نخبة من الكتاب يتحدثون لبيان اليوم عن راهن ومستقبل اتحاد كتاب المغرب في أفق مؤتمره الوطني الاستثنائي

منذ عدة سنوات، واتحاد كتاب المغرب يشكو من التشرذم. مختلف فروعه مجمدة. وبالرغم من المجهودات التي كان يقوم بها المكتب التنفيذي للاتحاد، من أجل بث الروح في هذا الجسد، فإن الوضع لم يتحسن قيد أنملة.
ومما زاد الطين بلة، أن المؤتمر الوطني الأخير تعرض للفشل، وتم تبادل الاتهامات بين أطراف مختلفة. وكان لا بد من طرح السؤال: متى يتم وضع حد لكل الخلافات التي تعوق اتحاد كتاب المغرب عن مواصلة نشاطه؟
إذن، في أفق المؤتمر الوطني الاستثنائي لاتحاد كتاب المغرب الذي يجري الاستعداد لعقده، كان لبيان اليوم حوار مع نخبة من الكتاب المنتمين لهذه المنظمة العتيدة، للحديث حول راهنها ومستقبلها.

< كيف هي تجربتك الشخصية في اتحاد كتاب المغرب؟
> أعتز بانتمائي لاتحاد كتاب المغرب، في زمن كان الانتماء إلى الاتحاد شرفا، واعترافا بقيمة الكتاب، وبقيمة أعمالهم. أي منذ أكثر من ثلاثة عقود. لم أحصل على العضوية في زمن الإنزالات الانتخابية، التي بات فيها الانتماء هو التصويت في المؤتمر، وهو حشد الأصوات، بغض النظر عن قيمة الأعضاء، من هم، وماذا يكتبون، وما المواهب التي يتوفرون عليها، وهل هم وعد بشيء ما. السياسة، سابقا، كان لها دور في هذا المعنى، لكن الذين كانوا يديرون الاتحاد، كانوا صارمين في منح العضويات، ولم يتنازلوا عن قيمة العضو، باعتباره كاتباً، أو مفكراً ومبدعاً، لكن، بعد ذلك، الأمور تحولت إلى انتماء بدون معنى ثقافي، وبدون قيمة إبداعية، منذ نهايات التسعينيات من القرن الماضي إلى اليوم. ثمة من تحملوا المسؤولية في مكاتب الاتحاد، كانوا بين من جاؤوا إما من باب السياسة والحزب، أو كانوا مجرد أصوات، لا علاقة لهم بالكتابة ولا بالإبداع.
تحملت، إلى جانب عدد من الأصدقاء الشعراء والكتاب، مسؤولية فرع مدينة الدار البيضاء، وكان معنا في مكتبه الشاعر الراحل أحمد بركات، توفي وهو عضو مسؤول في مكتب الفرع. ما أنجزناه خلال النصف الثاني من التسعينيات، كان كبيرا ومهما، والصحافة والإعلام يشهدان على ذلك. وكانت اللقاءات والأنشطة التي أنجزناها ذات قيمة فكرية وإبداعية، وبحضور كتاب من الأجيال المختلفة، وأيضا الكتاب العرب والأجانب. مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الفرع، لست من أقول هذا، بل من عايشوا التجربة، وكانوا في قلبها، ورغم ذلك، تركت الفرع، ولم أعد إليه، بل تركت الاتحاد، وانشغلت بتأسيس بيت الشِّعر، الذي هو، حكاية أخرى، لا داعي للدخول في تفاصيلها الآن.
لم يقدم لي الاتحاد أي شيء، لم أسافر باسمه لأي مكان، لم ينشر لي ولا كتابا واحدا، ولم أنشر في مجلته، بل منذ انتهاء مهمتي ككاتب لفرع الدار البيضاء، لم أعد حاضرا في لقاءات الاتحاد، ولا في أي نشاط من أنشطته، محو وإقصاء شاملين، وهو ما استمر إلى حين انهيار الاتحاد، ودخوله في النفق الذي هو فيه اليوم.

