مع بداية السنة الجامعية الحالية 2017 – 2018، عادت إشكالية التسجيل بالبكالوريا القديمة لتطل على الواجهة، وتخلق جوا من التوتر بين شباب يرغب في إتمام دراسته، وبين جامعات ترفض الترخيص له بمتابعة الدراسة بعدما وضعت شروطا وصفت بالمجحفة في حق حاملي شهادة البكالوريا القدامى.
مواقع التواصل الاجتماعي كانت قد تفاعلت مع أحقية التعليم والتسجيل بالبكالوريا القديمة. وعبر عدد من المواطنين، من خلالها، عن رغبتهم في إتمام دراستهم بسلك التعليم العالي، إذ طالب هؤلاء بتمكينهم وتمكين حاملي شهادة “البكالوريا القديمة” من التسجيل في الجامعات لأجل متابعة دراستهم.
ومع اتساع عدد المطالبين بمتابعة الدراسة بـ “البكالوريا القديمة” انتشر هاشتاغ “من_حقي_نقرا” بمواقع التواصل الاجتماعي، كالنار في الهشيم. بعدما روجه عدد من النشطاء بهذه الشبكات للدفع نحو توسيع دائرة التنديد بموقف الرفض الذي تبديه الجامعات تجاه حاملي البكالوريا التي تعود لأزيد من سنتين.
حملة تهكم واسعة
لم يخل قرار عدم السماح بتسجيل حاملي البكالوريا التي يتعدى تاريخ الحصول عليها سنتين بالجامعات المغربية، من تهكم وسخرية من قبل عدد من الشباب المغربي، الذي روج صورا ومقاطع فيديو، تتهكم على القرار وتناقشه بشكل هزلي.
من جملة ما راج على مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنة شهادة البكالوريا بعلب السردين، التي يقول عدد من المغاربة إن تاريخ صلاحيتها طويل الأمد بالمقارنة مع شهادة تمنحها وزارة التربية الوطنية. كما قارن العديد من الشباب والطلبة شهادة البكالوريا بعديد من المواد الاستهلاكية طويلة الأمد والتي يتعدى تاريخ نهاية صلاحيتها سنتين، أي التاريخ الذي لا تعود فيه هذه الشهادة مقبولة في الجامعات المغربية.
برلمانيون يعيدون النقاش إلى الواجهة
مع بداية الموسم الجامعي الحالي 2017 – 2018، تجدد النقاش حول التسجيل بالبكالوريا القديمة، لكن هذه المرة بحدة أكبر، ما جعل الموضوع يصل إلى قبة البرلمان، عبر سؤال كتابي وجهته النائبة فاطمة الزهراء برصات، عن المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، إلى خالد الصمدي كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي.
سؤال النائبة التقدمية تمحور بشكل مباشر حول حرمان حاملي شهادة “الباكالوريا القديمة” من التسجيل في الجامعات. حيث جاء في سؤال النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية “بلغنا من العديد من الطلبة أن المؤسسات الجامعية ترفض طلبات عدد من المواطنات والمواطنين الراغبين في متابعة دراساتهم الجامعية بدعوى تقادم شهادة الباكالوريا التي يحملونها”.
وتابعت النائبة أن هذا “الأمر يمس بحقهم في مواصلة تعليمهم الجامعي، كما يمس بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الولوج إلى التعليم، وهي المبادئ التي لا يقبل الْيَوْمَ في ظل دستور 2011، الذي يحث على ضرورة تيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات من تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، أن نتحدث عن تقادم شهادة الباكالوريا، ورفض طلبات التسجيل بالجامعات المغربية لهذا السبب”.
ووجهت فاطمة الزهراء برصات، في هذا الإطار، سؤالها حول التدابير والإجراءات التي تنوي كتابة الدولة المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي اتخاذها من أجل تيسير تسجيل حاملي شهادة الباكالوريا – بغض النظر عن تاريخ الحصول عليها-في الجامعات المغربية.
تاريخ القرار.. ومن اتخذه؟
يعود تاريخ إلغاء التسجيل بالبكالوريا القديمة إلى سنة 2012، بعدما رفضت الجامعات المغربية تسجيل الطلبة الذين تحصلوا على شهادة البكالوريا قبل سنة 2011، حيث اقتصرت الكليات خلال الموسم الجامعي 2012 – 2013، على تسجيل الحاصلين على بكالوريا 2011 و2012.
وكانت الجامعات المغربية قد بررت عدم سماحها بتسجيل طلبة البكالوريا القديمة بكون الطاقة الاستيعابية لعدد من الكليات لا تسمح بتسجيل كل الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا القديمة.
كما سبق لوزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر السابق لحسن الداودي، أن أكد على أن بعض الكليات ترفض تسجيل البكالوريا القديمة بسبب الاكتظاظ وضعف الطاقة الاستيعابية لهذه الكليات. وأشار آنذاك إلى أنه شرع في بناء مدرجات بصفة استعجالية، كما كان قد تعهد مرارا في جلسات الأسئلة الشفوية بالبرلمان بطيّ صفحة الاكتظاظ والتأطير في الجامعات المغربية ومشكل الكم، ليتم الانتقال إلى التركيز على الجودة.
2014.. القضاء الإداري ينتصر لحاملي البكالوريا
مباشرة بعد توالي المواسم الجامعية، رسخت الجامعات المغربية قرارها بعدم تسجيل حاملي شهادات البكالوريا، مما زاد من شدة الاحتقان في أوساط حاملي شهادات البكالوريا القديمة الراغبين في إتمام دراستهم الجامعية.
