لبنان

توجد لبنان هذه الأيام في عمق تداعيات وامتدادات المأساة السورية، ولم يتردد النظام السوري الدموي ولوبياته في إشعال الفتنة في البلد الجار المنهك أصلا جراء المآسي السابقة التي تسبب فيها ذات النظام، وفاقمتها قوى إقليمية أخرى، وأطراف وظروف داخلية. مدينة طرابلس في شمال لبنان صارت تعيش حربا حقيقية بين أنصار وحلفاء النظام البعثي السوري من جهة، ومناصري الثورة السورية من جهة أخرى، وباتت المدينة ومحيطها ساحة لحرب الشوارع، وقد استعملت في ذلك أنواع مختلفة من الأسلحة، وسقط القتلى، وحل بالمدينة شلل كلي جراء ذلك.
التوترات الأمنية المتصاعدة في لبنان، فاقمت كذلك من حدة التوترات السياسية في البلد، وانعكس كل ذلك على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وزاد من معاناة اللبنانيين في هذا الصيف الذي أضيفت حرارته الطبيعية إلى حرارة الأحداث الجارية لتعمق المأساة.
اليوم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في وقف المأساة في سوريا، وبالتالي الحيلولة دون أن تنجح الحسابات والمصالح الإقليمية والدولية في إجهاض التغيير، وإفشال ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة.
إن النظام الدموي في سوريا لا يتردد اليوم في توسيع دائرة القتل وسفك دماء الأبرياء إلى خارج سوريا أيضا، وجر لبنان إلى المستنقع الدموي، توهما منه أن ذلك سيتيح له فترة أطول لمواصلة حرب الإبادة التي يخوضها ضد شعبه، وسيجعله يلوي ذراع المنتظم الدولي، ومن ثم لا بد من الاحتراس من هكذا اتجاه للأحداث، وتفادي الانجرار لهذه اللعبة الخطيرة التي يقترفها اليوم نظام بشار.
المسؤولية هنا مطروحة ليس فقط على المجتمع الدولي، وإنما أيضا على السياسيين اللبنانيين، بالإضافة إلى الدول العربية ومنظماتها الديمقراطية والمدنية من خلال تقوية الدعم والمساندة للثورة السورية، ومن خلال تكثيف الضغط الدولي على النظام الديكتاتوري في دمشق لتسريع السير نحو التغيير، ونحو الشروع في بناء سوريا الجديدة، التي ستحرص أيضا على أمن وسلامة جوارها، وخصوصا لبنان والأردن.
وصلة بما سبق، فإن ما يجري هذه الأيام في لبنان يؤكد خطورة جعل السياسة مبنية على الاصطفافات الطائفية والعشائرية، كما يؤكد خطورة غياب الحضور القوي عبر كامل التراب الوطني لسلطة الدولة والقانون، وخطورة استمرار انتشار السلاح خارج هياكل مؤسسات الدولة المركزية، بالإضافة إلى خطورة التساهل مع ترك سياسيين وقوى سياسية بأكملها مرتبطة، في القرار والموقف، بدول خارجية وقوى أجنبية…، وهذه معضلات جوهرية في السياق السياسي اللبناني تحول دون انطلاق أي حراك ديمقراطي جماهيري حقيقي على غرار ما حدث في بلدان عربية أخرى، كما أنها تمثل دروسا يجدر بالبلدان العربية الأخرى الاستفادة منها والتمعن فيها.
[email protected]

Top