مع الانطلاقة الفعلية للموسم الدراسي الجديد، أمس الاثنين 4 شتنبر الحالي، تواجه مجموعة من الأسر المغربية عبئا ماديا جديدا يصاحب الدخول المدرسي، من شراء للوازم المدرسية والكتب وأداء رسوم التسجيل وغيره.
وبدأت العديد من الأسر التي تواجه ضغوطا اقتصادية، استعداداتها للدخول المدرسي الذي سيشكل ضغطا جديدا عليها، خصوصا من تختار تسجيل أبنائها في المدارس الخاصة، ونظرا للارتفاعات التي سجلتها واجبات التدريس في القطاع الخاص مقارنة بالسنة الماضية، ناهيك عن تأثر غالبية هذه الأسر من تداعيات عيد الأضحى والأسعار الملتهبة التي ميزته هذه السنة، علاوة على تكاليف العطلة الصيفية باعتبارها عنصر استنزاف للأسر ومواردها المتراجعة بسبب الغلاء والتضخم.
وتلقى العديد من الآباء وأولياء التلاميذ إشعارا بزيادات جديدة في رسوم التدريس في القطاع الخاص تراوحت حسب بعض الأسر بين 100 و150 درهما، وأكد أحد الآباء في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المدرسة الخاصة بولديه اتصلت كي تخبره بأن الواجب الشهري سيعرف زيادة قدرها 150 درهما، حيث سيؤدي عن كل واحد منهما 1500 درهم، وبه بات ملزما بدفع 3000 درهم شهريا، مؤكدا “أن الوضع أصبح صعبا مع الغلاء المتزايد في أغلب المواد والحاجيات الأخرى، وأنه أصبح من الصعب عليه مواجهة تكاليف الحياة”.
ومن جهة أخرى، قال مصطفى الذي يشتغل كموظف في إحدى الشركات بمدينة الدارالبيضاء، “وجدت نفسي مضطرا لإلحاق ابني الذي يدرس في الصف الثاني ثانوي بأحد المدارس العمومية هذه السنة بسبب الوضعية الصعبة التي نمر منها، بعد أن بحث عن وسيلة بديلة لكن دون جدوى”. وأضاف “بعد تداعيات العيد جاءت العطلة الصيفية، لم يعد لنا ما نواجه به الدخول المدرسي، وأن الوضع بات صعبا على الجميع، وأنه يواجه صعوبات نظرا للراتب المتوسط الذي أتقاضاه، والذي لم يعد كافيا في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة”.
ويتوقع أن يعيد موضوع الزيادات المتكررة لبعض المدارس الخاصة الجدل إلى الساحة مجددا، حيث أوضح مدير أحد المدارس الخاصة بمدينة الدارالبيضاء، أن واجبات التسجيل تختلف من مؤسسة لأخرى وهنالك من أقر زيادات ومن حافظ على نفس الأسعار، مؤكدا أن مؤسسته لم تشهد زيادات رغم الظروف الراهنة، وقال “خلال الموسم الدراسي الماضي قررنا القيام بزيادة بقيمة 100 درهم لكننا واجهنا غضب الآباء، الذين لم يتقبلوا هذه الزيادة، ومنهم من قرر عدم تسجيل أبنائه في المؤسسة”.
في حين عزى مدير مدرسة أخرى سبب الزيادات “أن المؤسسة بدورها تعاين الأضرار ونضطر لإقرار هذه الزيادة لكونها الحل الوحيد المتبقي للتعامل مع هذا الوضع”، وقال “إننا ملزمون بالزيادة في الرسوم الدراسية مع بداية الموسم المقبل، من أجل التخفيف من إجراء رفع نسبة الضريبة على دخل الأساتذة غير القارين بزيادة تقدر بـ13 في المائة، والذي تضمنته المادة 58 من المدونة العامة للضرائب”.
وسبق لاتحاد آباء وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخاص أن حذر من تداعيات الإجراءات الضريبية الجديدة التي تضمنها قانون مالية سنة 2023 على الأسر، والتي من شأنها، حسب ما جاء في بلاغ سابق للاتحاد، المس بالقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.
وذكر الاتحاد في بلاغه أن “المادة 58 من المدونة العامة للضرائب التي جاءت بها الحكومة من خلال تعديل نسبة الضريبة على دخل الأساتذة غير القارين في 17 في المائة ورفع النسبة في 30 في المائة؛ أي بزيادة 13 في المائة، يستدعي التنبيه إلى خطورة الأمر”، مشيرا إلى أن نسبة الأساتذة غير القارين من مجموع الأساتذة العاملين بالقطاع تتجاوز 50 في المائة من هيئة التدريس، “وهو الأمر الذي سيكلفنا غاليا لأن كتلة الأجور ستعرف ارتفاعا بنسبة 6,5 في المائة مما سينعكس على الكلفة الإجمالية وسيترتب عنه الزيادة في واجبات التمدرس التي ستفرض على الأسر المغربية”، حسب رئيس الاتحاد.
