مفارقة

عرفت السينما المغربية خلال العقدين الأخيرين، تطورا غير مسبوق، سواء على المستوى الكمي أو النوعي، لكن هذا التطور تزامن مع مسلسل إغلاق صالات العرض تباعا، في مجمل المدن المغربية، كمؤشر على فقدان القاعات للعدد الكبير من مرتاديها، الشيء الذي انعكس على مداخيلها بشكل أساسي، ولجوء أربابها إلى الإغلاق والتحول إلى أنشطة تجارية أكثر ربحية، بالتوافق مع غلاء أثمنة العقار، حتى قاعات العرض السينمائي، التي يعود تواجدها إلى عهد الحماية الفرنسية، وهي بنايات تعد في مجملها مفخرة في الطراز المعماري الجميل، وجزء أساسيا من ذاكرة المغاربة وعشاق السينما على الخصوص، لم تسلم من هذا الانجراف.
ويرى العديد من المهتمين أن هذه القاعات كانت تتبارى في جلب الإنتاجات السينمائية الرخيصة ولم تساهم في رقي الذوق العام، ولم تساهم في تطوير هذا الذوق وتكريس الفرجة السينمائية الجادة، في نفس الوقت يعلق أرباب القاعات مسؤولية الإغلاق على مشجب القرصنة، وتعدد وسائط الفرجة، غير أن الرأيين أو الموقفين معا يبقيا قاصرين عن الإلمام بجوهر المشكل الذي تتدخل فيه العديد من العوامل المتشابكة، من بينها بالطبع، قرصنة الأفلام ورداءة الخدمات التي صارت تقدمها العديد من القاعات السينمائية وغياب الاستثمار في المجال السينمائي… وغيرها كثير، يتوزع بين الذاتي والموضوعي.
 نحن إذن أمام مفارقة كبيرة، أحد مصراعيها تمركز المغرب في المرتبة الثانية إفريقيا من حيث الإنتاج بعد جنوب إفريقيا، ومصراعها الثاني نزيف صالات العرض الذي تراجع عددها خلال العقود الثلاثة الماضية ليبلغ اليوم أقل من 40 صالة عرض فقط في مجمل التراب الوطني، تقاوم بدورها شبح الإغلاق بابتكار أساليب جديدة لجلب المتفرجين.
 ولو أن وسائل الفرجة تنوعت بالنظر إلى التطور التكنولوجي، فإن الفرجة داخل القاعة تحتفظ بمميزاتها الخاصة، وتتطلب خلق مصالحة الجمهور مع الفن السابع،  وهذا ما يبشر به بلاغ صدر مؤخرا عن لجنة دعم  رقمنة وتحديث و إنشاء القاعات السينمائية.
 الدعم الذي يهدف حسب البلاغ دائما، “إلى تعزيز شفافية الترويج السينمائي في المغرب و تعميم اعتماد نظام الشبابيك الإلكترونية و كذا تقوية فرص التوزيع مع تنويع العرض والحد من الاحتكار، كما يرمي إلى إحياء و توسيع شبكة قاعات العرض في إطار التوزيع العادل للبنيات الثقافية على الصعيدين الجهوي والوطني”.
 حيث يجدر القول، أن أهمية ترويج الإنتاج السينمائي المغربي على صعيد العالم العربي، قصد التعريف بالتطور الذي يشهده واكتساح أسواق جديدة، لا يمكن أن يتأتى دون الترويج للسينما الوطنية على مستوى الداخل، الترويج الذي لا يستقيم بدوره والنزيف المزمن الذي تعيشه قاعات العرض.

سعيد الحبشي

الوسوم

Related posts

Top