دراسة عالمية: الفقر من أسباب ارتفاع ضغط الدم

أكثر من 700 مليون شخص يعانون من فرط ضغط الدم دون تلقي العلاج

عدد المصابين تضاعف إلى 1.28 مليار شخص منذ التسعينات

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء إن قرابة 1.3 مليار شخص على مستوى العالم يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وهو القاتل الصامت الذي يرجع سببه في الأغلب للسمنة ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وأمراض الكلى.

وقالت منظمة الصحة العالمية وجامعة إمبريال كوليدج لندن في دراسة مشتركة نشرت في دورية “لانسيت” إن ارتفاع ضغط الدم يمكن تشخيصه بسهولة عن طريق مراقبة ضغط الدم وعلاجه بأدوية منخفضة التكلفة، لكن نصف المصابين لا يعرفون شيئا عن حالتهم وهو ما يعني عدم حصولهم على علاج.

وقالت الدراسة إنه في حين أن معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لم تتغير سوى قليلا خلال 30 عاما، فقد تحول عبء زيادة الحالات إلى الدول ذات الدخل المنخفض بعد أن تمكنت الدول الغنية من السيطرة على الأمر إلى حد كبير.

وقال البروفيسور مجيد عزتي، الباحث الأعلى في الدراسة وبروفيسور الصحة البيئية العالمية في معهد الصحة العامة بكلية إمبريال في لندن، خلال إفادة صحافية: “الأمر بعيد كل البعد عن كونه حالة مرضية ناتجة عن الثراء، بل حالة مرضية مرتبطة إلى حد كبير بالفقر”.

وقال إن “أجزاء كثيرة من أفريقيا جنوب الصحراء، وأجزاء من جنوب آسيا وبعض الدول الواقعة في جزر المحيط الهادي لا تحصل حتى الآن على ما يلزم من العلاج”.

ارتفاع الإصابات

ازداد عدد البالغين المصابين بفرط ضغط الدم (ارتفاع ضغط الدم)، ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاما، من 650 مليون شخص إلى 1.28 مليار شخص في الأعوام الثلاثين الأخيرة، وفقا للدراسة التي تعد أول تحليل عالمي شامل للاتجاهات السائدة في معدلات انتشار فرط ضغط الدم والكشف عنه وعلاجه والسيطرة عليه. ولوحظ أن حوالي نصف هؤلاء الأشخاص لم يكن لديهم أي علم بإصابتهم بفرط ضغط الدم.

ومن المعلوم أن فرط ضغط الدم يسبب زيادة كبيرة في مخاطر الإصابة بأمراض القلب والمخ والكلى، وهو من أهم أسباب الوفاة والمرض في جميع أنحاء العالم. ويمكن الكشف عن فرط ضغط الدم بسهولة بواسطة قياس ضغط الدم، سواء في المنزل أو في مرفق صحي، كما يمكن في الغالب علاجه بفعالية بواسطة أدوية منخفضة التكلفة.

وقد شملت الدراسة التي أجرتها شبكة عالمية من الأطباء والباحثين، الفترة من عام 1990 إلى عام 2019. واستندت إلى بيانات قياس ضغط الدم وعلاجه لأكثر من 100 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عاما في 184 بلدا تغطي ما مجموعه 99% من سكان العالم، مما يجعله الاستعراض الأشمل للاتجاهات العالمية لمعدلات فرط ضغط الدم حتى اليوم.

ومن خلال تحليل هذا الكم الهائل من البيانات، خلص الباحثون إلى أنه لم يطرأ تغيير كبير على المعدل الإجمالي لانتشار فرط ضغط الدم في العالم خلال الفترة من 1990 إلى 2019، غير أن عبء المرض قد انتقل من البلدان الغنية إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. فقد انخفض معدل فرط ضغط الدم في البلدان الغنية، التي أصبحت معدلاتها اليوم من بين الأدنى، في حين ارتفع في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.

ونتيجة لذلك، كانت معدلات انتشار فرط ضغط الدم في كندا وبيرو وسويسرا من بين الأدنى في العالم في عام 2019، بينما لوحظت المعدلات الأعلى في بلدان مثل الجمهورية الدومنيكية وجامايكا وباراغواي بالنسبة للنساء، وفي هنغاريا وباراغواي وبولندا بالنسبة للرجال.

ورغم أنه لم يطرأ تغيير يذكر على النسبة المئوية للأشخاص المصابين بفرط ضغط الدم منذ عام 1990، فإن عدد الأشخاص المصابين به قد تضاعف ليصل إلى 1.28 مليار نسمة، وهو ما يرجع بشكل أساسي إلى النمو السكاني وشيخوخة السكان. وفي عام 2019، تركز أكثر من مليار شخص من المصابين بفرط ضغط الدم (82% من مجموع المصابين به في العالم) في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

فجوات كبيرة في خدمات التشخيص والعلاج

رغم سهولة تشخيص حالة فرط ضغط الدم والسهولة النسبية لعلاجها بأدوية منخفضة التكلفة، أظهرت الدراسة وجود فجوات كبيرة في خدمات التشخيص والعلاج. فحوالي 580 مليون شخص من المصابين بارتفاع ضغط الدم (41% من النساء و51% من الرجال) لم يكن لديهم أدنى علم بحالتهم إذ لم يسبق تشخيصها قط.