< ما موقفك مما يقع حاليا في الاتحاد؟
> الاتحاد لم يعد قيمة مضافة في السياق الثقافي المغربي ولا العربي. منذ أواخر التسعينيات، عرف الاتحاد ترديا كبيرا في أفكاره وبرامجه، وما كان يجري فيه، كانت اللقاءات فيه احتفالية، لا لقاءات ثقافية، وتوزيعا لغنائم السفريات، والندوات واللقاءات، ونشر الكتب. لا سؤال، ولا قضية، ولا فكرة واحدة كانت تصب في ما هو ثقافي أو إبداعي أو فكري. لا تجديد في الأفكار والبرامج والتصورات، ولا تجديد في التنظيم وفي تدبير شأن الاتحاد، بل إن الاتحاد شرع، منذ هذا التاريخ، في التنازل عن استقلاليته، ودخل في شراكات مع جهات، لم يكن الاتحاد يعمل معها، وتم تعويم الاتحاد بالعضويات، لـ «كُتاب» لا أحد يعرف عنهم شيئا، سوى أنهم يعملون في جريدة الحزب، أو أنهم ينتمون لهذا الحزب أو ذاك من الموالين، وهذه كانت بدايات تآكل الاتحاد من الداخل، لأن من عُينوا، ولم يُنتخبوا، والتعيين كان حزبيا، وبينهم الرئيس، لم يكونوا في مستوى الاتحاد، وما كان يجره خلفه من تاريخ. حدثت هوة كبيرة بين ما كان، وما وقع، وبدأت الذوات الصغيرة تطفو على السطح، بسعيها للهيمنة، ليس على الاتحاد، بل على كل ما يتعلق بالشأن الثقافي. من حسن الحظ، ظهرت جرائد مستقلة، ومجلات جديدة، أتاحت لمن كانوا خارج الاتحاد، أن يجدوا الهواء الذي حررهم من هذا المنع والقتل والمحو والإقصاء، وكنتُ، شخصيا، بين هؤلاء، وسيُضاعف من أسست معهم بيت الشعر، قتلي، ولم يدركوا أن في بعض القتل حياة.

< ما هي الأسباب التي أدت في نظرك إلى الأزمة الحالية للاتحاد؟
> هو ما أشرتُ إليه من قبل. الاتحاد، بهذه السلوكات، وبالاستفراد الحزبي، والاستفراد الشخصي، وغياب مشروعات لأسئلة وأفكار وقضايا تنسجم ما طبيعة ما شرع يظهر من تحولا في الفكر والإبداع، وانهيار عدد من المفاهيم والسرديات الكبرى، كما يسميها ليوتار، خرج من السياق الثقافي الذي كان فيه سابقا، وأصبح جمعية تنظم حفلات، لا لقاءات، وتمنح صفات، بل إنه تحول إلى وكالة أسفار. كثيرون ممن كانوا يمثلون المغرب في العالم العربي، وفي غيره، ويتكلمون باسم الكُتاب لم تكن لهم علاقة باللقاءات، وكثيرون كانوا ينزلون من طائرة ليركبوا أخرى، باسم الاتحاد. وهذا الوضع، كان ازورارا عن المعنى الثقافي للاتحاد، وحتى عن المعنى الأخلاقي، الذي لم يكن حاضرا في إنصاف القيمة الإبداعية والفكرية، والاحتكام إلى النص لا الشخص.
ما تراه اليوم، جاء من هذه اللحظة، لحظة انطفاء المشروع الحداثي التنويري للاتحاد، وانتهاء السؤال داخله، ليتحول إلى غنيمة يتقاسمها أفراد يعرفهم الجميع، ويعرف ما خلفوه من جراح داخل جسم الاتحاد، بل هم من كانوا السبب الحقيقي، في انسحاب الكتاب، وفي غسل أيديهم من الاتحاد.
كنتُ اقترحت مشروعا نُشِر في عدد من الجرائد والمواقع الإعلامية، بشقيه التنظيمي والثقافي، كثير من أفكاره استعملت في مقترحات جلسات بعض اللجن التحضيرية، دون الإشارة إلى مصدره من قبل من أخذوا منه، فقط لتعويم هذا المشروع، الذي أراه هو الحل الوحيد لحل مشكلة الاتحاد، الذي يبدو أنه يسير نحو نهايته.
* ماذا تقترح لتجاوز الأزمة؟
– هذا المشروع نفسه. الذي رفضتُ فيه عقد مؤتمر، بل أن نكتفي في البداية بأيام دراسية، يعمل خلالها الكُتاب على التفكير في صيغة جديدة لاتحاد مختلف، ينسجم مع ما حدث من تحولات في السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي، وأن يكون المثقف هو المسؤول عن تدبير مؤسسته، وأن نخرج من القوانين التي يسير بها الاتحاد اليوم، لأنها قوانين لم تعد تصلح لزمننا هذا، وكذلك من حيث طبيعة اللقاءات والبرامج والأفكار، وحماية الاتحاد من التلاعب بأمواله، وببرامجه، أو تحويله، كما يحدث، إلى غنيمة حرب. ويمكنك أن تطلع على هذا البرنامج الطويل العريض، فهو منشور، وتم نسخه من قبل العديدين ممن يجترونه دون إدراك جوهره، وما يسعى إليه من تغيير حقيقي، لا من ترقيعات وترميقات.
الاتحاد، في فكرته القديمة انتهى، إما أن نعمل على تغييره جذريا، أو تأسيس كيان جديد، يستمد بعض تاريخه ومستقبله، من ماضيه، أعني منذ ما قبل أواخر تسعينيات القرن الماضي، التي كانت هي السبب في ما يعيشه الاتحاد اليوم من انهيار، ليس في تنظيمه أو برامجه، بل في قِيَمه. وليس مقبولا أن تجري خلافات الاتحاد في المحاكم. هذا ما حدث مع الأسف، وأنا رفضته، وكنت ضده، لأن من عمل على هذا الطرح، كان سببا في انهيار الاتحاد، وهو جزء من المشكلة. فهل من كان مشكلة، يمكنه أن يكون حلا؟.

