مناظرة السينما

تكتسي المناظرة الوطنية الأولى حول السينما، التي افتتحت أشغالها بالرباط مساء الثلاثاء برسالة وجهها الملك إلى المشاركين في المناظرة وإلى كافة مهنيي الفن السابع في بلادنا، أهمية خاصة في حقل الدلالات والرمزيات والإشارات المرسلة بوضوح. لقد شكلت السينما في بداية عمل الحكومة الحالية واحدا من مجالات تخوف الديمقراطيين والمدافعين عن الإبداع والحرية والحداثة، وما فتىء مبدعو الفن السابع يعبرون عن خشيتهم من التراجع عما تحقق من مكتسبات في السنوات الأخيرة على هذا الصعيد، وتأتي المناظرة اليوم لتمثل ساحة رحبة لتقديم الأجوبة والتطمينات، وذلك من خلال التشبث بالثوابت، وأيضا من خلال المقاربة التشاركية المعتمدة.
وعلى غرار سائر الفنون والأعمال الإبداعية، فإن الحرية تعتبر ثابتا جوهريا في كل منحى يروم تطوير المجال وتأهيله، وقد جاءت الرسالة الملكية، وأيضا تدخلات المسؤولين في افتتاح المناظرة، مؤكدة على هذا الثابت المرتبط والمتفاعل جدليا بالمسؤولية.
وفضلا عن هذا، فقد جرى التأكيد على أهمية وجود سياسة عمومية فعالة من أجل تطوير الصناعة السينمائية في بلادنا، مع تثمين ما تحقق من مكتسبات بهذا الخصوص، والتشبث بالدعم العمومي للقطاع، والعمل على تطوير البنيات التحتية، وأيضا التظاهرات السينمائية المقامة في بلادنا، وبالتالي الارتقاء بتنافسية القطاع السينمائي المغربي…
ولم تخل الرسالة الملكية من إشارات موجهة إلى السينمائيين أنفسهم، وذلك عبر دعوتهم إلى جعل الانفتاح عبر السينما جديا ومسؤولا، ومن خلال تثمين وإشعاع الهوية الوطنية والتعدد الثقافي والحضاري المميز للشخصية المغربية، بالإضافة إلى ترسيخ الاحترافية، وتقوية الجودة، ومواكبة ما تشهده البلاد من تحولات والتفاعل معها.
من المؤكد أن مناقشات جلسات المناظرة ستتناول تفاصيل كل هذه القضايا، كما أن التوصيات التي من المقرر إحالتها على اللجنة العلمية المكلفة بإعداد كتاب أبيض حول سبل تطوير الفن السابع في بلادنا، ستهتم هي كذلك بمختلف إشكالات وانشغالات القطاع وهواجس مهنييه، لكن يبقى أن جودة المنتوج، وسؤال «الكيف» صارا مطروحين اليوم بعد ما راكمته سينمانا من إنجازات كمية، وبالتالي فإن جعل الجمهور يرتبط أكثر اليوم بأفلامنا المغربية يقتضي تقوية الصنعة السينمائية، والاشتغال على المضامين وعلى التقنيات والجماليات.
وإلى جانب ما سبق، فإن تحسين الحكامة وتجويدها داخل مختلف هياكل ومؤسسات القطاع يعتبر مسألة جوهرية وذات أولوية، وبالتالي فإن جعل ميكانيزمات التمويل والدعم والحكامة واضحة وشفافة وقائمة على الاستحقاق والاحترافية من شأنه أن يبعد كثيرا من المتطفلين عن القطاع وعن… المال العام.
السينما هي فن وإبداع أولا، وهنا الأمر يعني المبدعين قبل غيرهم، وعليهم تطوير أدوات عملهم الفنية والثقافية، واستثمار غنى المسار المغربي في إثراء مضامين أعمالهم، لكن السينما هي أيضا مجال اقتصادي وميدان يشهد رواج أموال طائلة، ولهذا فإن الحكامة الجيدة وتطوير التدبير ووضوح التنافس تعتبر من شروط النجاح في مسلسل تأهيل القطاع.
وقبل هذا وذاك، فإن السينما لا تعيش إلا بالحرية، ولا تتنفس إلا هواءها، ومن ثم فإن حمايتها والحرص كذلك على استمرار المهرجانات السينمائية بتنوعها وانفتاحها، هي مسؤوليتنا جميعا.
[email protected]

 

Top