رمزيات الجولة الملكية

لم تخل الجولة الملكية في بلدان الخليج والأردن من رمزيات، ولعل أكثرها دلالة هي الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، حيث تقيم المملكة المغربية مستشفى عسكريا ميدانيا يعالج ضحايا مجازر النظام السوري.
لقد جسدت هذه الالتفاتة الملكية المعبرة أولا إشارة احتفاء وتقدير لجهود الفرق الطبية والقوات المسلحة الملكية في إطار هذه المهمة الإنسانية، كما أنها تعتبر ثانيا إشارة تضامن مع المملكة الأردنية ومؤازرة لها، وفضلا عن ذلك، فهي تجسد أول زيارة لمخيم اللاجئين السوريين من طرف رئيس دولة، وهي الخطوة التي قدرها آلاف اللاجئين خير تقدير، فلم يترددوا في رفع الشعارات المرحبة بجلالة الملك، والممتنة للتضامن المغربي. كل الذين تابعوا عبر قنوات التلفزيون مشاهد اللاجئين السوريين وهم يحيون ملك المغرب، وهذا الأخير يتجاوز كل البروتوكولات والإجراءات الأمنية ويتوجه إليهم ليسلم عليهم، تماما كما يفعل أثناء زياراته لمختلف مناطق المملكة، تذكروا فورا مشهد سفير النظام السوري في مجلس الأمن، وهو يشتم المغرب ومؤسساته، ويسخر من البيعة، ومن علاقة الملك بشعبه، وتحول المشهد الأول في الأردن إلى رد بليغ عن تفاهة المشهد الثاني الذي كانت قد جرت وقائعه في نيويورك.
المواطنون السوريون الفارون من جحيم الأسد وشبيحته أدركوا البعد الإنساني في التضامن المغربي معهم، وأحسوا بشجاعة ملك يحل بينهم في مخيمات اللجوء، ويقدم لهم المساعدات والعلاجات، فهتفوا له (بالروح… بالدم…)، وردوا التحية بمثلها.
هنا تجلى التضامن المغربي مع الشعب السوري كموقف مبدئي، وكوعي إنساني، وليس كتصفية حسابات، أو لتحقيق مصالح، ولهذا برز تجاوب السوريين تلقائيا وصادقا.
من جهة أخرى، تعتبر زيارة الملك لبلدان الخليج الأولى من نوعها بعد دعوة مجلس التعاون الخليجي المغرب والأردن للانضمام إليه، وهي بذلك مناسبة لتجسيد التقارب بين الطرفين، وإعطاء بعد عملي وإجرائي للتعاون الاستراتيجي بينهما، وهنا تتجلى رمزية أخرى لا تخلو من أهمية.
إن بلدان الخليج، وبغض النظر عن الحراكات السياسية الداخلية التي تعيشها البحرين والكويت، فهي على العموم تتمتع باستقرار كبير، فضلا عن إيجابية السياق الاقتصادي والمالي الذي يميز أوضاعها العامة في الفترة الحالية، وهذا ما يجعل ظرفية الجولة الملكية مناسبة وجيدة سواء على الصعيد الاقتصادي، أو فيما يتعلق بالظرفية السياسية المحلية والإقليمية، وأيضا هي إشارة لأهمية تقوية التعاون والتضامن بين أنظمة مستقرة على العموم، وتجسيد لتقدم النموذج الديمقراطي المغربي، والذي يستحق الدعم الاقتصادي والمساندة  لتفعيل إشعاعه ودوره في المنطقة.
وللتذكير فقط، فإن علاقات المغرب ببلدان الخليج ليست حديثة العهد، أو أنها وليدة ظرفيات طارئة، وإنما هي ممتدة في التاريخ، خصوصا مع السعودية والإمارات والكويت، كما أن الجولة الملكية الحالية سرعت وتيرة تحسين العلاقات وتطويرها مع دولة قطر، وبالتالي فقد فتحت الزيارة الملكية صفحة جديدة في العلاقات المغربية الخليجية، وحملت مؤشرات عملية وملموسة على ذلك، كما أنها لم تخل من رمزيات هي أيضا تعتبر إشارات التقطها المتابعون للتدليل على أهمية الاختيار الملكي بزيارة بلدان الخليج في هذه الفترة بالذات.
[email protected]

Top