قمة مكة

فضلا عن القرار المتخذ من لدن قمة التضامن الإسلامي التي اختتمت أمس الأربعاء في مكة المكرمة بدعوة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حول سوريا، فإن هذه القمة الاستثنائية التي التأمت في العشر الأواخر من رمضان، وبجوار البيت الحرام، والتي طغى على المشهد العام لوصول رؤساء وفودها لون البياض الذي كان يميز لباسهم، يجب أن تكون قمة الصفاء مع النفس، والإخلاص لقضايا الشعوب، ويفترض، بالتالي، جعلها منطلقا لانكباب البلدان الإسلامية على التحديات الحقيقية التي تواجه دولهم وشعوبهم، والسعي لتمتين وتقوية التعاون والتضامن بينهم.
إن دول المسلمين اليوم هي المنطقة الأكثر اشتعالا وسخونة ودموية في العالم، كما أن منطقة كمنطقة الشرق الأوسط هي التي تشهد اليوم أكبر عدد من النزاعات المسلحة، وأكبر الفتن، بما فيها الداخلية والأهلية، وهي السوق الأكبر لبيع الأسلحة وكل ترسانة القتل وسفك الدماء، وفي نفس الوقت، إن بلدان هذه المنطقة، ورغم ثراء بعضها بالنفط والغاز، هي التي تحتل آخر المراتب في مستويات التعليم، وفي القدرات الصناعية، وفي مؤشرات التنمية البشرية وجودة العيش لمواطنيها، وهي الأكثر تخلفا في العلم والثقافة، وفي الصناعة والزراعة، وفي البنيات والتجهيزات الأساسية، وفي الديمقراطية وسيادة القانون، وهذه المتناقضات كلها هي التي تجسد اليوم التحدي المركزي أمام قادة البلدان الإسلامية.
إن وجود منظمة إقليمية إذن مثل «التعاون الإسلامي»، وفي صفوفها عشرات الدول متفاوتة الإمكانات الاقتصادية والطبيعية، وتوحدها مرجعيات وقيم مشتركة، يدفع اليوم في اتجاه الانتقال بهذا العمل المشترك إلى التفاعل مع تحديات العالم المعاصر، أي مع قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومع تطلعات الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان ودولة القانون والمواطنة والمؤسسات الحديثة.
لقد صار أحسن تعريف بالإسلام اليوم هو أن تنجح دول «التعاون الإسلامي» في مساعدة بعضها البعض، وخصوصا العربية منها، على القضاء على التخلف في ميادين: التعليم، الصحة، السكن، العمل، الاستثمارات، تطوير الزراعة والصناعة، الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، ومن ثم، ستقوم الوحدة آنذاك بين دول قوية اقتصاديا وسياسيا، ومستقرة اجتماعيا وأمنيا، وقادرة على الحضور في العالم كفاعل جدي ومساهم في الأمن والاستقرار والتقدم لكل البشرية.
إن القمة الاستثنائية التي انعقدت في مكة المكرمة في ضيافة الملك عبد الله بن عبد العزيز لم تتدارس فقط مأساة الحرب الطاحنة في سوريا ودموية نظامها الديكتاتوري، أو الأوضاع في فلسطين والمخاطر المهددة للقدس، أو أوضاع مسلمي بورما، وإنما خيم عليها أساسا جو الفتن السائد في بلدان «التعاون الإسلامي» بصفة عامة، والانقسام والاقتتال المستشري في كيانها، ولهذا، فإن القضايا المشار إليها أعلاه باتت اليوم ذات أولوية، ومن أجل إعطاء المعنى والحياة لكل حديث عن العمل والتعاون الإسلاميين، خاصة أن «التعاون الإسلامي» اليوم هي ثاني أكبر منظمة إقليمية في العالم بتوفرها على 57 بلدا عضوا بداخلها، كما أنها أكبر تجمع دولي للمسلمين.
[email protected]

Top