على هامش اليوم العالمي للشعر

اعداد: عبدالعالي بركات

يحتفل العالم في الحادي والعشرين من شهر مارس باليوم العالمي للشعر، مع العلم أن هذا الاحتفال كان من اقتراح بيت الشعر بالمغرب، على هامش هذا الاحتفال، يتحدث نخبة من الشعراء المغاربة لبيان اليوم، عن انطباعهم الخاص حوله ووضعية الشعر المغربي المعاصر وموقفهم من ظاهرة نزوح نسبة كبيرة من الشعراء نحو التأليف الروائي، إلى غير ذلك من الأسئلة.

الشاعر أحمد مجدوب رشيد

 الثقافة العالمة مخيفة

 اليوم العالمي للشعر لا أتأمل فيه نفسي، بل أتأمل واقع القراءة والتلقي ببلادنا. واقع الشعر في صلته بالناس وبالآخرين، أولئك الذين لم يبذل المجهود الكافي اتجاههم لنجدهم في الأمسيات والملتقيات والمهرجانات. هل هي فوبيا الثقافة؟ أحدس ربما يخاف إنساننا المغربي من نشاط ثقافي عالم! فلو وجد الحلقة لا ندمج فيها أو وجد نشاطا شعبيا. مازالت الثقافة العالمة مخيفة. ربما لأنها تلتبس بأشباح أخرى ما تزال تسكن مخيال الإنسان المغربي البسيط.
لهذا فهذا يشكل لحظات تأمل في هذه الإشكاليات، في منعطف صار لازما أن نتخذ موقفا عنده، أن نصوغ تصورا ونجتهد لنغير واقع القراءة والتواصل بالمنتوج الثقافي عامة وبالمنتوج الشعري خاصة.

 أحدث إصداراتي

-سأفاجئ قارئ هذا الحوار والمتتبع لإصداراتي كوني قررت عدم إصدار كتاب جديد، المرحلة القادمة سأخصصها لمزيد من القراءة.أنا لا أستسهل الكتابة، هي ذات جلال، طبعا قد اصدر طبعات أخرى لكتب سابقة مزيدة منقحة. سأكتفي بكتابة تقديمات طلبت مني وتهييء كتب لعدد من الأصدقاء للطبع وهو شغف أجد فيه لذة ومتعة، آخر إصدار نقدي لي هو كتاب عن الزجل بعنوان أقواس الرؤيا مقاربات في القصيدة الزجلية الحديثة بالمغرب. واقتصرت فيه على دراستين: الأولى للرائد الزجال أحمد المسيح والثانية للشاعر الزجال مراد القادري، وقد جعلت هذا الكتاب خصيصا للمهرجان العربي للزجل ، الدورة السادسة. وللحظة تكريم مبدع عزيز هو السي مراد القادري: طير من طيور الله. أما آخر إصدار لي في الشعر فهو ديوان ” أسابق الأخيلة” الذي تشرفت كونه أول عمل شعري تصدره مؤسسة ذات صيت أكاديمي وقيمة سامقة، هي مؤسسة مقاربات التي يديرها من رحاب الجامعة المبدع الألمعي الدكتور جمال بوطيب.

 الشعر المغربي المعاصر يحتاج إلى دراسات

تسألني عن التلقي للشعر المغربي المعاصر، ربما يكون الجواب متصلا اتصالا وثيقا بتداول الكتاب الشعري بالمغرب وعن وصوله إلينا ووصولنا إليه. لكن ما كتبته يعكس بصوره ما شكل ذلك التلقي سواء في كتبي أو في مقالات نشرت داخل المغرب أو خارجه.
 وحين أجد الشعر، أحول عشقي له ولذتي به إلى الكتابة، ولي بمكتبتي عدد من الدواوين التي توصلت بها من أصحابها هدية أو اقتنيتها وقرأتها وكتبت عنها في وجداني ومازال التنفيذ الطباعي فقط.
والشعر المغربي الحديث والمعاصر يحتاج إلى دراسات تقوم بها فرق بحث أكاديمية متخصصة ليتم رصد وتحليل اتجاهاته الجمالية والمعنوية وتحولاته، خاصة مع الحساسيات الممتدة أو الجديدة، إلا أن أبرز خصيصة فيه هي التعايش بين الأنماط كلها.

