أعلنت طالبان الثلاثاء نواة حكومتها الجديدة وعلى رأسها قيادي مخضرم مدرج على قائمة سوداء للأمم المتحدة، وذلك بعد أن استولت الحركة الإسلامية المتشددة على السلطة في هجوم خاطف أطاح بالرئيس المدعوم من الولايات المتحدة.
وجاء الإعلان عن الحكومة وسط تصاعد الاحتجاجات الرافضة لحكم طالبان، ومقتل شخصين في مدينة هرات (غرب) الثلاثاء، حسبما أكد طبيب لوكالة فرانس برس.
وقد تعهدت الحركة الإسلامية المتشددة المعروفة بحكمها القاسي والقمعي في فترة حكمها الأولى بين الأعوام 1996 و2001، تبني نمط حكم أكثر “شمولا” فيما كانت القوات الأميركية تستكمل انسحابا فوضويا من أفغانستان.
لكن جميع الحقائب الرئيسية التي أعلنت الثلاثاء، أسندت إلى قياديين مخضرمين أساسيين في الحركة.
وقال المتحدث الرئيسي باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في مؤتمر صحافي إن الحكومة الجديدة ستكون مؤقتة، وسيترأسها الملا محمد حسن أخوند.
وأخوند كان مساعدا لوزير الخارجية خلال فترة الحكم السابقة لطالبان، واسمه مدرج على لائحة سوداء للأمم المتحدة.
وأضاف مجاهد أن المؤسس المشارك لطالبان عبد الغني برادر سيكون نائبا لرئيس الحكومة. وكان برادر رئيس المكتب السياسي للحركة وترأس المفاوضات في الدوحة مع الأميركيين وأشرف على التوقيع على اتفاقية انسحاب القوات الأميركية في 2020.
وضمن التعيينات التي أعلنت مساء الثلاثاء، سيتولى الملا يعقوب نجل الملا عمر مؤسس الحركة وزارة الدفاع، فيما يتولى سراج الدين حقاني زعيم شبكة حقاني وزارة الداخلية.
وبعيد الإعلان عن التعيينات، أدلى زعيم طالبان هيبة الله أخوند زادة بأول تعليق له منذ سيطرة الحركة على أفغانستان مؤكدا أن الحكومة الجديدة “ستبذل كل ما بوسعها للتمسك بالشريعة الإسلامية في البلاد”.
وكتب مدير تحرير مجلة لونغ وور ومقرها الولايات المتحدة، بيل روغيو في تغريدة “طالبان الجديدة، مثل طالبان القديمة”.
وبعيد الإعلان عن هذه التشكيلة الحكومية أعربت الولايات المتحدة عن “قلقها”، مؤكدة في الوقت نفسه أنها ستحكم على حكومة طالبان “بناء على أفعالها” ولا سيما ما إذا كانت ستسمح للأفغان بمغادرة بلدهم بحرية.
وفي تصريح أدلى به في الدوحة حيث يجري وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محادثات تتمحور حول الوضع في أفغانستان، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية “نلاحظ أن قائمة الأسماء التي أعلنت تتكون حصرا من أفراد ينتمون إلى طالبان أو شركاء مقربين منهم ولا تضم أي امرأة. نحن نشعر بالقلق أيضا إزاء انتماءات بعض الأفراد وسوابقهم”.
وأضاف المتحدث “ندرك أن طالبان قدمت هذه التشكيلة على أنها حكومة انتقالية. ومع ذلك، فإننا سنحكم على طالبان من خلال أفعالها وليس من خلال أقوالها”.
وجددت الخارجية الأميركية مطالبتها حركة طالبان بتوفير ممر آمن للرعايا الأميركيين وكذلك للمواطنين الأفغان الراغبين بمغادرة البلاد.
وكان بلينكن قال في وقت سابق الثلاثاء في قطر إن الحركة الإسلامية المتشددة تتعاون في هذا المجال ما دام الراغبون بالمغادرة يحملون وثائق سفر، وذلك ردا على اتهامات وجهها برلمانيون جمهوريون إلى الإدارة الديموقراطية إثر تقارير تفيد بأن مئات العالقين في أفغانستان، ومن بينهم أميركيون، منعوا من السفر من مطار في شمال البلاد.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية “سبق لنا وأن قلنا بوضوح إن الشعب الأفغاني يستحق حكومة جامعة”.