 وأظهرت الدراسة أيضا أن أكثر من نصف هؤلاء الأشخاص (53% من النساء و62% من الرجال)، أو ما مجموعه 720 مليون شخص، لا يتلقون العلاج اللازم لحالتهم. واقتصرت السيطرة على حالة فرط ضغط الدم، أي فعالية الأدوية في خفض ضغط الدم إلى مستوياته الطبيعية، على أقل من امرأة واحدة من بين كل 4 نساء، ورجل واحد من بين كل 5 رجال من المصابات والمصابين بهذه الحالة.

ويقول البروفيسور مجيد عزتي “بعد مرور نحو نصف قرن على بدء علاج حالة فرط ضغط الدم، التي يسهل تشخيصها وعلاجها بأدوية منخفضة التكلفة، فإن عدم حصول هذا العدد الكبير من الأشخاص المصابين بفرط ضغط الدم في العالم على العلاج اللازم لحالتهم ينمّ عن فشل في مجال الصحة العامة”.

وتشير البيانات إلى أن الرجال والنساء في كندا وآيسلندا وجمهورية كوريا هم الأقرب لتلقي الأدوية اللازمة لعلاج حالة فرط ضغط الدم لديهم وعلاجها بفعالية، حيث تلقى أكثر من 70% من هؤلاء الأشخاص العلاج اللازم في عام 2019. وبالمقارنة، فإن الرجال والنساء في أفريقيا جنوب الصحراء ووسط آسيا وجنوبها وجنوب شرقها وجزر المحيط الهادئ هي الأدنى فرصةً في الحصول على هذه الأدوية، حيث تنخفض معدلات العلاج إلى ما دون 25% للنساء و20% للرجال في عدد من بلدان هذه الأقاليم، مما يشي بقدرٍ هائل من اللامساواة في العلاج على الصعيد العالمي.

ومما يبعث على التفاؤل أن بعض البلدان المتوسطة الدخل قد نجحت في توسيع نطاق خدمات العلاج وأصبحت تسجل مستويات من العلاج والسيطرة تفوق معظم البلدان الأعلى دخلا.

ويقول الدكتور بن تزو، الزميل الباحث في معهد الصحة العامة لكلية إمبريال في لندن، الذي قاد هذه الدراسة التحليلية: “رغم أن معدلات علاج فرط ضغط الدم والسيطرة عليه قد تحسنت في معظم البلدان منذ عام 1990، لم يطرأ تغير يذكر في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء وجزر المحيط الهادئ. ويتعين على الممولين الدوليين والحكومات الوطنية إعطاء الأولوية لتحقيق المساواة على الصعيد العالمي في علاج هذا الخطر الرئيسي الذي يهدد الصحة العالمية”.

مبادئ توجيهية جديدة بشأن العلاج

وأصدرت المنظمة كذلك “المبادئ التوجيهية بشأن العلاج الدوائي لفرط ضغط الدم لدى البالغين”، متضمنة توصيات جديدة لمساعدة البلدان على تحسين التدبير العلاجي لحالات فرط ضغط الدم.

وتقول الدكتورة تسكين خان، التي تعمل لدى إدارة مكافحة الأمراض غير السارية التابعة للمنظمة، والتي ترأست عملية إعداد المبادئ التوجيهية، إن “المبادئ التوجيهية العالمية الجديدة بشأن علاج فرط ضغط الدم، وهي الأولى من نوعها منذ 20 عاما، تقدم أحدث الإرشادات القائمة على الأدلة عن الأدوية المستخدمة لعلاج فرط ضغط الدم لدى البالغين”.

وتتطرق التوصيات إلى مستوى ضغط الدم الذي يستدعي بدء العلاج بالأدوية ونوع الدواء أو مزيج الأدوية اللازم استخدامه، ومستوى ضغط الدم المستهدف، ووتيرة فحوص المتابعة لقياس ضغط الدم. إضافة إلى ذلك، تتيح المبادئ التوجيهية القاعدة التي يمكن أن ينطلق منها الأطباء والعاملون الصحيون الآخرون للمساهمة في تحسين الكشف عن حالات فرط ضغط الدم وتدبيرها علاجيا.

وقالت بنت ميكلسن مديرة قسم الأمراض غير السارية بمنظمة الصحة العالمية “نعلم أن العلاج رخيص الثمن. إنها أدوية منخفضة التكلفة ولكن هناك حاجة لإدراجها في التغطية الصحية الشاملة على مستوى العالم. حتى لا تشكل تكلفة على المريض يجب أن يشملها نظام تأميني”.

وأضافت ميكلسن أنه بصرف النظر عن عوامل الخطورة الجينية المؤدية لارتفاع ضغط الدم، فإن هناك “عوامل خطورة يمكن تعديلها” ترتبط بنمط الحياة.

وقالت إن هذه العوامل تشمل الأنظمة الغذائية غير الصحية وقلة النشاط البدني واستهلاك التبغ والكحول وداء السكري غير الخاضع للسيطرة وزيادة الوزن.

وأوضحت قائلة “لا مجال للمبالغة في التأكيد على أهمية تحسين التدبير العلاجي لحالات فرط ضغط الدم. ومن خلال اتباع التوصيات الواردة في هذه المبادئ التوجيهية وزيادة وتحسين فرص الحصول على أدوية ضغط الدم، وتحديد الأمراض المصاحبة، مثل السكري وأمراض القلب السابقة، وعلاجها، والترويج للنظم الغذائية الصحية والنشاط البدني المنتظم، والتشدد في مكافحة منتجات التبغ، سيكون بمقدور البلدان إنقاذ الأرواح وخفض نفقات الصحة العامة”. 

الوسوم ,

Related posts

Top