لقاء دراسي بمجلس النواب يبرز دور “لجان مراقبة المالية العامة”

سلط لقاء احتضنه مجلس النواب أول أمس الأربعاء، الضوء على التجربتين المغربية والبريطانية في إعمال مبدأي المساءلة والشفافية والتحديات التي يطرحانهما على مستوى التنزيل، وذلك من خلال نموذجي “لجنة مراقبة المالية العامة” بالمجلس و “لجنة الحسابات بمجلس العموم البريطاني”.
وفي مداخلة لها، خلال الجلسة الأولى لهذا اللقاء، قالت رئيسة لجنة مراقبة المالية العامة، لطيفة لبليح، إن إنشاء هذه اللجنة، منذ ثمان سنوات، جاء تنزيلا لمقتضيات الدستور المتعلقة بتقوية الأداء الرقابي للبرلمان في مجال المحافظة على المالية العمومية وصونها، إذ تشتغل وفق قاعدة القيمة مقابل المال أي فيم يصرف المال العام والوقوف على آثاره على المواطن ارتباطا بالأهداف التي أنفق من أجلها.
وبخصوص المراقبة القبلية على عملية الإنفاق، أبرزت لبليح، أن البرلمان يلعب دورا مهما في الترخيص للحكومة للقيام بالإنفاق العمومي في إطار مناقشة قانون المالية، وتتم المناقشة على مستوى لجنة المالية بالنسبة لمشروع قانون المالية وعلى مستوى باقي اللجان النيابية الدائمة بالنسبة للميزانيات القطاعية، كما تكمن مهمة اللجنة في دراسة مشاريع قوانين التصفية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، أي خلال المراقبة البعدية على عملية الإنفاق.
وأضافت أنه بموجب النظام الداخلي لمجلس النواب، تقوم اللجنة بمهام استطلاعية بطلب من الفرق أو المجموعات النيابية حول شروط ظروف تطبيق نص تشريعي معين أو موضوع يهم المجتمع أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، إلى جانب اختصاصاتها من خلال البرنامج السنوي الذي يتضمن تقارير حول المواضيع التي يطلب مجلس النواب من المجلس الأعلى للحسابات إنجازها بخصوص مواضيع محددة في إطار مراقبة الإنفاق العمومي للحكومة.
وشددت على أن اللجنة البرلمانية ذاتها، والتي تضم 43 نائبا، لا تتدخل في الاختيارات السياسية للبرامج والمشاريع أثناء المناقشة إلا بشكل عرضي ولا تبحث في تحديد المسؤوليات الشخصية أو عن حالة الاختلاسات أو سوء التدبير أو غيرها، مبرزة أن دورها المركزي هو مراقبة وتتبع إنفاق المال العام ومدى تحقيقه للغايات التي ص رف من أجلها من وجهة النجاعة في الإنفاق والمخرجات الناتجة عنه، مع الحرص على الحياد.
من جهتها، قالت عضوة لجنة الحسابات بمجلس العموم البريطاني، أوليفيا بليكس، إن هذه اللجنة البرلمانية هي أقدم لجنة دائمة تضم 16 عضوا ممثلة كل الأحزاب وإن كان الحزب الحاكم المحافظ له الأغلبية، موضحة أن “عملنا ليس بالضرورة تقييم سياسات الحكومة التي تم اتخاذها، لأن هذا عمل لجان أخرى دائمة تتولى ذلك نسميهم لجان انتخابية أو انتقائية (تنتقي المجال)، نحن نقوم بمراقبة الإنفاق العمومي وفق النجاعة المالية والفعالية، أي القيمة مقابل المال”.
وأضافت بليكس “نسائل الموظفين العموميين على أساس مختلف القرارات، ولا ندعو الوزراء إلى لجنتنا بل ندعو الموظف المسؤول عن القرار لنطرح عليه الأسئلة المباشرة، ونعمل، على غرار ماهو معمول به في المغرب، بشكل وثيق مع المجلس الوطني للتدقيق البريطاني الذي يقدم لنا الإحاطات”.
وفي هذا الصدد، أبرزت بليكس أن المجلس الوطني للتدقيق البريطاني “هيئة مستقلة تقوم بافتحاص الإنفاق العمومي للحكومة، من خلال تقارير نستعملها لجمع الإفادات والشهادات والدلائل وإعداد تقارير تكون توصيفية، للتدقيق في القرارات ومعرفة مدى إتباع المساطر الجيدة خلال عملية الإنفاق”.
