لسنا مرضى أو معتوهين

يستغرب المرء إصرار بعض الكتابات الصحفية والقصاصات على إبرازمواضيع إما أنها جانبية في انشغالات المغاربة، أو أنها تعمد إلى تحريف الانتباه الوطني عن القضايا الأساسية التي ينشغل بها شعبنا، أو أنها تختلق قضايا وتؤول وقائع محلية بما يتيح لها ممارسة لعبة الإسقاط ونقل مشاكل تعاني منها بلدان أخرى لإلصاقها بالمغرب، بأسلوب كاريكاتوري هو أقرب إلى السخافة منه إلى العمل الصحفي المهني النزيه، وموضوع النقوش الصخرية التاريخية التي توجد في هضبة ياغور بجماعة أربعاء تيغدوين بإقليم الحوز، والتي قيل إنها تعرضت للتدمير على يد «سلفيين»، يمكن اعتباره آخر ما حملته لنا الأخبار على هذا الصعيد.
قد يكون أحد المعتوهين المتطرفين حرض فعلا على هذه النقوش، أو اقترف أفكاره أو أفعاله المرضية تجاهها، وقد تكون هذه الكنوز اللامادية التي تعتز بها بلادنا لا تحظى بالعناية اللازمة لحمايتها وتثمين قيمتها التاريخية، لكن قطعا من غير المقبول أن يصل الحرص عليها والرغبة في حمايتها إلى حد تهويل وقائع واختلاق أخرى، وتقديم شعبنا كما لو أنه صار «طالبان» في مناطق الأطلس الكبير، أو كما لو أن المغرب لم يعد يميزه أي شيء لا عن أفغانستان ولا عن مالي أو غيرهما.
لسنا معتوهين إلى حد تدمير ثرائنا الحضاري والتاريخي بأيدينا…
إن هذه النقوش الصخرية ذات القيمة التاريخية والعلمية العالية، والتي تتواجد في الحوز وفي مناطق أخرى في الجنوب، يزيد عمرها عن خمسة آلاف سنة، وقد حماها دائما السكان، ولم تتأثر لا بإكراهات نشاطهم الزراعي والرعوي، ولا بخلافاتهم القبلية، وهذا الشعب الذي حرص دائما على حمايتها هو شعبنا، وهو الذي لن يقبل اليوم أو غدا تدميرها، لأن في ذلك تدمير لعراقته، وللدليل على أنه شعب لم يقطر به سقف الوجود والحضارة.
من الواجب اليوم أن نطالب السلطات بتقوية الحماية لكل هذه النقوش المتواجدة في مناطق مختلفة من بلادنا، وتعزيز العناية بكامل تراثنا اللامادي، وتوفير الإمكانات لذلك، والاعتماد على ذوي الاختصاص، وجعل الساكنة المحلية المجاورة تتفاعل مع ما يحيط بها من ثراء تاريخي وثقافي، وتحميه وتستفيد منه، ولكن في نفس الوقت نرفض امتطاء ظهر مثل هذه القضايا لتقديم صورة غير حقيقية عن بلادنا وشعبنا، ولجعل العالم يقتنع، جهلا، أن ما جرى في أفغانستان ومالي ونيجيريا وغيرها، هو نفسه الجاري اليوم في المغرب.
البلاد تخوض مسلسلات الإصلاح الديمقراطي والتأهيل التنموي بأسلوبها الخاص، ووفق نموذجها المتميز، وأيضا بإكراهاتها ومشاكلها، وهذا المسار المتفرد قياسا إلى الجوار المغاربي والعربي يحظى اليوم بكثير تقدير وإعجاب ومتابعة عبر العالم، والإصرار اليوم على اقتراف خرجات إعلامية تائهة بين الفينة والأخرى، إنما يستهدف أساسا التأثير على المسار وعلى صورته، لكن شعبنا قادر على التمييز، ولن يقبل من أحد الترويج لمغرب متطرف لا يوجد إلا في مخيلات المرضى والمعتوهين.
[email protected]

Top