الشعر يكسب أراض جديدة

 لا أحب أن تلون كلمة نزوح الشعراء نحو التأليف الروائي بدلالات الجحود والهجر والنكران. فالرواية كما تكتب في كثير من النماذج هي لوحات شعرية. الشعر يكسب أراض جديدة ولأنه  يشرب ممزوجا فربما، صار مفضلا وهو مضفور بالسرد وهو معانق لتشكلات النسق بل للأنساق الروائية. الشعر موجود. ربما نشهد تغيرات في التداول. لكن أكرر: هل بذلنا جهدا لتنشئة متذوقي الشعر؟

التفاعل الفوري مع النص

 يذكرني سؤال الشعر ووسائط الاتصال الحديثة بالنص المترابط الذي حدد مفاهيمه الدكتور سعيد يقطين. أسمع كل يوم عن صحف تتوقف ورقيا وتنهمر في الفضاء الرقمي. الفضاء الذي لا يمكن إلا أن ننظر إليه كل نهار. الفضاء الذي صار جزءا من حديثنا وتفاعلنا اليومي.
والكتابة الشعرية تأثرت وما تزال في تلك التفاعلات التي من سماتها الأولى: القصر، الجنوح إلى الوضوح، التفاعل الفوري مع النص، المجانية.

الشاعر محمد بلموSans titre-15

رمزية كبرى

لليوم العالمي للشعر رمزية كبرى عندي، فهو إنجاز مغربي عايشته من موقع المتابعة الإعلامية، على اعتبار أن بيت الشعر بالمغرب هو الذي بادر إلى المطالبة به قبل أن تتبناه منظمة اليونيسكو بشكل رسمي. لكن الاحتفال به كل سنة عندنا غالبا ما يثير الحزن والأسف عوض أن يثير الفرح والمتعة، نظرا لانتشار ممارسات تحت يافطة الاحتفاء به، تضر الشعر أكثر مما تفيده، وقد ذكرت ذلك في مقال بالمناسبة نشر السنة الماضية تحت عنوان ” خواطر على هامش اليوم العالمي لسلخ الشعر: هنيئا أيها الشعر… لا عيد لك”. مع ذلك يمكن القول بالنسبة لهده السنة أن هناك كوة الضوء الوحيدة غير تلك الانشطة التي تنهال على الشعر والشعراء سلخا باسم اليوم العالمي، أتحدث هنا بالضبط على إحداث دار للشعر بمدينة تطوان بشراكة بين وزارة الثقافة وحكومة الشارقة. على أمل ان تكون هذه الدار حقا دارا رحبة لكل الشعراء المغاربة والأجانب ما دام بيت الشعر هو الذي سيسهر على تسييرها.
 الشعر لا يأتي بسهولة

بالنسبة للشعر فالأمر يتطلب الوقت، لأنني أنشر ديوانا كل خمس أو ست سنوات، لأن الشعر لا يأتي بسهولة، وسأكذب على نفسي إن توهمت أنني سأكتب شعرا حالما أجلس إلى المكتب وأقرر ذلك، فالشعر كما قلت في مناسبات سابقة زئبقي ومتمرد ومشاغب ومرهق، وأنا ليس من عادتي أن أتصنع الكتابة الشعرية، بقدر ما أترك الوقت للحالة الشعرية كي تختمر وتتدفق من تلقائها. صحيح أن هناك من يكتب كل يوم شعرا وأنا أغبطه على كل حال. لكن لي إصدار مسرحي كان من المفروض أن يصدر قبل ثلاث سنوات لولا استخفاف أحد الناشرين، الإصدار عبارة عن مسرحية مشتركة مع السيناريست والكاتب المسرحي عبد الإله بنهدار تحت عنوان “حمار رغم انفه” سنعمل على نشرها هذه السنة بدون شك.