< هل ستشارك في المؤتمر القادم؟
> أي مؤتمر، وبأي معنى، وفي أي أفق، ومن سيعقده؟ فأنا، كما يعرف الجميع، لم أشارك في مؤتمرات الاتحاد منذ من تركي لمسؤولية فرع الدار البيضاء. حضوري في أعمال اللجنة التحضيرية الأخيرة، كان بدافع من كتاب أحترمهم وأقدرهم، ولهم وزنهم الحقيقي في المشهد الثقافي، لا الوزن التلفيقي. دخلت اللجنة لأجد فيها بعض من كانوا مشكلة، وفهمت منذ اليوم الأول أن لا شيء سيحدث، واصطدمت مع بعضهم، لأنهم كانوا يعملون خارج اللجنة، ويأتون جاهزين لفرض أفكارهم، كما كانوا يفعلون دائما، وبينهم رئيس سابق، كان عليه أن يخجل من ماضيه وحاضره، وينسحب، وهو، من جر الاتحاد إلى هذا الوضع البئيس، وكان السبب في جر الاتحاد إلى المحاكم. في هذا الجو، هل تتصور أن هناك مؤتمرا، وأن الاتحاد سيعود إلى الحياة بهذه الصورة، وبهذا النوع من البشر الذي ليس له وجه ويلبس كل الوجوه!

