يقر الخبراء الاقتصاديون وعلماء الاجتماع أن الأزمة التي يعيشها العالم من جراء وباء كوفيد 19، ستكون لها تبعاث وانعكاسات كبرى على كافة الأصعدة، وبخاصة الجانب الاقتصادي منها، وهناك إجماع على أن خيار إعادة رسم خريطة القوى الاقتصادية بالعالم، يعتبر نتيجة حتمية لا يمكن الهروب منها أو تجاوزها.
أوجه هذه التغييرات التي سيعرفها العالم تهم النظم الاقتصادية، وكل ما يتعلق بالمال والأعمال، وارتباط ذلك بالأسواق والسلع وأنماط العيش وعلاقات الإنتاج.
فكل بلدان العالم غنية كانت أم فقيرة، وقفت على حقيقة واحدة، ألا وهي أنه عندما تصبح حياة الناس مهددة، يتحول المال إلى مجرد وسيلة بدون قيمة ولا جدوى، لكونه ببساطة أظهر عجزا عن حماية حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء.
أحد خبراء الاقتصاد بالأمم المتحدة قال إن الجميع مدعو إلى استعادة الجانب الأخلاقـي للفكر الاقتصادي، والتركيز على عملية صنع السياسات مجددا لمفهـوم المصلحـة العامـة، وإعادة تدريس الأخلاقيات، كجزء من برامج الاقتصـاد وإدارة الأعمـال، فعلم الاقتصـاد نشأ كفـرع جانبـي للفلسـفة الأخلاقيـة، ويجـب أن يعـود إلى جذوره.
هكذا يفكر خبراء الاقتصاد في مستقبل العالم، وعليه، فإن الرياضة لن تكون بمعزل عن هذه المتغيرات العميقة التي سيشهدها المعمور، بعد النجاح أولا في القضاء النهائي على الوباء القاتل.
عالمة فضاء إسبانية خرجت مؤخرا بتغريدة تقول فيها: “تمنحون للاعب كرة قدم مليون يورو شهريا ولباحث بيولوجي 1800 يورو، وتبحثون عن العلاج الآن، اذهبوا لكريستيانو رونالدو أو ميسي وسيجدان لكما العلاج“.
صحيح أن مضمون هذه التغريدة مستفز نوعا ما، لكنه يحمل الكثير من الحقائق ذات الدلالات العميقة، فالعالم مدعو للتوقف للحظة، ومراجعة مجموعة من الأنماط والأساليب التي حكمت حياة الإنسان المعاصر، فوباء مفاجىء شل الحياة بكافة المعمور، لتنهار معه المنظومة كاملة، فالبترول مثلا الذي كثيرا ما أشعل الحروب عبر العالم، وفتح جبهات متعددة، وخلف الكثير من الصراعات المدمرة، ونتج عنها مآس وكوارث، لم يعد يرغب فيه أحد، حتى لو قدم بالمجان وبأبخس الأثمان.
واجهزة الرياضة على المستوى الدولي مطالبة بإعادة النظر في الطرق والأساليب التي حكمت العالم الرياضي في العصر الحديث، فلم يعد من المقبول نهائيا كل هذا التسابق الجنوني حول شراء حقوق النقل التلفزي، وإبرام صفقات انتقالات اللاعبين، وعقود الإشهار، وبأرقام فلكية وصلت حدودا لا تصدق.
فالرياضة يجب أن تحافظ على نقائها والفلسفة والمبادئ التي أنشأت من أجلها، ألا وهي خدمة الإنسان أولا وأخيرا، وعلى هذا الأساس يجب أن تستمر بصفتها فعلا إنسانيا راقيا، مرتبطا بأحاسيس ومشاعر ملايين البشر، بعيدا عن كل الفوارق ودون مراعاة أي اختلاف في الهوية أو الديانة أو النشأة أو المعتقد، غنيا كان أم فقيرا، المهم في كل هذا هو الإنسان، أما باقي التفاصيل فلا تهم.
فالارتفاع الصاروخي في ميزانيات الأندية الكبرى، والأرقام الخيالية في العقود والرواتب، جعل الرياضة الحديثة في وضعية جد هشة، رغم كل هذا الثقل الذي أصبحت تمثله مؤسساتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ففي ظرف أشهر معدودة تراجع كل شيء، وأصبحت بسرعة كبيرة مهددة بالإفلاس، تطالب بدعم ومساعدة الدول التي تنتمي لها.
هذه الحقيقة التي يجب أن يستوعبها كل متدخل في المجال الرياضي، مع الإقرار بضرورة مراجعة الطرق والأساليب التي حكمت العالم الرياضي، بكثير من الجرأة والإرادة الحقيقية، قصد إحداث تغيير عميق يقود إلى مستقبل رياضي أكثر إنسانية وأكثر عدلا وتكافؤ، والرياضة المغربية معنية هي الأخرى بهذه الحقائق، ولابد من العمل بها مستقبلا…
محمد الروحلي