تشرذم الشعراء

 أتلقى الشعر المغربي المعاصر بمتعة وحزن معا، فالشعر المغربي يراكم الكثير من التجارب القديمة منها والحديثة، بتعدد أجياله وحساسياته ولغاته، إنه بحر يتحول  مع الوقت إلى محيط، وبالتالي يصبح صعب الركوب والمغامرة، وهذا ما يحقق لي المتعة كقارئ، أما الحزن في الأمر فهو هذا الوضع المؤسف الذي يعيشه الشعر المغربي على مستوى تدني القراءة وانحسار المبيعات وتنكر الناشرين وتشردم الشعراء وفتور المتابعة الإعلامية له.

 إغراءات لا تتوفر للشعر

ليس لي موقف مضاد من تحول الشعراء نحو التأليف الروائي، لأن ذلك النزوح مجرد ممارسة حق من الحقوق في اختيار وسيلة تعبير ما، تبدو لأصحابها أكثر نجاعة ومردودية. صحيح أنني كنت أتخوف بداية من الأمر كما لو أنه سيكرس ويذكي أكثر عزلة الشعر، لكن مع ظهور أصوات شعرية جديدة وانحسار النازحين في أسماء محدودة، لم يعد الأمر يثيرني كثيرا. أرجو فقط من الشعراء الذين نزحوا نحو الرواية، أن لا يحرموننا من شعرهم. قد  يبدو هذا الرجاء بعيد المنال على اعتبار أن كتابة الرواية تتمتع حاليا بإغراءات لا تتوفر للشعر كالجوائز والمبيعات وغيرها.. وفي كل الأحوال فإن الشعر منذور للعزلة والغربة والكفاف، ولا تعنيه في شيء تلك الحظوة والوجاهة والإغراءات التي تتوفر للرواية ولغيره من الفنون.

التحرر من سطوة الناشر

من ناحية كانت لوسائط الاتصال الحديثة أدوار إيجابية على الكتابة الشعرية، من حيث تحررها من سطوة الناشر وديكتاتورية مسؤولي الملاحق والمجلات الثقافية، بحيث وفرت فضاء رحبا وواسعا وسريعا لنشر الكتابة الشعرية على أوسع نطاق، لكن ذلك في حد ذاته يحمل سلبية من سلبيات تلك الوسائط، من حيث أصبح بإمكان أي شخص أن ينشر ما يريد ويسميه شعرا مما يخلق التباسا كبيرا عند متلقيه.

الشاعر عبد العزيز أمزيانSans titre-12سفر إلى الحياة الأنقى

اليوم العالمي للشعر فرصة، نفتح فيها نوافذ السفر إلى الحياة الأنقى، والتحليق بعيدا عن كدر الأرض، ومنغصات العيش، حيث الحلم يفرد جناحيه، فيطير إلى سماء إنسانيتنا الأولى بصفاء ناصع ككومة ثلج وحيدة مقلوبة على صدغها، إذ نسحب إلينا فطرة خضرة الحياة، وألق الصباح، واشتعال المساء، وضوء القمر، وخرير الروح، ورقصة الموج، وبهجة البحر العاري من صخب الموت، وزحمة الريح ..نعانق النسمات التي كانت لنا في الطريق الأول، ونشتم عطر الطفولة كي يرجع لنا نبع النهر الصافي، ويكون لنا النشيد الأسمى.
 
أحدث إصداراتي

 لي إصداران: ديوان شعري بعنوان « مواقد الروح» عن دار كلمات للنشر والطباعة والتوزيع.  
من النص الشعري الذي يحمل اسم الكتاب «مواقد الروح» هذا المقطع:
للبحر في ذاكرته هواجس تسأم من أشرعته المنكسرة  امتداد وسماء ونورس متعب هائم كل المنارات في روحه ضباب موغل في الوهم.
وكتاب «رسائل حب» الذي حاز إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبية (جائزة الإبداع 2013) .صدر عن مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان 2014
وأنا بصدد إصدار عملين شعريين: الأول بعنوان  شجي الزيزفون» والثاني بعنوان « شبيهي في التيه».

