مجلس الحسابات

تزامن التغيير الذي حدث على رأس المجلس الأعلى للحسابات بالحضور الإعلامي المكثف لهذه المؤسسة وتقاريرها وأخبارها في المشهد الوطني العام، ما يجعل مهمة المسؤول الجديد لا تخلو من صعوبة، اعتبارا لكون الأمر يعني الربط الجدلي الخلاق بين أداء المجلس لمهمته وفق القانون وطبقا لأحكام الدستور الجديد، وتجسيدا لمقتضيات الاستقلالية والحياد المفروض توفرهما في مؤسسة وطنية تتولى الرقابة على المال العام، وبين التفاعل والتعاون مع مختلف المؤسسات والسلط الأخرى في البلاد.
الارتياح الذي قوبل به تعيين إدريس جطو على رأس المجلس الأعلى للحسابات نابع من انفتاح الرجل وقابليته للحوار والتفاعل مع الآخرين، سواء في البرلمان أو في الحكومة، أو على صعيد الأطر القضائية والإدارية العاملة في المجلس نفسه، خصوصا أن البلاد، في المرحلة الحالية، في حاجة إلى تقوية نفس الثقة والاستقرار داخل الأوساط الاقتصادية، وعلى مستوى النفسية العامة في المجتمع.
في المقابل، فإن قراءة التعيين كما لو أنه سعي لـ «تليين» الحرب على الفساد ونهب المال العام، لا تخلو من تعسف وتسرع، اعتبارا لمسار الرجل وشخصيته، وأيضا استحضارا للسياق العام الذي تعيشه بلادنا ومحيطها الإقليمي، حيث أن محاربة الفساد والريع ونهب المال العام، وتعزيز الحكامة الجيدة والتخليق في مختلف المؤسسات، بما في ذلك في عالم الاقتصاد والمال والأعمال، هي كلها مقتضيات يفرضها اليوم التطلع إلى تعزيز مداخل البلاد إلى التنمية والتقدم، وحاجتها إلى تثبيت خياراتها الديمقراطية والإصلاحية التي لم يعد بالإمكان التراجع عنها.
لكن، بنفس القوة، فإن محاربة الفساد وتخليق تدبير المؤسسات العمومية والجماعات الترابية لن تنجح أو تحقق أهدافها، بمجرد الإدلاء بالتصريحات هنا وهناك، أو بالعمل المنفرد، ولو كان صادرا عن مؤسسة للرقابة، إنما تنجح في إطار منظومة وطنية متكاملة تروم القضاء على الفساد وإقرار النزاهة والتخليق، وهذه المنظومة لن تستقيم إلا بالتواصل الإيجابي والتعاون مع الحكومة ومع البرلمان، والابتعاد عن العمل الفرداني وعن أسلوب الجفاء والاستعلاء تجاه الآخرين، وبدل ذلك تقوية السير الجماعي نحو الهدف في حرص كامل على احترام كل شروط دولة القانون والمؤسسات.
من دون شك، تعيين إدريس جطو على رأس المجلس الأعلى للحسابات سيحمل أسلوبا مختلفا للمؤسسة لم تعهده مع سلفه أحمد الميداوي، على الأقل بالنظر لاختلاف مسارات الرجلين وشخصيتيهما، لكن المؤكد أيضا أن المؤسسة على عهد رئيسها الجديد ستلج مرحلة جديدة، وسينكب المراقبون على تقييمها في حينه.
مجلس الحسابات صار اليوم يمتلك قوة دستورية مؤكدة، وسياقات المرحلة الحالية، سياسيا واقتصاديا وتنمويا ودوليا، تفرض جعل أدائه منتظما في إطار القانون، وساعيا إلى جعل البلاد تكسب رهان تطلعاتها الديمقراطية والتنموية، وتنجح في لحظتها التاريخية الراهنة.
[email protected]

Top