< هل تقبل أن يتم تسيير الاتحاد من طرف المسؤولين في المكتب السابق؟
> كنت في أول حضور لي في اللجنة التحضيرية التي دعيت إليها، في المكتبة الوطنية، أثرت هذه النقطة، بالذات، والتمست من كل من تحمل المسؤولية في المكاتب السابقة للاتحاد، منذ تأسيسه إلى اليوم، أن لا يترشح، أخلاقيا، لدفع كل الشبهات عن الاتحاد، لأنه من الناحية القانونية، لاحق لأحد أن يمنع أحدا من الترشح، ورغم ذلك، كان هناك من يعمل على إعداد مكتب، واللجنة بعد لم تستقر على شيء، وشرع، بنفس طرقه القديمة، يصنع الدمى التي سيتحكم فيها عن بعد. وهذا هو مكمن الخلل في الأمر. اليوم، على كل من هم مشكلة في الاتحاد، أن ينسحبوا من كل شيء فيه، يبقوا مجرد أعضاء، لأن هؤلاء هم من يعطلون الاتحاد، ويسعون لقتله. والسبب، في كل ما يجري هو الطعم الذي وضعته الدولة لهؤلاء، وهو دار الفكر. تصور أن يتم في طنجة التفاوض على أن تأخذوا [أنتم] الاتحاد ونأخذ [نحن] دار الفكر. أليست هذه مهزلة، واستهتارا بالكتاب الآخرين، وكأن هؤلاء هم الاتحاد، أو من يقررون مصيره، وغيرهم مجرد كومبارسات أو ديكور في مشهد هزلي!

< ما هي المؤهلات التي ترى ضرورة توفرها لدى الرئيس المقبل للاتحاد؟
> لماذا ما زلتم تتساءلون عن الرئيس، وهذا ما كان يحدث في أعمال اللجنة التحضيرية، بينما القوانين الجديدة، التي اقترحت ضمنها، لجنة للتتبع والتقصي، وكان ثمة من سعى لرفضها، ودافعت عنها، تقوم بمراقبة المكتب المسير، في برامجه وفي ميزانياته، وفي سفرياته، في كل شيء، مرتين في السنة، وهذا ستجده في المشروع الذي أشرتُ إليه من قبل. الرئيس، في هذه الحالة، لا قيمة له، خصوصا حين ينكب جميع أفراد المكتب، على ملفات ومهام، يحاسبون عليها أمام الرئيس، ويحاسب الرئيس وهم عليها، أمام لجنة التقصي والتتبع التي تنشر تقاريرها وترسلها إلى جميع الأعضاء، ليعرف الجميع ماذا يحدث، وكيف يعمل المكتب المسير، ومن أخذ ماذا، ولماذا، بشفافية ووضوح. الرئيس، بهذا المعنى، هو عضو مسؤول على إدارة الملفات والمهام، وحين تقع اختلالات، المكتب كله يتحمل المسؤولية. حين نبحث عن رئيس فقط، فنحن نؤكد على فكرة الزعيم والقائد، التي هي فكرة دكتاتورية استبدادية، وهي ما دمر الاتحاد، وأحدث الخلافات والانشقاقات داخله، وأطلق أيدي بعض الرؤساء الذين كانوا بدون قيود محددة، وجرُّوا الاتحاد إلى الخراب.

< ما هي الأولويات التي ترى ضرورة طرحها للنقاش في المؤتمر؟
> الأولوية الأساسية، هي أن نعِيد تفكير أوضاع الاتحاد التنظيمية، بشكل جدي وجذري، وأن نعيد النظر في فكرة الاتحاد، في دوره ووظيفته اليوم، هنا والآن، وأن نعمل، قبل عقد المؤتمر على هذا التفكير، ثم نعمل على التفكير في الأفق الثقافي للاتحاد في إطار زمن التقنية، وزمن الانهيارات التي حدثت في كثير من التصورات والرؤى والمفاهيم أو السرديات. غير هذا، أي مؤتمر، إذا ما انعقد، سيكون الموت بمثابة النهائي للاتحاد، أن ثمة جمعيات تعمل أفضل من الاتحاد، وحاضرة في المشهد الثقافي، والعمل بهذا المعنى التنشيطي، فقط، ليس هو وظيفة الاتحاد، الاتحاد دوره ثقافي، بالمعنى الذي يجدد الأفكار، ويقترح الأسئلة، بل يطرحها، ويغير المسارات، والتصورات والمفاهيم، ويلعب دورا في حداثة الفكر وتنويره، وفي اختراق المجتمع، والانخراط فيه، خارج السياق السياسي، الذي لا يعني الاتحاد في شيء، بل إن السياسة هي من تحتاج إلى الثقافة والمثقفين، وإلى اتحاد بهذا المعنى المستقل والطلائعي.

< إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top