وفي نيويورك قالت براميلا باتن، رئيسة “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، الوكالة التي أنشأتها الأمم المتحدة لتعزيز التكافؤ بين الجنسين وتمكين المرأة في جميع أنحاء العالم، إن عدم تعيين أي وزيرة في حكومة طالبان “يلقي بظلال من الشك على الالتزام الأخير بحماية واحترام حقوق النساء والفتيات في أفغانستان”.
بعد عمليات تمرد استمرت 20 عاما، تتولى طالبان الآن مقاليد الحكم في أفغانستان التي ترزح تحت صعوبات اقتصادية وتحديات أمنية من بينها ذلك الذي يطرحه الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي مؤشر على ما يبدو إلى سعي طالبان لإرضاء المتشككين، قال مجاهد إن الحكومة، التي لم تكتمل بعد، ستضطلع بدور مؤقت.
وأكد أن الحركة التي وعدت بحكومة “جامعة” ستحاول “ضم أشخاص آخرين من مناطق أخرى في البلاد” إلى الحكومة.
غير أن محللا قال لوكالة فرانس برس إن التعيينات الجديدة بعيدة كل البعد عن النهج الأكثر اعتدلا الذي وعدت به الحركة.
وقال الخبير في شؤون جنوب آسيا لدى معهد وودرو ويلسون الدولي للعلماء “إنها ليست جامعة على الإطلاق، وهذا لا يدعو للمفاجأة أبدا”.
وأضاف “لم تلمح طالبان على الإطلاق إلى أن أيا من وزراء حكومتها سيكون بينهم شخص” لا ينتمي إلى الحركة.
في تلك الأثناء قالت واشنطن إنها “ليست في عجلة” للاعتراف بالحكومة الجديدة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي “الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها طالبان”.
أضافت “العالم سيراقب ومن ضمنه الولايات المتحدة”.
تشي تظاهرات متفرقة في الأيام الماضية بتشكيك بعض الأفغان بقدرة طالبان على ترجمة الوعود بحكم أكثر اعتدالا إلى حقيقة.
ففي هرات نزل عشرات المتظاهرين إلى الشارع رافعين لافتات وملوحين بالعلم الأفغاني السابق.
وفتح عناصر طالبان النار لتفريق حشود كانت قد تجمعت للتنديد بباكستان، التي تعتبر على نطاق واسع بأنها داعم الحكام الجدد في أفغانستان.
ونقلت جثتان إلى المستشفى المركزي في المدينة من موقع التظاهرة، حسبما صرح طبيب لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته خشية عمليات انتقام.
وقال “كلاهما مصابان بجروح ناجمة عن طلقات”.
وأظهرت تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مسيرة أخرى شارك فيها أكثر من مئة شخص جابوا الشوارع تحت أنظار عناصر مسلحة من طالبان.
كما خرجت تظاهرات متفرقة في مدن أصغر خلال الأيام الماضية طالبت النساء فيها بدور في الحكومة الجديدة.
وقال مسؤول في طالبان يتولى الإشراف على أمن العاصمة ويدعى الجنرال مبين لفرانس برس إن حراسا في طالبان استدعوه إلى المكان قائلا إن “النساء يحدثن اضطرابات”.
وقال “تجمع هؤلاء المتظاهرون بناء فقط على تآمر مخابرات خارجية”.
وأفاد صحافي أفغاني كان يغطي التظاهرة فرانس برس بأن طالبان صادرت بطاقة هويته الإعلامية والكاميرا التي كانت بحوزته.
وقال “تعرضت للركل وطلب مني المغادرة”.
وفي وقت لاحق، قالت جمعية الصحافيين الأفغان المستقلين التي تتخذ في كابول مقرا إن 14 صحافيا، من أفغان وأجانب، أوقفوا لفترة وجيزة خلال الاحتجاجات قبل إطلاق سراحهم.
وأضافت في بيان أن “الجمعية تدين بشدة التعامل العنيف مع الصحافيين في التظاهرات الأخيرة وتدعو سلطات الإمارة الإسلامية إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع العنف وحماية الصحافيين”.
وأظهرت صور تم تداولها على الإنترنت مراسلين مصابين بجروح وكدمات في أيديهم وركبهم.
في المؤتمر الصحافي مساء الثلاثاء حذر مجاهد الناس من النزول إلى الشارع.
وقال “إلى أن تفتح جميع المكاتب الحكومية، ويتم شرح قوانين الاحتجاجات لا ينبغي على أحد التظاهر”.
< أ.ف.ب