وعلاوة على التقارير، تؤكد بليكس، ندعو الأشخاص أمامنا في حصص لتقديم الأدلة والإفادات حول عمال مثلا في الصفوف الأمامية لهيئة الرعاية الصحية، إذا كنا بصدد الاشتغال على الإنفاق في الرعاية الصحية، كما يمكن أن نستدعي من يمثل المجتمع المدني أو من النقابات أو مقاولات لتقديم إفادات.
ولفتت إلى أنه “لدينا حصص شفوية لتقديم إفادات من كل مجال، كما لدينا تقارير إفادات مكتوبة نتحقق من أننا نحصل على الخبرة الأكاديمية من الباحثين، ثم نضع الإفادات في تقرير يوقع عليه أعضاء اللجنة التي تضم برلمانيين بحيث لا يكون لديهم أي منصب وزير ظل”، معتبرة أنه “أمر مهم لأننا نحاسب المسؤولين التنفيذيين، وفعالية اللجنة تمكن في كونها محايدة ولا تنظر في الاصطفافات الحزبية”.
وفي معرض مداخلتها، تطرقت الفاعلة البرلمانية البريطانية إلى تجربة اللجنة في التعاطي مع قضايا مرتبطة بموضوع الاستثمار والتمويل إلى جانب موضوع الصفقات التي أبرمت خلال جائحة كورونا بخصوص اللقاحات والكمامات وكل المعدات والتجهيزات، إذ تم الاستماع في اللجنة إلى إفادات مجموعة من الموظفين، وثم إطلاع الحكومة على تقرير يضم مجموعة من التوصيات مرتبطة أساسا بالشفافية.
وفي هذا السياق، شددت على أن ” لجنة الحسابات لجنة قوية يؤخذ كلامها على محمل الجد، وكل مقترح يتم تقديمه يجب تطبيقه من طرف الجهة المختصة، سواء على مستوى مجلس العموم البريطاني أو خلال نقاشات أخرى نقوم بخوضها”، مضيفة أن “ما نقوم به مهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بأموال دافعي الضرائب، إذ لدينا المراقبة الكاملة على كل المخصصات المالية ويمكن أن نتبع كل جنيه وطريقة إنفاقه”.
من جهته، أبرز أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس والخبير بالمالية العمومية، حسن العرفي، أن عمل لجان مراقبة المالية العامة يعرف تحديات، أبرزها تعميق البعد الاستراتيجي للميزانية السنوية، من خلال تحسين مناقشة الميزانية حول الخيارات الاستراتيجية، ومناقشة الميزانية في إطار متعدد السنوات بما يتيح توقعا أفضل وتوزيعا أمثل للموارد، إلى جانب إشراك مؤثر للبرلمان في الحفاظ على التوازن المالي للدولة، وربط البرامج السنوية للنجاعة بإطار منطقي ومؤشرات دالة.
ولفت العرفي إلى ما أسماه “تجسيد تحقيق لمبدأ صدقية الميزانية”، من خلال معيرة النظام المحاسبي للدولة، وصدقية الحسابات والإشهاد على صحتها، ومصداقية التوقعات وواقعية الفرضيات الماكرو اقتصادية، إلى جانب تطوير وسائل الإفصاح عن نجاعة التدبير المالي للحكومة انطلاقا من قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وانفتاح الميزانية، وشفافية واستقلالية تقارير نجاعة الأداء.
وشدد الأستاذ الجامعي على تمكين البرلمان من الآليات لتفعيل رقابته على المالية العمومية، من خلال استثمار التقارير المرافقة لمشروع قانون المالية السنوي والتقارير المرافقة لميزانيات الوزارات ولا سيما المشاريع السنوية للأداء المالي للوزارة: مشروع قانون المالية، واستثمار التقارير المرافقة لمشروع قانون التصفية.
وختم الأستاذ الجامعي مداخلته بالإشارة إلى الفرص المتاحة أمام عمل لجنة مراقبة المالية العامة، والمتمثلة في وجود “وعي مؤسساتي قوي بأن شفافية وحكامة المالية العمومية هي العمود الفقري لشفافية وحكامة الدولة، وانخراط المغرب في التزامات دولية لإرساء دعائم الحكومة المنفتحة، بالإضافة إلى توفر نظام رقابي برلماني على المالية العمومي يمزج بين مزايا النظامين الفرنكفوني والأنكلوسكسوني”.
يشار إلى أن برنامج هذا اللقاء الدراسي يتضمن جلسة ثانية تبحث “العلاقة بين المجالس العليا للحسابات والبرلمان، من خلال تجربة مكتب التدقيق الوطني البريطاني وعلاقته بلجنة الحسابات العامة”، إلى جانب “تجربة مجلس النواب والمجلس الأعلى للحسابات”.

Related posts

Top