مجلس النواب “يثمن” حصيلة أعضائه الرقابية ويرفع تحدي تجويد العمل البرلماني

اختتم مجلس النواب، يوم الثلاثاء 6 فبراير الجاري، الدورة الأولى –الخريفية- من السنة التشريعية 2023-2024، التي تتزامن مع النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026.
اتسمت هذه الفترة، بعدة أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية، على المستوى الوطني والدولي، أرخت بظلالها على الوضع الداخلي للبلاد، تفاعل معها أعضاء مجلس النواب، من خلال الأسئلة الكتابية والشفوية أثناء الجلسات العمومية، وكذا النقاش حول عدة مواضيع داخل اللجن البرلمانية الدائمة، أو أثناء المهام الاستطلاعية، وذلك في إطار صلاحيات دستور 2011 الذي منح للنائبات والنواب صلاحيات مهمة تسمح لهم بالتأثير على إرادة الشأن العام، بما في ذلك سن القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، وهو ما يجعل من البرلماني فاعلا رئيسيا في النظام السياسي للمملكة.

ارتفاع في عدد الأسئلة الشفوية والكتابية

بمناسبة اختتام الدورة الخريفية من السنة التشريعية 2023-2024، كشف راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، أن عدد الجلسات العامة التي حضرها رئيس الحكومة بمجلس النواب، خلال النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة 2023-2026، بلغ 12 جلسة أجاب خلالها البرلمانيين عن ستين (60) سؤالا يتعلق بالسياسات العامة في مجالات الرعاية الاجتماعية، والاستثمار، والصحة، والتعليم، والثقافة والتمكين الاقتصادي والسياسي للنساء، وحالة الاقتصاد الوطني في السياق الدولي.
ومن جهة أخرى، بلغ عدد الجلسات العامة الأسبوعية المخصصة لأسئلة أعضاء مجلس النواب وأجوبة وزراء الحكومة عليها، 62 جلسة تمت خلالها برمجة، 1849 سؤالا، أجابت عنها الحكومة، علما أن أعضاء مجلس النواب، وجهوا أزيد من 9 آلاف سؤال إلى الحكومة، لكن بما أن برمجة الأسئلة الشفوية في الجلسة الدستورية الأسبوعية محكوم بعاملي الزمن والمحاصصة البرلمانية، لم يتم إدراج كل هذه الأسئلة، من قبل إدارة المجلس.
ومقابل هذا الرقم من الأسئلة الشفوية، وجه البرلمانيون، بحسب الحصيلة التي قدمها مكتب مجلس النواب، 14 ألف و640 سؤالا، أجابت الحكومة على 10 آلاف و292 سؤالا، بمعدل 70 في المائة، ليبقى الرهان أقوى على طرح أكبر عدد من الأسئلة من قبل السلطة التشريعية، على أساس أن تتفاعل معها السلطة التنفيذية بشكل إيجابي، لا سيما وأن الأسئلة البرلمانية تعد في المغرب آلية إيجابية في ممارسة البرلماني لمهامه الرقابية.
وفي المقابل، كشف تقرير لجمعية “طفرة”، بعنوان: “ماذا يفعل النواب؟ النشاط البرلماني في المغرب من خلال أسئلة النائبات والنواب البرلمانيين”، أنه خلال الدورات الأربع الأولى من الولاية التشريعية الحالية، قام أعضاء مجلس النواب بطرح 20 ألف و514 سؤالا، وقد اشترك في بعض الأحيان عدة نواب في طرح نفس الأسئلة، ما قد يؤدي أحيانا إلى الوصول لأعداد إجمالية مختلفة بشكل طفيف.
وأوضحت جمعية “طفرة”، وهي مركز أبحاث يشتغل على جمع وتحليل البيانات المتعلقة بالفعل العمومي وتعزيز الحق في الحصول على المعلومة، أن هذه الأرقام، تظهر أن الدورات الأربع الأولى من الولاية التشريعية الحالية، تميزت بوجود عدد كبير نسبيا من الأسئلة الكتابية والشفوية مقارنة بالولايتين التشريعيتين السابقتين. ويتجسد هذا الاتجاه بزيادة تمثل نسبة 130 في المائة مقارنة بالولاية التشريعية 2011-2016، وبزيادة نسبة 21.5 في المائة مقارنة بالولاية التشريعية 2016-2021.
وأفاد التقرير ذاته، الذي توصلت جريدة بيان اليوم بنسخة منه، أنه في الدورات الأربع الأولى من الولاية التشريعية الحالية، طرحت النساء البرلمانيات (اللائي تم انتخاب معظمهن بفضل نظام التمييز الإيجابي، 23 في المائة من أعضاء مجلس النواب حاليا، بينما يشكل الرجال 77 في المائة)، ما مجموعه 6 آلاف و5 أسئلة، وهو ما يمثل في المتوسط 62 سؤالا لكل واحدة منهن، مقابل 45 سؤالا فقط للرجال.
وخلص التقرير إلى أن هذه الأرقام تبرز أن النائبات أكثر نشاطا في مراقبة العمل الحكومي مقارنة بنظرائهن من الرجال، على الرغم من عدم تولي أي منهن رئاسة أي فريق نيابي، علما أنه في دراسة سابقة أجرتها “طفرة” على الولاية التشريعية 2011-2016، كان النواب الرجال يهيمنون بشكل طفيف على متوسط عدد الأسئلة لكل نائب، بـ 110 سؤال، مقابل 95 سؤالا للنساء، “وهذا التحول الحالي للنتيجة يعكس التطور الإيجابي في مشاركة النساء في المؤسسة البرلمانية”، وتعزز هذه المعطيات “فكرة استدامة نظام الحصص أو “الكوطا” بالنظر إلى آثاره الإيجابية على مشاركة المرأة في مختلف الأنشطة البرلمانية” وفق المصدر ذاته.