وتطالب عدد من الأسر وزارة التربية الوطنية الوصية على القطاع بإلزام المؤسسات التعليمية بتحديد رسوم التسجيل، بدل تركها مفتوحة لا تخضع لضوابط محددة ومتفق عليها مسبقا، مثلما ينص عليها العقد النموذجي المرتقب توقيعه بين الأسر والمؤسسات التعليمية، والذي سيحدد مجموعة من النقاط التي يشوبها خلاف.
وفي السياق ذاته، طالب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، مؤسسات التعليم الخصوصي بضرورة إضافة معطيات على واجهاتها، وعدم مغالطة المتعلمين وأولياء أمورهم في الإعلانات الإشهارية.
وأفاد الوزير، في مذكرة موجهة إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديرين الإقليميين، بأنه من أجل نهج الشفافية في العلاقة بين مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي وأمهات وآباء وأولويات التلميذات والتلاميذ، خاصة في ما يتعلق بالوضعية القانونية للمؤسسات المذكورة، والأسلاك التعليمية المرخص بها، فإنه يتعين على مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي أن تضيف إلى اسمها المكتوب على واجهتها رقم وتاريخ الترخيص المخول لها، وأن تضع هذه البيانات على جميع المطبوعات والوثائق الصادرة عنها.
وشددت المذكرة الوزارية، على أنه وتطبيقا لأحكام الفصل 5 من الدستور، فإن هذه المؤسسات ملزمة باستعمال اللغتين العربية والأمازيغية في وضع البيانات المذكورة. وأشارت الوثيقة ذاتها إلى أن الإعلانات الإشهارية الصادرة عن مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي لا يجب أن تتضمن معلومات من شأنها أن تغالط المتعلمات والمتعلمين وأولياء أمورهم، كما يجب أن تناسب مضامين الإعلانات الإشهارية مع نوع الترخيص المسلم لها وطبيعة الخدمات المقدمة.
وأهاب المصدر ذاته بمديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والمديرين الإقليميين، السهر على تطبيق فحوى هذه المذكرة، بما يحقق الغاية المرجوة منها، مع العمل على دعوة مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي إلى إيداع نسخ من الإعلانات الإشهارية المتعلقة بها لدى المصالح المختصة بالأكاديمية، أو المديرية الإقليمية، قصد الاطلاع عليها قبل نشرها.
المستلزمات المدرسية
باشرت منذ أيام العديد من الأسر المغربية، عملية التحضير والبحث عن لوازم الدخول المدرسي الذي لم تعد تفصل عنه سوى أيام قليلة.
وتتحول بالموازاة مع هذه الفترة أغلب الساحات و”القيساريات” لأسواق مدرسية كبرى، حيث يتحول العديد من الشباب لباعة الأدوات والمستلزمات المدرسية، ويسعى أصحاب المحلات التي تعرض مجموعة متنوعة من الكتب والأقلام وغيرها وكذا المحفظات والوزرات، لإثارة إعجاب الأطفال وأولياء الأمور.
ويستغل بعض الباعة الموسميين من الشباب هذه الفترة لكسب دخل إضافي، ومنهم من كان يبيع المظلات الشمسية والسكاكين قبل أيام، انتقلوا بدورهم إلى مجال بيع الأدوات المدرسية وأغلفة الكتب، وقال خالد شاب يدرس في التكون المهني إننا في فترة العطلة نحاول استغلال المناسبات كالأعياد ورمضان والآن جاء الدخول المدرسي، حيث نحاول توفير المستلزمات وحاجيات التلاميذ لكسب بعض الربح قبل العودة للدراسة مجددا.
وأضاف المتحدث ذاته أنهم يوفرون المقررات المستعملة ويبيعونها بأثمنة أقل من تلك الجديدة حيث يفضل حسب قوله بعض الآباء وأولياء التلاميذ اقتناء المستعملة بدل الحديثة لتوفير بعض المال.
إلى جانب هذا بدأت المحلات التجارية الكبرى في الدار البيضاء عرض سلع دخول المدرسة، واتسم العام الدراسي الجديد حسب أقوال بعض الآباء، بارتفاع أسعار الكتب واللوازم المدرسية مقارنة بالسنة الماضية، بمبررات اقتصادية عدة أبرزها ارتفاع أسعار المحروقات، الأمر الذي أفضى إلى تداعيات سلبية على القدرة الشرائية لكثير من الأسر المغربية.
وعبر عدد الآباء وأولياء أمور التلاميذ عن استيائهم من ظاهرة بيع الكتب والمستلزمات الدراسية للتلاميذ من قِبل المدارس الخاصة، نظرا لمخالفة هذا الأمر للقانون، وأيضا كونه وسيلة لإكراه الآباء على اقتناء هذه المستلزمات بأسعار كبيرة.
وكانت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، قد أثارت بمجلس المستشارين هذه الظاهرة داخل البرلمان، من خلال سؤال كتابي وجهه المستشار عن النقابة خالد السطي لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مطالبا فيه بالحد من هذه الممارسات.
