أيها الكبير ونحن الصغار، أيها الشهيد ونحن الجناة، ها قد يئست من انتظار وصولنا إليك، فسلمت روحك الصغيرة لبارئها، وقد تيقنت أنه لا شيء يحفزك على مزيد من الترقب غير دموع والديك، ونحن فوقك مرتبكون مضطربون، لا نملك أمام هولنا غير الجري بلا هدف، والكد بلا روية… فقد شعرنا بنبض قلبك الصغير وهو يتوقف عن الخفقان، حين تيقن أن كل شيء يدعوه لذلك، قد يكون سعينا مشكورا لكن في خطتنا ونهجنا وبطئنا نقاش كبير، سنفتحه كما يفتح الجرح الغائر المعفن، لكن بعد حين.
أيها الملاك الذي عاش بيننا خمس سنوات عجاف، فهجرنا صوب دار البقاء حيث لا ظلم ولا تفريط ولا نسيان، حيث لا حواجز ولا حفر ولا مطبات، ها أنت تموت في حفرتنا التي حفرناها لك، إن بترخيص من الدولة إن كانت الحفرة مرخصة أو بإغماض العين إن كان البئر عشوائيا…متّ أو قتلناك لم يعد ثمة فرق.
هو وطنك الذي عجز مسيروه وسياسيوه على أن يضمنوا لك ركضا آمنا، ولعبا مطمئنا، وجريا هادئا، هو وطنك الذي خذلك مدبروه وغدروا بك فرموك في غيابة الجب ثم جاؤوا بدم كذب، هو وطنك الذي أحبك شعبه فضمك إلى أبنائه، وكذلك كان، فمنذ أن وصلني النبأ وأنا أود لو أستلك منها بمخالبي، وأنا أموت معك في اليوم الواحد عدة مرات، وأختنق لاختناقك وأنزف لنزيفك حتى حرّمت على نفسي النظر لصورتك ولبسمتك ولأسنانك البيضاء مثل حبات البَرَد، لوجهك الملائكي الطلق المتهلل البشوش البهي المشرق، تحفه براءة لو قسّموها على كل الكون لوسعتهم ويبقى منها فضلا، وأتوجع أكثر كيف خانك سياسيو وطنك، الذين أهملوا دُوارك إغران الذي أنت عريسه وبطله وسيده، هناك في قلب الجبال حيث النسخ الحقيقية من النساء والرجال، وحيث النسخ الأصلية من التفريط والإهمال، السياسيون الذين تواروا عن حفل انتشالك وإسعافك، وصمتوا صمت المذنبين يوم الحساب، حتى إذا شددت رحالك صوب الموت نعوك في تدوينات ماسخة عبر عالمهم الافتراضي القذر البئيس الذي تهافتت غربانه من كهوفها لتقتات من محنتك، لكنهم جميعا لن يجنوا غير الخزي والمذمة، وستظل ابتسامتك العذبة النقية تحاصرهم في اليقظة كما في المنام، لأنهم تراخوا وتوانوا وفشلوا في حفر حفرة يخطفوك عبرها من الموت.
نم يا ولدي في جنتك لأن الصغار لا يموتون وإنما ينامون نوم الصديقين.
نم يا حبيبي فأنت في آخرتك و نحن في دنيانا ولا ندري أينا في الضفة الأبهى.
نم يا صغيري فعزاء الإنسانية جمعاء فيك واحد، إلا المخادعون الغشاشون الدجالون المكرة المحتالون الفاشلون المدلسون الخونة الغدارون، فلا عزاء لهم فيك… سيحملون عار روحك الطاهرة.
< بقلم: محمد الشمسي