من يتحايل على الذاكرة التاريخية للاستعمار الفرنسي في الجزائر؟

من جديد عاد ملف الذاكرة التاريخية لاحتلال فرنسا للجزائر، من عام 1830 إلى عام 1962، إلى السطح خلال الزيارة التي قام بها في الأسبوع الماضي للجزائر وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، ولقد اتخذ هذا الملف بُعدا دراميا عندما حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استغلال هذا الموضوع الشائك خلال زيارته الرسمية للجزائر وخاصة حين ألحّ على الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وخلافا للأعراف الدبلوماسية، أن يزوّده بالوثائق الرسمية التي تُدين فرنسا بالحجة الملموسة لكي يحرّك أردوغان ملف مجازر فرنسا في الجزائر نيابة عن الشعب الجزائري الذي ترى نسبة معتبرة منه أن الوجود التركي في الجزائر لقرون عدة احتلالا تعسفيا، وذلك بعد إلحاق الجزائر بالباب العالي وتجريدها من سيادتها الوطنية المستقلة.
والحال فإن تدخّل الرئيس التركي أردوغان في ملف فرنسا / الجزائر هو بمثابة استخدام الجزائر كقناع من أجل توجيه ضربة إعلامية ودبلوماسية إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسبب وقوف فرنسا ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وموقفه المساند للأرمن في حقهم التاريخي لإجبار تركيا على الاعتراف بجرائم إبادة مليون ونصف أرمني بين عام 1914 و1923.
إلى جانب ذلك فإنّ قسما معتبرا من الرأي العام الجزائري يستغرب هذا الموقف التركي من جرائم فرنسا، في الوقت الذي تُبرز فيه الدراسات التاريخية أن الوجود العثماني في الجزائر الذي بدأ سلميّا في عام 1514 سرعان ما تحوّل ابتداء من عام 1518 إلى عام 1830 إلى احتلال حقيقي دام أكثر من ثلاثة قرون.
وفي هذا الصدد يتساءل الجيل الجديد في الجزائر، من خلال صوت الكاتبة والإعلامية الجزائرية المقيمة بفرنسا، فايزة مصطفى “ماذا بشأن مجازر الاحتلال العثماني للجزائر بعيدا عن كونه تمّ تحت لواء الخلافة الإسلامية؟ وماذا عن مشاركة تركيا مع فرنسا إلى جانب تحالف الناتو في قصف الثوار الجزائريين؟ ماذا عن كون تركيا البلد الإسلامي الوحيد الذي عارض قرار استقلال الجزائر في اجتماع هيئة الأمم المتحدة، بل وطالبت تركيا ضم الجزائر إليها لكونها كانت تحت حكم الباب العالي؟”.
في خضم عودة ملف الذاكرة التاريخية الفرنسية – الجزائرية إلى واجهة الأحداث أعلن وزير خارجية فرنسا لودريان أن بلاده ترغب في أن تعمل بلاده مع الجزائر على فتح ملف ميراث الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ولقد برز هذا الموقف بعد أن قارن الرئيس الفرنسي مؤخرا الاحتلال الفرنسي بتورط فرنسا في ترحيل اليهود إبّان الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا الخصوص أكد ماكرون على ضرورة التوصّل إلى توافق بين الجزائر وفرنسا من أجل التخلّص مما دعاه بنزاع الذاكرة الذي يشوّش شكليا على حاضر العلاقات الثنائية بين البلدين، لأن الوجود الفرنسي في الجزائر ليس اقتصاديا فقط وإنما يعتمد على التأثير الثقافي واللغوي والسياسي.
وفي هذا السياق يطرح المراقبون المهتمون بالعلاقات الجزائرية الفرنسية الأسئلة التالية؛ هل سيسمح النظام الجزائري بفتح هذا الملف الذي ستنجم عنه مفاجآت قد تكون ضد لمصالحه؟ هل صحيح أن الإدارة الفرنسية في عهد ماكرون قد أوصدت الأبواب أمام أرشيف الحرب الفرنسية الجزائرية أم أن الأمر مخالف لذلك؟
لماذا يتحايل النظام الجزائري حتى اليوم على ملف إعادة كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، حيث تدخلت أجهزة الدولة مرارا وأجهضت عدة ندوات حاول تفعيلها كبار رموز الثورة الجزائرية أمثال العقيد عمر أوعمران وصالح بوبندر وتوفيق المدني وعدد من رموز “جماعة 22” التي فجّرت الثورة التحريرية.
ولاشك أن ممارسات النظام الجزائري في عهد حكم الشاذلي بن جديد أفضت إلى تمييع تلك الندوات ولعبت دورا مفصليا في التغطية التعسفية على جزء مهم من الذاكرة التاريخية الجزائرية في فترة الاحتلال الفرنسي.
وهناك شهود عيان عاصروا عمليات شُنّت على نحو منهجي لكبت المؤرخين وقيادات الكفاح المسلح الجزائري، الأمر الذي أدى إلى طمس ملف الصراعات الكبرى التي شهدتها حركة التحرر الوطني وتخللتها تصفيات جسدية طالت رفاق الكفاح الوطني مثل أحداث مجزرة ملوزة المروعة، إلى جانب تصفية روّاد ثورة 1954، التي يفترض أن المخابرات الفرنسية لها علم بها وأنها قد وثقتها ضمن ملف الذاكرة التاريخية.
لاشك أن تعامل النظام الجزائري مع ملف الإرث الاستعماري الفرنسي في الجزائر يغلب عليه الطابع المزاجي حينا، وردّ الفعل ضد بعض مواقف الحكومة الفرنسية حينا آخر.
حتى الآن لا يريد النظام الجزائري السماح بفتح ملفات حقيقية مثل ملف تغيير فرنسا للخارطة الجغرافية بشمال أفريقيا، وملف التجارب النووية في الصحراء، وتحطيم أسلوب الإنتاج الأفريقي الآسيوي في البلاد وتعويضه بالأسلوب الرأسمالي الفرنسي المتاخم لبقايا الأسلوب الإقطاعي الموروث عن الوجود العثماني في الجزائر طوال ثلاثة قرون، وملف تخريب الطبيعة الوطنية، وكذلك ملف نفي الجزائريين عام 1873 إلى غويانا بأميركا الجنوبية المدعوة عند الجزائريين بكيان، وإلى كاليدونيا الجديدة بالمحيط الهادي حيث ما زالت أجيال من أبناء المنفيين الجزائريين محرومين حتى الآن من الجنسية الجزائرية وهويتهم الأصلية.

أزراج عمر كاتب جزائري

Related posts

Top