طفرة نوعية

في الواقع أجد في الشعر المغربي المعاصر، طفرة نوعية، سارت به إلى الدفء الذي يتوغل عميقا في روحنا، لما فيه من لغة شفيفة، تمتح من حياض الحياة في أبعادها الكلية، ولما فيه من رمز متعدد المشارب، ومتنوع المرجعيات، ولما فيه من خيال متقد، يمنحك السفر إلى عوالم مليئة بالزخم والقوة والثراء، ولما في صوره من دهشة تبعث على التأمل، ولما في أسلوبه أيضا من تجديد وطاقة وإيحاء، وما إلى ذلك من عناصر فنية، ومقومات جمالية ترشح بالمتعة واللذة والانشراح.

الحق في مساحات أخرى للتعبير

 لا أرى ثمة أي ضرر أو مكروه في نزوح العديد من الشعراء نحو التأليف الروائي. أن يبدع الشاعر في جنس الرواية، ما دام أنه يجد في نفسه القدرة على الابتكار والخلق، ويجد في داخله نزوعا إلى إخراج التجربة التي عاشها بجوارحه وروحه إلى حيز الوجود. ومن حقه أن يبحث عن مساحات أخرى للتعبير عن رؤاه وينقل نظرته إلى الحياة عبر أشكال أخرى تنطوي تحت دائرة الإبداع الأدبي.

ابتعاد عن الشعر

لقد أبعدت وسائط الاتصال الحديثة الإنسان عن الشعر، وجعلت هذه الوسائط منه آلة فارغة من أي محتوى، ورقما تائها في دروب التكنولوجيا الكثيرة، بدون غاية محددة، وبلا بطاقة هوية تمنحه الشعور بالأمان والاطمئنان. يسير على غير هدى، ضائعا لا يلوي على شيء.

الشاعر عبد الغني فوزي

 سيد الكلام

  الاحتفاء بأي شيء، ضرورة رمزية، لإعطاء ذاك “الشيء” معنى في الحياة والوجود. والأجمل أن نحتفي بالشعر، وأن نخصص له يوما كأي شأن ينبغي إحاطته بالاهتمام لمنح سيد الكلام امتداده الخلاق في الإنسان والحياة. وغير خاف أن الشعر هو جماع قيم نسبية وأخرى جوهرية ، الأولى متعلقة بتحققات شعرية مع شعراء ومدارس ورؤى ، والثانية مرتبطة بتلك القيم الجوهرية السارية في التلافيف والأشياء أو الأصول والأصوات التي تنفتح عليها القصيدة كأداة بحث دائم عن المفتقد والجوهري والطبيعي في مسيرة الإنسان الذي يبتعد عن ذاته؛ وهو يخطو بكامل عدته العلمية نحو حتفه بمعنى ما.
لكن بتأملنا في اليوم العالمي للشعر، يبدو  في العالم العربي أن المجتمع المدني الثقافي هو الذي ينهض بأعباء هذا الاحتفاء الرمزي؛ لكن على الأرض في إطار البحث عن بنية تحتية ملائمة وجمهور منصت. وتغلب الملاحظة أن الاحتفاء يكون عبارة عن قراءات شعرية، ضمن أمسيات غنائية، كأن الأمر يدعو في عمقه إلى التراخي والكسل اللذيذ. وهو ما يقلل من شأن الشعر كرسالة وخطاب له خصوصيته. في المقابل، الأمر يتطلب التدبر في الشعر: في أسئلته المتعددة في الإيصال، في الإعلام، في المؤسسة بتلاوينها المختلفة، في الشعر والشعراء. فحين نكون في طريق هذا المسعى، ينبغي التربية على الشعر، وليس على تلقين يسعى لتبرير أدواته وأصوله النظرية.
   هناك إذن اكراهات وحيف مركب اتجاه الشعر؛ تجعل هذا الأخير في الثلاجة، نوظفه بمقدار ووفق الهوى السياسي والتاريخي في التبرير والتعضيد للحقائق والمآزق الآنية والظرفية. مما جعل مسيرته البلورية، معرضة للأعطاب وأحيانا لسوء الفهم الممتد بين الشاعر وقصيدته .
عالقا ببال الحافة
  ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب، صدر لي مؤخرا ديوان شعري بعنوان ” عالقا ببال الحافة “، أتمنى من القراء وأصدقائي مصاحبتي ضمن هذه الحافة المشرفة على العالم وعمائه.

