العبارة المتضمنة في رسالة ممثل المغرب الدائم بهيئة الأمم المتحدة عمر هلال إلى الرئاسة الأذربيجانية المحتضنة بلادها لاجتماع حركة دول عدم الانحياز، وهي الإشارة إلى حق «الشعب القبايلي بالجزائر في تقرير مصيره»، والتي جاءت ردا على كلمة وزير الخارجية الجزائري الجديد رمطان لعمامرة الذي كرر مرة أخرى عدوانيته الهيستيرية على الوحدة الترابية لبلادنا، هزت دهاقنة النظام العسكري الجزائري والماكينة الدعائية والديبلوماسية هناك.
في المغرب أيضا خلفت العبارة المومأ إليها ردود فعل وتعاليق، والمؤكد أن تلميح السفير المغربي لم يكن ضمن الموقف المبدئي أو في سياق هجوم تآمري يستهدف تقسيم الجزائر، وذلك عكس ما دأب عليه النظام الجزائري ضد السيادة المغربية وقضايانا الوطنية منذ عقود، ولكن الأمر يتعلق بنزال ديبلوماسي يقصد فضح تناقضات الديبلوماسية الجزائرية.
عسكر الجزائر الذي يعمل منذ سنين طويلة من أجل تمزيق وحدة المغرب وفصل صحرائه عنه، ترتعد فرائصه اليوم لمجرد تلميح المغرب إلى أن تقرير المصير المفترى عليه من لدنهم تستحقه أيضا منطقة القبايل في الجزائر.
المغرب، من جهته، بقي دائما يصر على الوحدة ويعمل من أجلها ويرفض التقسيم، وهو عبر عن هذا تجاه إسبانيا وتجاه بلدان وشعوب بعيدة في قارات جغرافية مختلفة، ولا يمكنه أن يتصرف عكس هذا الثابت المبدئي تجاه شعب جار وشقيق، ولكن التصريح الديبلوماسي للسفير عمر هلال يندرج ضمن الرد على العدوانية الباتولوجية الجزائرية، وعلى إثره بدا النظام العسكري هناك عاريا من أي منطق، ومرتبكا وخائفا و… متناقضا.
وهذا كان هو الهدف ضمن محفل دولي مثل حركة عدم الانحياز.
يحاول النظام العسكري الجزائري اليوم الركوب على العبارة التي وردت في رسالة سفير المغرب لدى الأمم ألمتحدة، والمبالغة في تكبير حجمها الدلالي وخلفياتها، وافتعال نوايا كامنة خلفها ولو كانت متوهمة، وذلك للتغطية على ما فضحته من تناقضات، ولا يريد للعالم أن يتوقف بالذات عند هذا التناقض.
ما معنى أن تبقى سنوات طويلة تتشدق بمبدأ تقرير المصير، وهو للعلم يكتسب أشكالا تطبيقية متعددة عبر العالم، ولما يكون الأمر يعني الداخل الجزائري تهتز فرائصك وتصاب بالسعار؟
النظام الجزائري الذي يرغد ويزبد اليوم ضد جملة واحدة وردت في رسالة السفير المغربي، هو نفسه الذي ضيع ملايير الدولارات لتقسيم المغرب واستهداف وحدته الترابية، وتكرار العدوان عليه بمختلف الأشكال.
لماذا إذن هذه الهيستيريا من طرف عسكر الجزائر والماكينة الديبلوماسية والإعلامية هناك، ولماذا يثير لديهم مبدأ تقرير المصير كل هذا الرعب؟
كلام عمر هلال، على اختصاره وقلة مفرداته، أبرز، ضمنيا، الشجاعة المغربية لما عرضت المملكة مقترح الحكم الذاتي لفائدة الأقاليم الجنوبية، ومثل ذلك تحديا للنظام العسكري الجزائري كي يكتسب بدوره شجاعة السير على هذه الطريق، والتفكير في كون تقرير المصير يمكن أيضا أن يجسد حق القبايليين، وأن يدرك الحكام القابضون بالسلطة هناك أن تغيير شكل الحكم وإعمال الانفتاح الديمقراطي والمشاركة في القرار يمكن أن تكون كلها مفاتيح مناسبة لتدبير أوضاع الشعب الجزائري وتقرير مصيره السياسي والديمقراطي، خصوصا في هذه الفترة المتسمة هناك بالتوتر و… الحراك.
إجمالا، الكلام لا يندرج ضمن منطق المبادئ أو حسابات التآمر، ولكن ضمن تحدي النزال الديبلوماسي وجر الخصم ليبدو عاريا ومتناقضا ومرتبكا.
في المغرب، ليس فقط في الديبلوماسية والسياسة الخارجية الرسمية، ولكن حتى في الكتابة والتعبير عن المواقف، لم نتربَّ على التدخل في الشأن الداخلي لدول أخرى، ولكن بقينا نحترم قرارها المستقل حول قضاياها الداخلية الوطنية، وكنا دائما نستطيع التمييز بين التضامن مع الشعوب واحترام حريتها واستقلالية قرارها، وبقي المغرب دائما دولة عريقة وحقيقية ويقوم على مؤسسات، وعلى التقيد بقواعد التعامل كما هو ملتزم بها عالميا، ولكل هذا لن يكون سوى البلد الذي يعمل من أجل الوحدة، ولفائدة تقارب الشعوب…
<محتات الرقاص