مناقشة 366 موضوعا داخل اللجن البرلمانية

إلى جانب الأسئلة الشفوية والكتابية، التي وجهها نواب الأمة للحكومة، كان أعضاء مجلس النواب نشيطين في إطار عملهم الرقابي داخل اللجن النيابية الدائمة، باعتبارها إطارا للتفاعل بينهم وبين وزراء الحكومة، أثناء النقاش والحوار حول القضايا التي تكتسي الصبغة الراهنية.
واستطاعت هذه اللجن، بحسب مجلس النواب، برسم منتصف الولاية التشريعية الحالية، مناقشة ما معدله 366 موضوعا، كانت محل 781 طلبا من جانب الفرق والمجموعة النيابية داخل المجلس، منها 53 موضوعا، عقدت اللجن بشأنها 32 اجتماعا خلال دورة أكتوبر 2023-2024.
ومن بين أهم المواضيع التي نوقشت في هذه اللجن، نجد ملف المياه وتدبيره في سياق الجفاف، والطرق، وتداعيات زلزال الحوز، والتربية والتعليم والتكوين والعلاقات الخارجية، والأمن الغذائي، والفلاحة، وتخليق الحياة العامة.
وعلى مستوى آخر عقدت هذه اللجن النيابية الدائمة، في إطار مهامها التشريعية، حوالي 385 اجتماعا برسم منتصف الولاية التشريعية الجارية. ويرى راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، أن هذا المنسوب المرتفع في اشتغال اللجان يعكس “حرص السلطتين التشريعية والتنفيذية على البحث عن حلول للقضايا موضوع المساءلة بعد الإحاطة بالسياق والعوامل التي تقف وراءها”.
وتميز النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026، بمصادقة البرلمانيين على 111 مشروع قانون، وستة مقترحات قوانين، منها 18 خلال دورة أكتوبر 2023-2024، ذلك أن ثلاثين نصا هي قوانين تأسيسية تتعلق بالقطاعات الاجتماعية وخاصة الصحة، والدعم الاجتماعي، والقضاء والاستثمارات والفلاحة والمالية.
وعلى مستوى آخر، ساهم أعضاء المجلس في إغناء مشاريع قوانين المالية التي بلغت تعديلات المجلس عليها 764 تعديلا قبلت الحكومة 105 منها.

مهام استطلاعية لتشخيص الاختلالات

تشكل المهام الاستطلاعية للجن البرلمانية الدائمة، آلية فعالة، لتشخيص ما قد يعتري الفعل العمومي من نقص أو اختلالات، وللوقوف على تدبير مؤسسات، أو خدمات، أو مرافق عمومية وإعداد تقارير بشأنها، وتوصيات من أجل التجويد.
وفي هذا الصدد، رخص مكتب مجلس النواب، خلال النصف الأول من الولاية التشريعية، بإنجاز عشر مهام استطلاعية ذات علاقة بقضايا راهنة من قبيل الوقوف على واقع شبكات التوزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، وحالة مصب أم الربيع وتراجع صبيب هذا النهر، وهما المهمتان اللتان نوقشا تقريرهما في جلستين عموميتين.
واهتمت اللجن أيضا، وهي تفعل المهام الاستطلاعية، بقضايا المقالع والمخيمات الصيفية، والطب الشرعي، والطرق السيارة، وحال الأحياء والإقامات الجامعية العمومية، وظروف استقبال الجالية المغربية المقيمة في الخارج، لكن ما يلاحظ، بحسب مراقبين، هو أن هذه المهام، تغيب عنها في بعض الأحيان النجاعة في تدبير الزمن، إذ أنها لا تحترم الآجال المحددة، ما يجعل توصياتها متجاوزة نظرا لتغير المعطيات على أرض الواقع.
ويرى رئيس مجلس النواب، أن الهدف من هذه المهام الاستطلاعية، هو إنجاز أكبر عدد منها، ومناقشتها بمشاركة السلطة التنفيذية “لإصلاح ما ينبغي إصلاحه، إذ الأمر لا يتعلق بالتقييم ولا بلجن لتقصي الحقائق التي لها ضوابطها الدستورية والتنظيمية والإجرائية، ولكن بآلية أسرع بمساطر أخف، ولكن بمردودية كبرى إذا نحن تمكنا من إنجازها وفق الضوابط وبالجودة المطلوبة، وأساسا إذا نحن حرصنا على تتبع إنجاز التوصيات التي تتوج أعمالها”.