بعيدا عن أوهام الأجيال والأسماء المكرسة

يبدو لي أن الشعر المغربي المعاصر تعددت صيغه الجمالية والرؤيوية، ومن الحيف أن نستمر في نهج الطروحات النقدية السابقة التي تقوم بتشطيره إلى أجيال، ووضع كل مجموعة في خانة. على الرغم من أن هناك مشتركات في استعمال اللغة والمتخيل، نظرا لتأثير السياقات المرحلية. لكن في المقابل، ينبغي تناول الشعراء كرؤى خلاقة. فكل شاعر له مواجهة معينة مع الذات والعالم . لهذا، أقر أن الشعر المغربي المعاصر بخير الآن، وهو في حاجة دائمة إلى الكشف والمحاورة دون أوهام الأجيال والأسماء المكرسة، لأن القصيدة اغتنت  بتعدد المقروء والتجارب، والسعي الدائم إلى الخصوصية، في نحت صوت شعري ضمن بياض السلالات الشعرية. لكن هذا لاينفي وجود الصخب الشعري الذي لاهم له ولا سؤال، ماعدا احتلال الميدان والساحة دون أفق أو إضافات جمالية خلاقة.

أرانب في مساحات سباق

 نزوح الشعراء نحو التأليف الروائي هي قصة أخرى، تضخم إعلاميا، دون تحليل هادئ. المسألة تقتضي في تقديري تناولا موضوعيا، انطلاقا من السؤال الإشكالي: لماذا يهجر بعض الشعراء إقاماتهم الشعرية إلى الرواية؟ أفهم الشعر كمؤسسة رمزية لها ضوابطها ورؤيتها للذات والعالم. وبالتالي فالانتقال من نوع أدبي لآخر، ليس بالأمر السهل، بل هو انتقال بالمعنى الوجودي من دم لآخر. لهذا يمكن أن تكون مرابضا في نوع ما، وتطرح إضافات جمالية ورؤيوية، ومع ذلك أقدر هذا النزوح “الجماعي”، بهدف معاركة العصر وأسئلته من زواية الرواية دون إغراءات الجوائز وزيتها الذي يحول الكتاب إلى أرانب في مساحات سباق، الأدب  في غنى عنه.