ودعا السطي إلى الكشف عن الإجراءات المتخذة من أجل التصدي لهذه الممارسات، والمجهودات التي تم بذلها على مستوى التنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية في هذا الموضوع.
وجاء في السؤال الكتابي، أن بعض مؤسسات التعليم الخاص تقدم على بيع الكتب المدرسية ومستلزماتها للتلاميذ مع بداية الموسم الدراسي، معتبرا الأمر “ممارسة تجارية خارجة عن دفاتر التحملات الخاصة بهذه المؤسسات ومنافيا لقواعد المنافسة الحرة، وإجبارا لأولياء التلاميذ بطرق ملتوية على اقتناء المقررات الدراسية من المؤسسة التي يدرس بها أبناؤهم”.
من جهتها، وجهت رابطة الكتبيين بالمغرب ملتمسا إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من أجل “التصدي للممارسات غير القانونية لبعض مؤسسات التعليم الخاص”.
وأفاد الملتمس، “توصلنا من الجهات الرسمية بما يفيد أن اختصاص مواجهة هذه الممارسات الشاذة موكول إلى اللجان المختصة على صعيد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين التي يجب أن تراقب المؤسسات الخاصة وتحرص على التطبيق السليم لمقتضيات القانون 06.00 المنظم للتعليم الخصوصي، وتتخذ الإجراءات التنبيهية والزجرية بهذا الخصوص”.
دور الأسرة فى الاستعداد
مع بداية الموسم الدراسي الجديد تغفل مجموعة من الأسر المغربية عن الدور المهم للتهيئة القبلية للأبناء والاستعداد معهم لاستقبال هذه المرحلة الجديدة، خصوصا أنها تأتي بعد فترة العطلة والتوقف التي يطغى عليها الجانب الترفيهي والابتعاد عن ضغوطات الدراسة.
وتقول مريم أم لثلاثة أطفال، “الاستعداد للموسم الدراسي الجديد من الأشياء التي تؤرقنا نحن كأمهات على اختلاف مراحل أبنائنا التعليمية، فنشعر كأننا سنخرجهم من جو الراحة والاستمتاع لجو أكثر انضباط وجدية، وبالطبع، في الوقت ذاته، نساعدهم على الشعور بالحماسة. مضيفة أن الاستعداد للعام الدراسي الجديد لا يقتصر على المستلزمات المدرسية والمادية، بل يعتمد على الاستعدادات النفسية والعقلية والصحية والبدنية و تهيئة الأبناء.
وأوضحت مريم “نحن بدورنا نستعد لهذا الدخول المدرسي لكوننا مدركين جيدا أننا كأسرة سنعيش وقع الضغوطات، وجميعنا بحاجة إلى بدء الالتزام بروتين يناسب الدراسة، حتى نجعل أبناءنا يستقبلون هذا العام الجديد بروح جديدة، محبين للدراسة ومستعدين لها”.
ويضع علماء النفس وخبراء التربية مجموعة من الأفكار النظرية والبرامج والخطط لكيفية الاستعداد للعام الدراسي، سواء للآباء والأبناء أنفسهم.
فالاستعداد النفسي يبقى هو الأهم حيث من الصعب على الطفل الانتقال من مرحلة الإجازة إلى مرحلة الدراسة مرة واحدة دون تهيئته نفسيا وبروح جديدة ومتحمسة للدراسة، ولذلك يجب أن يتدرج نفسيا للانتقال إلى مرحلة العام الدراسي الجديد، حيث يوصي الخبراء أنه يجب على الأب والأم أن يحاول إعطاء أبنائهما فكرة وصورة جيدة عن المدرسة، سواء كانت السنة الأولى لهم أو أنهم انتقلوا إلى مدرسة أخرى أو مرحلة دراسية جديدة، ولكن دون مبالغة، وذكر أشياء ليست موجودة، مما قد يسبب لهم الصدمة عند الذهاب إليها، بالإضافة إلى أنه يجب اللعب على نقطة هامة، ألا وهي ترغيب الطفل في المدرسة والمدرسين، بكلمات بسيطة ومحببة وقصص بسيطة عن التفوق المدرسي، والتي قد ترغبه فيها، تحت شعار “كلنا نحب المدرسة و لا ننفر منها”، و تشجيع الأبناء على روتين الدراسي اليومي وكيفية التأقلم عليه، وتعويد الأسرة جميعها، وخاصة الأطفال على النوم باكرا قبل الدراسة بشهر على أقل تقدير.
ويقول الخبراء إن هناك حقيقة علمية أثبتتها التجربة العملية تفيد بأن استعدادات الطالب للدراسة صحيا وبدنيا يؤثر على مدى استيعابه للمواد التي يدرسها وتحقيقه للأهداف المرجوة منه، فمثلا إذا لم تحرص الأمهات على أن يكون الطعام صحيا، ستكون النتيجة الطبيعية أن الطالب سيصبح كسولا وصحته البدنية في خمول، وبالطبع سيصبح عقله أقل استيعابا وذهنه مشغول ومشوش.
إلياس ديلالي (صحافي متدرب)