سنة 2014 تقدم خمسة طلبة موظفين شباب من مدينة بركان للتسجيل بجامعة محمد الأول بوجدة، ليتفاجؤوا بعدم قبول تسجيلهم بمبرر أن شهاداتهم قديمة، ليلجأ الشبان إلى المحكمة الإدارية لتفصل بينهم وبين جامعة محمد الأول.
وبعد اطلاعها على الملف وإثبات المنع الذي كان مصوغا تجاه هؤلاء بواسطة محضر معاينة أنجزه مفوض قضائي، أصدرت المحكمة الإدارية حكما قضى بإلغاء القرار، وتمكين الطلبة المشتكين من التسجيل، وإبطال قرار الجامعة الذي اعتبرته المحكمة حرمانا من حق دستوري في التعليم والتسجيل في الكلية.
وكان المئات من الطلبة ينتظرون هذا القرار بالكثير من التوجس، فلم يكن كافيا توقيف تنفيذه، إذ كان لدى البعض تخوفات بإقرار القرار وتمكينه من قوته القانونية، وهي الاعتبارات التي دافعت بها الكلية أمام القضاء، إلا أن القرار جاء ليؤكد حق الطلبة الحاصلين في التسجيل بالكليات بغض النظر عن تاريخ الحصول على الباكالوريا.
وكان دفاع الطلبة آنذاك قد اعتبر أن حق التعليم أكبر من أن يمنعه قرار إداري أو حتى مرسوم وزاري في حال وجوده، ولا حتى قانون، لأنه حق دستوري حسب الفصل 31 من الدستور المغربي، موضحا في تصريح للصحافة آنذاكـ أن الولوج اليسير للتعليم أضحى مقررا دستوريا، قبل أن يتساءل في هذا السياق “كيف يمنع حاملو شهادة البكالوريا من التسجيل بالجامعات بعد مرور سنة أو سنتين من الحصول عليها، وكأننا أمام شهادة تنتهي صلاحيتها؟”.
كما كان قد أكد أيضا أن من العيوب المخالفة للقانون في القرار، أنه صدر بشكل مخالف للقانون، لكونه “لم يصدر معللا، ولا مستندا على نص قانوني يخول صدوره، بل مكتفيا بالإشارة إلى أن التسجيل مفتوح حصريا أمام الحاصلين على شهادة الباكالوريا التي لا يتعدى تاريخ الحصول عليها سنتين.
قرار المحكمة وإن كان متعلقا بملف طلبة وجدة سنة 2014، فإنه يشكل مرجعا يستند عليه آلاف الطلبة بعموم المواقع الجامعية المغربية، وحتى إن اقتضى الحال، فإن القرار سهل المأمورية على باقي المحاكم الإدارية في المدن الأخرى.
آمال معلقة على السنوات القادمة
بيان اليوم، وفي إطار بحثها في الموضوع، تحدثت مع مجموعة من الشباب حاملي “البكالوريا القديمة”، الذين عبروا بشكل جماعي عن امتعاضهم من هذه القرارات التي تتخذها الجامعات ضدا على القانون والدستور الذي جعل من التعليم حقا لكل مواطن ومواطنة.
جمال شاب في ربيعه الثالث حاصل على البكالوريا سنة 2010، يقول في حديثه لبيان اليوم، “بعد حصولي على شهادة البكالوريا بإقليم تاونات سنة 2010 لجأت للعمل بمدينة فاس، لم تكن ظروفي تسعفني لإتمام دراستي الجامعية”، مضيفا، “سنة 2013، قررت أن أبدأ مشواري الجامعي وأستأنف الدراسة من جديد. لكنني تفاجأت بعدم قبول تسجيلي بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية ظهر المهراز التابعة لجامعة سيدي محمد بنعبد الله بفاس، وذلك بمبرر أن شهادتي تقادمت ولم تعد صالحة”.
وبمرارة يتابع جمال، “اضطررت للاعتصام، لكن لا جدوى.. لم يتم قبول طلبي إلى اليوم، رغم أن المحكمة الإدارية حكمت ببطلان القرار بوجدة، وهو ما يعني بطلان القرار بجميع الجامعات، لكن ولا جامعة ترضخ لقرار المحكمة الإدارية، كلهم متعنتون ويرفضون تسجيلي كما يرفضون تسجيل الآلاف من الطلبة الذين لم تسمح لهم الظروف بإتمام مسارهم الدراسي”.
من جانبها، تقول أميمة، “مع حصولي على البكالوريا سنة 2014 بمدينة تاهلة لم تسمح لي عائلتي بالتوجه إلى مدينة فاس لإتمام دراستي بشعبة الاقتصاد، خصوصا وأنني كنت أطمح للتسجيل بها. لم تقتنع عائلتي حتى فات الأوان”. وتتابع أميمة “هذه السنة وبعدما أقنعت عائلتي بالتسجيل بشعبة الاقتصاد بكلية الحقوق بفاس لم يقبل طلبي لأن شهادتي تعود لسنة 2014”. معلقة على ذلك “إنه فعلا أمر محبط”.
لكن رغم هذه التصريحات التي تحمل في طياتها خيبة أمل كبيرة لعديد من الشباب، إلا أن الأمل كان حاضرا في معظم التصريحات، حيث عبر الكثيرون عن أملهم في الحملة الواسعة التي يخوضها حاملو شهادة الباكالوريا بمواقع التواصل الاجتماعي، كما استبشروا خيرا بوصول قضيتهم إلى قبة البرلمان، إذ يمني عدد من الشباب، الراغبين في إتمام دراستهم الجامعية، النفس، بإعادة النظر في التسجيل بالجامعات وفتحها في وجه حاملي شهادة البكالوريا انطلاقا من الموسم الجامعي المقبل، وذلك بغض النظر عن تاريخ الحصول على هذه الشهادة تكريسا للحق في التعليم.
توفيق امزيان