كي لا تطفو الرداءة ويسقط الأدب  

  يغلب ظني أن الأمر، لا يتعلق فقط بالكتابة الشعرية فقط، بل بالأدب بشكل عام، في هذا السياق، وضمن المجال الأدبي، ظهرت مواقع ثقافية ضمن الشبكة الإلكترونية،  تمتص الإبداعات على اختلاف أشكالها من شعر وقصة ورواية.. وهو ما ساهم حقا في توفير مساحة حرة دون رقيب ولو أدبيا أحيانا. فأصبح الأدب منسابا كبحيرة في جزيرة ما، ضمن واقع يحاصر المساحات الثقافية ويطاردها نظرا للأعطاب الكثيرة المعروفة.
     فالشبكة هذه، لا تكتفي بالعرض فقط، بل خلق نوعا من الحوار المباشر حول الإبداعات. وهو ما أدى إلى تفاعل مباشر، دفع الكثير من النوافذ الإيصالية إلى تطوير تأثيثها الداخلي؛ قصد سهولة الاستخدام وإثارة المشاهد جماليا. وبالتالي، فالصفحة على الإنترنيت تتصف ليس فقط بعرض وطول؛ بل برحابة وعمق الداخل. فبدأ هذا الواقع الإلكتروني ينتج آلياته التواصلية، وخصوصية تلقيه.
ضمن هذه المساحة الإلكترونية، انضافت للأدب المعروض تقنيات الحاسوب والإنترنيت من صوت وصورة ومشاهد وحركة..فأصبح الأدب يتميز عن الآخر الورقي بمواصفات تفاعلية لمخاطبة مشاعر المشاهد وإثارته، ليس فقط للتلقي، بل للمساهمة في بناء النص دلاليا واحتماليا.  إن هذا الفيض والذي لا يستقر على ملمح، يطرح السؤال حول النشر الورقي الذي ينبغي أن يتحرر من أحاديته، وبالتالي دمقرطته.. كما يطرح السؤال حول المؤسسة الثقافية، قصد تجديد آليات تواصلها لتتصف بالنجاعة والانفتاح، إذا حصل ذلك، ستغدو حلقة الإنترنيت امتدادا طبيعيا لأشكال التواصل الأخرى، قصد إخضاع الأدب الافتراضي للسؤال دون انعزاله ضمن صناديق فاقدة للحركة والنقاش الجاد حتى لا تطفو الرداءة ويسقط الأدب. ويمكن طرح السؤال أيضا حول الكثير من المواقع الثقافية الإلكترونية التي تتحرك دون أسئلة موجهة، بقدر ما تراكم المواد دون جدل حقيقي داخل الثقافة والتاريخ.. لأن الأدب لايمكن أن يكتسي معناه وتموقعه إلا داخل سير زمني ، وتبصيم إنساني دون انغلاق طبعا . ونعرف أن السرعة تقتل الأدب الأصيل ، لذا ينبغي استحضار هذه المحاذير حتى لا يتحول الإبداع إلى رفس لغوي لا ظاهر له ولا باطن ، لا وجه له ولاخلفية .
فهذه التقنيات الرقمية، جعلت الإيصال متعدد الوسائط والخصائص؛ فأصبحنا معها نتحدث عن واقع افتراضي وأدب رقمي..وهو ما يدفع إلى توالد أسئلة عدة مرافقة، نصوغ منها: هل يحضر الإنترنيت، وضمن المجال الأدبي والثقافي كشاشة فقط للعرض والاستعراض أحيانا ؟ أم  كأداة من أدوات الإيصال الموسومة بالسرعة والفعالية ؟ وكيف تعامل المبدع العربي اليوم مع هذه التقنية ؟ وماهي مساحة الأدب ـ بمعنى الأدب ـ ضمن هذه النافذة ؟
     إن الثورة المعلوماتية على انتشارها الواسع في العالم، نعرف أنها تنمو عربيا في بيئة غريبة لكن أحيانا بشكل مشوه، كأن هناك قطيعة بين ماهو ورقي ورقمي. وامتد ذلك إلى الأدباء أنفسهم، إذ ليس هناك إقبال كلي على هذه الأدوات التواصلية والتي ليست غاية في حد ذاتها. لكننا نرى البعض يشهرها كبدائل لآليات التواصل التقليدي والورقي.
    في تقديري، فالأدب في جوهره أدب، وحتى الأشياء التي تنضاف إليه إلكترونيا فهي من صميم تربته: من صورة وحركة ومشاهد. ولعل الهدف هو إيصال العمل الأدبي لتلق حواري وفعال. وبالتالي، تبادل التجارب والخبرات لخلق ذاك الجدل المفتقد داخل الثقافة العربية، في انفتاح تجاذبي مع الثقافات الإنسانية. ومن جهة أخرى، فالإنترنيت فتح باب التخزين على مصراعيه، للعرض والتوثيق والاستثمار. الآن يمكن تحميل موسوعات وكتب هناك وعلى افتراض. ومن شأن هذا، أن يحفز على ضبط معالم ذاكرتنا الجمعية المعطوبة على أكثر من صعيد. الشيء الذي يدل على، أن الإنترنيت في مجال الإبداع والثقافة  ينبغي توظيفه تبعا لرغبات وحاجيات جماعية، تجيب على أسئلة المرحلة المعقدة المسالك دون الذوبان في النمط والنموذج الساري أو تكريس لقطيعة غير مبررة بين الورقي والرقمي . من هذا المنطلق، قد يساهم الإنترنيت في تداول الأدب على مستوى أوسع وإخراجه من نطاق المحلية، وقد يؤدي ذلك إلى جدل  خلاق بين الورقي والرقمي لكي يغدو كلاهما امتدادا للآخر. ولا يمكن أن يسود ذلك إلى ضمن مناخ عقلاني وحداثي، ليس في الأذهان والتمثلات فقط، بل على الأرض.

Related posts

Top