يقصد بالوساطة في مدونة الشغل، جميع العمليات الهادفة إلى تسهيل التقاء العرض والطلب في مجال التشغيل، وكدا جميع الخدمات المقدمة لطالبي الشغل والمشغلين من أجل إنعاش التشغيل وتنشيط الإدماج المهني. لكن طريقة العمل تختلف من وكالة إلى أخرى. فإذا كانت كبريات وكالات الوساطة في ميدان التشغيل تتنافس في ابتكار العروض لإقناع الشركات و المجموعات الاقتصادية الكبرى لتقديم الاستشارة و البحث على الأطر النفيسة للمناصب المهمة فإن بعض الوكالات الصغرى تجتهد و تبدع في اقتناص الباحثين عن العمل في مناصب لا تحتاج الى تكوين متميز و خاصة مراكز النداء. هاته الوكالات تحولت إلى ما يمكن تسميته بعملية النصب و الاحتيال لما يشوب عملية الوساطة من كذب و وعود معدة بدقة للإيقاع بالباحثين عن العمل.
وقد تزايدت عدد مكاتب التشغيل التي تعمل على إجراء المقابلات واختيار مرشحين للعمل بمراكز الاتصال، ويتزايد معها عدد المستهدفين من الباحثين عن العمل بعد سقوطهم في شباك أداء مصاريف ذلك التكوين الساذج قصد تسهيل العمل في مراكز الاتصال الوهمية التابعة لها.
يستهدفون الشباب المبتدئين لسهولة إقناعهم بضرورة دفع مبلغ التكوين في مكتب التشغيل بعد أن يؤكدوا للمرشحين أنهم سيبدؤون العمل مباشرة في أحد المراكز التابعة لهمو أن التكوين ضروري ليسهل على المرشحين الاندماج في العمل. يكون الرد مباشرة بعد التوصل بطلب المرشح، عبر رسالة نصية تحتوي اسم المكتب وعنوانه وضرورة القدوم صباح الغد الموالي على الساعة 10.
مكاتب التشغيل تطلق شباك إعلاناتها لاقتناص المرشحين
يمثل (ن-س)مرشح أمام أحد مسؤولي مكتب التشغيل المسمى”الرحموني” لمقابلة العمل، التي سبق و أن الاطلاع عليها عبر إعلان منشور بموقع “Avito “في الخانة الخاصة بعروض العمل، و الذي يشير الى عدد المطلوبين للعمل و الذي يتجاوز 150من مستشاري الهاتف مبتدئين و مستوى فرنسي متوسط براتب محفز يصل إلى 6000 درهم. و ما إن يخوض المرشح المقابلة، مصحوبا بنسخة من سيرته الذاتية، وأسئلة سطحية، وما إن تتأكد “مسؤولة التشغيل” في المكتب، الضعف اللغوي و التجربي للمرشح حتى تتم إحاطة هذا الأخير بهالة من الوعود الزائفة تدفعه إلى تأدية ثمن التكوين طمعا في العمل. هذا تقريبا ما روته أيضا هاجر، ذات 22 ربيعا، والحاصلة علي دبلوم في الإعلاميات، مستواها جيد في اللغة الفرنسية. تضيف أن التكوين لا يتعدى مفاهيم أولية كانت على دراية بها من قبل.
حلمها كان كحلم بقية زملائها الذين تلقوا هذا التكوين، الذي لا يتعدي 6 ساعات، الحصول على عمل بهدف الخروج من البطالة و مساعدة الأهل. خاصة و حسبما تم الاتفاق عليه خلال المقابلة أنها ستخضع لتكوين يليه عمل مباشر بأحد مراكز الاتصال، كما تفاوضت مع “مسؤولة التشغيل” على إمكانية العمل بدوام جزئي في مركز اتصال باللغة العربية حتى تتمكن من متابعة دراستها العليا بأحد المدارس الخاصة. وقد أوحت لها المسؤولة بالموافقة وأوهمتها بأن المكتب يوفر عروض متنوعة من ضمنها العمل بدوام جزئي. إلى حدود تلك اللحظة لم تفطن هاجر للنصب الذي تعرضت له، إلى أن سلم مدير المكتب، لها والمرشحين،شواهد التكوين بطابع أزرق وعليه توقيع يحمل إسم” rahmouni recrute ” مصحوبة بطلب مقابلة لأحد مراكز الاتصال.
مسؤولات التشغيل أكثرهن نساء مبتدئات يكون أفضل
مع عبور المرشح من الباب الخارجي للمكتب ليلج إلى قاعة الانتظار، يجد قبالته غرفة معزولة مَملوءة بالكراسي تعمرها عدد من فتيات منغمسات في شاشة هواتفهن الذكية ولوائحهم الإلكترونية يعملن باستمرار على إرسال إعلانات عبر مواقع التشغيل لنفس الهدف. عددهن كثير و يعملن كمسئولات تشغيل. “ماجدة. ن” واحدة من المسؤولات التي تناولت طلب ترشيح هاجر. تعود بنا هذه الأخيرة للوقت الذي انتهت فيه من التكوين، حيث ناقش معها المدير إمكانية الانضمام إلى فريق عمله في المكتب واقترح عليها راتبا شهريا يتراوح بين 3500 و5000 درهم حسب مردود عملها و مدى تخطيها للهدف الذي هو استقطاب أزيد من 100 مرشح و مرشحة خضعوا للتكوين .