تمرين ديمقراطي جديد

وجد البرلمانيون أنفسهم خلال الولاية الحادية عشرة، أمام تمرين ديمقراطي جديد، يتمثل في تقييم السياسات العمومية، الذي جاء به دستور 2011، حيث تم التوافق بداية هذه الولاية بين مكونات مجلس النواب، على أربع سياسات عمومية لتكون موضوع تقييم، بالإضافة إلى تقييم شروط وظروف تطبيق القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
وفي هذا الشأن، ناقش المجلس في جلستين عموميتين تقريرين بشأن تقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة (2018-2021) والسياسة المائية، ومن المرتقب أن يناقش تقرير المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم تطبيق القانون 13-103 في الدورة المقبلة.
وإلى جانب ذلك، تنتظر مجلس النواب مهمة كبيرة، تتمثل في مناقشة مشروع قانون مدونة الأسرة، بعد إنهاء الهيأة المكلفة بمراجعة المدونة، جلسات الاستماع لمختلف مكونات المجتمع بما فيها الأحزاب السياسية، والتداول في التقرير والاقتراحات التي سترفع إلى جلالة الملك محمد السادس، قبل إحالة المشروع على البرلمان.
وقال راشيد الطالبي العالمي رئيس مجلس النواب، إنه في إطار مواكبة النقاش حول قضايا ذات راهنية وأبعاد وطنية ودولية آنية واستراتيجية، ستشرع كل من المجموعة الموضوعاتية المؤقتة حول الذكاء الاصطناعي والمجموعة الموضوعاتية المؤقتة حول الانتقال الطاقي في عملهما، وذلك بهدف بلورة مقاربة برلمانية استشرافية ومستقبلية لهذين الموضوعين. كما ستشرع مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول المساواة والمناصفة في عملها لبلورة اقتراحات وتوصيات تخص أوضاع المرأة في تفاعل مع أولويات السياق المجتمعي.
ويبقى الرهان بحسب راشيد الطالبي العلمي، سواء في ما يخص تقييم السياسات العمومية، أو المهام الاستطلاعية ومناقشة تقارير المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، هو تقديم توصيات فعالة بالتوافق مع السلطة التنفيذية، ليكون لها الأثر الإيجابي على المجتمع، انطلاقا من تجويد السياسات والتدخلات العمومية وزيادة مردوديتها.

الرفع من جودة النخب البرلمانية

شهدت هذه الدورة، مستجدا وطنيا مهما، يتمثل في تخليد الذكرى الستين لقيام أول برلمان مغربي منتخب عام 1963، حيث تم تنظيم ندوة وطنية، بتاريخ 17 يناير 2024، وجه خلالها جلالة الملك محمد السادس رسالة للمشاركين في أشغالها.
ودعا جلالته في نص الرسالة، إلى ضرورة تجويد العمل البرلماني، عبر الرفع من جودة النخب وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، على غيرها من الحسابات الحزبية، “وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها لتكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية”.
وفي إطار تنفيذ هذه التوجيهات السامية، تم عقد سلسلة اجتماعات لرؤساء الفرق والمجموعة النيابية واللجنة المكلفة بمراجعة النظام الداخلي، ترأسها رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، “انكبت على صياغة واعتماد مدونة جديدة للأخلاقيات البرلمانية، بما يساهم في الارتقاء بتخليق الحياة البرلمانية”.
وكشف مجلس النواب، في بلاغ صحافي له، أن “رؤساء الفرق والمجموعة النيابية اتفقوا، على مواصلة الانكباب على بلورة صيغة جديدة لمدونة السلوك والتي سيتم إدراجها ضمن مقتضيات النظام الداخلي للمجلس، بما يحقق في النص الدقة والنجاعة، والعمق والشمولية والانسجام والاتساق، والملاءمة مع الدستور”. ونوه المصدر ذاته إلى أن اجتماعات رؤساء الفرق والمجموعة النيابية ستتواصل خلال الفترة الفاصلة بين الدورتين، لاعتماد هذا النص الذي يراهن عليه في تنقية بروفايلات ممثلي الأمة بالبرلمان.

< إنجاز: يوسف الخيدر- تصوير: رضوان موسى

Top