقديم عرض سياسي وبرلماني جاذب لشعبنا، يستطيع تكريس الاهتمام الكبير بالشأن السياسي الوطني بشكل عام.
يتطلع شعبنا كي يشكل النقاش البرلماني حول مختلف القضايا المذكورة أعلاه منصة حقيقية للحوار السياسي الجاد والهادف والمنتج، وأن يحرص على التفاعل الخلاق مع انشغالات شعبنا في هذه الظرفية الصحية والمجتمعية الصعبة، وأيضا مع التحديات السياسية والتنموية المطروحة على بلادنا ووطننا، والحرص على الارتقاء بالأداء البرلماني العام، وجعل المؤسسة التشريعية الفضاء المركزي للحوار السياسي الوطني.
<محتات الرقاص