![](images/BAYANE2012/MOIS11/11/photo mahtate.jpg)
إن المغرب اليوم يشهد دينامية سياسية وديمقراطية وحقوقية مختلفة تماما عن السابق، والعالم نفسه ليس هو ذاته الذي كان موجودا زمن الرصاص المغربي، وهذه التغيرات صارت تفرض اليوم معايير مغايرة والتزامات عديدة على الدول، وضمنها بلادنا المرتبطة بكثير من الاتفاقيات الدولية، وبعلاقات متميزة سواء مع الاتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكل هذا له امتدادات داخلية لا بد أن تطبق، ولعل أهمها احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.
ومن جهة ثانية، فإن الحديث عن ممارسة التعذيب لم يعد محصورا اليوم في التقارير الدولية، وفي شهادات الضحايا والمنظمات الحقوقية، بل إن مؤسسة وطنية من حجم المجلس الوطني لحقوق الإنسان رصدت، هي الأخرى، اقتراف موظفي السجون للتعذيب، وعرضت أشكالا من هذه الممارسة المرفوضة، وقدمت شهادات ومعطيات صادمة ومثيرة للتنديد والاشمئزاز، وهذا يجب أن يكون له ما بعده، أي ألا يحال تقرير المجلس، بدوره، إلى الرفوف والأرشيفات.
اليوم، أمامنا إذن تقرير صدر عن مؤسسة دستورية، وقبله كانت لجنة برلمانية قد أعدت بدورها تقريرا عن الموضوع نفسه، بالإضافة إلى تقارير جمعيات حقوق الإنسان، وتوجد تقاطعات كثيرة بين كل هذه التقارير، خصوصا في التشخيص وفي رصد حالات الانتهاك، ما يفرض طرح موضوع السياسة السجنية على طاولة البحث والإصلاح فورا، وذلك وفق مقاربة شمولية ومندمجة، تبدأ أولا بالتحقيق في مضامين التقارير المذكورة، ثم تنكب على إصلاح حقيقي وشامل للمنظومة القانونية والتدبيرية ذات الصلة، وتغيير السياسة والفلسفة العقابية المعمول بها لحد الآن، ومن ثم استثمار ما ورد، بالخصوص، في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتفعيل إصلاحات عميقة في المؤسسة القضائية، وفي المؤسسة السجنية، وأيضا في الإطار القانوني المؤطر لهذا الميدان.
ومن جهة أخرى، فإن مقتضيات الدستور الجديد، وكذا الإصلاحات التي أدرجت في بعض القوانين الوطنية ذات الصلة في السنوات الأخيرة، تجعل كلها ممارسة التعذيب أمرا خارج القانون في المغرب، كما أن اقترافه من لدن موظفين عموميين يعتبر جريمة يعاقب عليها بموجب النصوص المغربية، ناهيك عن الالتزامات الدولية للمملكة، والتي جرى التأكيد عليها خلال مجلس الحكومة ما قبل الأخير، ولهذا، فإن ممارسة التعذيب صارت من زمن آخر مضى وفات، ولم تعد مقبولة في زمننا هذا، كما أن العقليات الواقفة وراء استمرار هذه الممارسة المشينة لم تعد تستحق البقاء في المسؤولية في المغرب الجديد.