مسؤولات تشغيل تتنافس على جلب أكبر عدد من المرشحين
انظمت “هاجر” في أول يوم لها في العمل داخل مكتب التشغيل” rahmouni recrute ” إلى مجموعة مسؤولات التشغيل بداية من الساعة التاسعة إلا ربع صباحا، اجتمعت مع أحد المسؤولات الأكثر أقدمية في المكتب حيث بدأت هذه الأخيرة تشرح “لهاجر” أسس العمل أو بأسلوب أخر أساليب المكر المعتمدة لجلب أكبر عدد من المرشحين مقابل ربح مادي فوري يزيد عن 30 في المئة من ثمن التكوين المقترح و الباقي يوضع في صندوق مالي مخصص لمدير المكتب، حسب ما صرحت به الفتاة مسترسلة بقولها أن لكل 350 درهم تحصل على حصة130 درهم، هذا يعني، حسب مااكدته هاجر لبيان اليوم، أن الراتب هومجموعة من النسب التي ستتقاضاها من المرشحين الذين ستستطيع إقناعهم بقبول دفع مبلغ التكوين، وليس هناك مرتب شهري قار ولا ابرام عقد عمل ولا تأمين صحي كما وعد المدير خلال المقابلة.
يستعمل المسؤولات خلال نشر الإعلانات، بشكل دوري اعتمادا على بيانات وهمية قصد استدراج أكبر عدد من المرشحين، وحتى إذا كان هذا الأخيرراسل عدة إعلانات يكون يراسل عدة بياناتتعود لنفس الشخص.و هذا ما يطرح عليه أسم تسويق للموارد البشرية كل هذا بحسب ما صرحت به هاجر.
ولكن أمام حاجة أغلب الشباب للوظيفة، فإن أغلبهم يستسلم للأمر ويصبحون هم بدورهم يشتغلون في حلقة النصب والاحتيال.
القانون لا يحمي المغفلين
في حديث لهاجر عن تجربتها في مكتب التشغيل، لم تنس التطرق لما يتعرض له المرشحون، عندرفضسيرتهم الذاتيةمن قبل مراكز الاتصال بصيغة “سنعيد الاتصال بك عند الحاجة”، من رفض إعادة استقبالهم في المكتب و التي تنتهي في حالة المقاومة إلى تدخل بشكل عنيفلرجل الأمن، الذي يشتغل لصالح المكتب. و زيادة على الضبابية التي تشكلها طبيعة الإعلانات إلا أن الحاجة للوظيفة تدفع الشباب للرضوخ و اعتماد مكتب التشغيل وسيطا بينهم و بين مراكز الاتصال.
“لا يجب على أي حال إجبار المرشحين على أداء مبالغ مالية لاجتياز مقابلة أو الحصول على عمل. وتتجلى طبيعة نشاط مكاتب التشغيل في البحث على مرشحين، حسب مؤهلات المتطلبة في المنصب،و تمهيدهم لولوج سوق الشغل، هي مسألة تقوم على اتفاقية بين الوسطاء و المشغلين في إطار شراكة، و بدون أي نية لجعلها ممارسة تجارية أو خدمة مؤدا عنها.” هذا ملخصالما صرحت به مديرة بأحد مكاتب التشغيل بالدار البيضاء. و بحسب درايتها بهذه الظاهرة، التي في نظرها، مخالفة لقانون الشغل ،وترى أن إقبال المرشحين على هذا النوع من المراكز هو ما يجعلها مفتوحة إلى حد الساعة. فإن رفض كل من قصد تلك المكاتب، دفع المبلغ المطلوب ستنتهي بإغلاق أبوابها. ثم استرسلت في حديثها :” تضع هذه المكاتب فئة الشباب المبتدئين في فواهة المراوغات وتعرضهم للنصب”.
ما الذي تقوله مدونة الشغل
يتسلم كل مرشح مع أداءه مصاريف ملف الترشيح توصيل بالأداء يحتوي على ملاحظة مضمونها “يرجع المبلغ المدفوع إلى التكوين الذي يتلقاه المرشح. في نهاية التكوين يقدم المكتب شهادة تكوين التي تضمن للمرشح مقابلتين على الأكثر لتقديم طلب التشغيلقصد تسهيل اندماجه في العمل مع أحد مراكز الاتصال المتعاقدة مع مكتب التشغيل.”
إذا في مقال لنفس الموضوع نشرته جريدة “بيان اليوم” في عدد سابق، فإن مركز الاتصال، على لسان مسؤولة تشغيله، ليس بحاجة لهذه المكاتب لسد حاجياته من موارد بشرية خصوصا وأن المركز يتوفر على العديد من المشاريع التي تتطلب بعض المهارات الأولية وأهمها هي إتقان اللغة الفرنسة، وعلى أي حال يتكلف مركز الاتصال بتكوين وتدريب المرشحين الموافق عليهم حسب الخدمات والمنتوجات المراد تسويقها”. وحسب ما جاءت به مدونة الشغل في فصلها 476 تتم الوساطة في مجال التشغيل عن طريق مصالح تحدث لهذه الغاية من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل. تكون الخدمات التي تقدمها هذه المصالح لطالبي الشغل و للمشغلين مجانية. ويمنع، حسبالمادة 480 من نفس المدونة،يمنع على وكالات التشغيل الخصوصية أن تتقاضى من طالبي الشغل بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزئيا أو كليا، أية أتعاب أو مصاريف.
حال مكتب التشغيل rahmouni recrute هو فقط نموذج من العديد من المكاتب التي تعمل بالتشغيل مسبوق الأداء دون ضمان التوظيف للمرشح.
> سمر أزدودي (صحافية متدربة)