هي خطايا تستحق الإدانة

عندما تعرض شباب الفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية، الأسبوع الماضي أمام مقر البرلمان وسط الرباط، لاستفزازات وإهانات من طرف أمنيين بزي مدني تسللوا وسط الصفوف، ولم يسلم من تصرفاتهم الهوجاء حتى المدير العام لأمنيستي الذي كان في عين المكان، استغرب الكثيرون لإصرار بعض الأمنيين على «الزيادة في العلم»، وعلى الإساءة للبلاد بهذه الطريقة البشعة والغبية في آن. لقد كان شباب أمنيستي يقدمون عرضا تشخيصيا في غاية الروعة والإتقان للتحسيس بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، ولدعوة أعضاء البرلمان المغربي للانخراط في هذه الحملة، والتظاهرة كانت مرخصة، والإقبال عليها كان مكثفا من لدن الشباب والمارة في شارع محمد الخامس، فضلا عن حضور برلمانيين وحقوقيين وممثلي وسائل إعلام مغربية ودولية، وهي جاءت كذلك متزامنة مع تنظيم مؤتمر إقليمي حول عقوبة الإعدام في الرباط، وكان عدد من المشاركين فيه قد حلوا في العاصمة المغربية من أجل ذلك، وهنا جاء أمنيونا وقدموا لكل من أراد «هديتهم» الخاصة، وقد نجحوا فعلا في الإساءة إلى المغرب.
في نفس الفترة الزمنية تعرض أيضا صحافيون مغاربة في الدار البيضاء إلى تعنيف وتنكيل وإلى كثير من الإهانة، أثناء ممارستهم لواجبهم المهني، والمبرر الحقيقي الوحيد في هذه الإساءة الثانية، كان هو الإصرار على احتقار الصحافة المغربية والإساءة إلى مهنييها.
اليوم، مثل هذه الممارسات الطائشة هي التي تشجع متطرفين وظلاميين للهجوم على الصحافة والصحفيين.
أحدهم خرج شاهرا عنفه ولسانه في حق أسبوعية «الأيام»، ووصف ملفا كانت الصحيفة قد نشرته قبل شهور يتعلق بالحياة «الحميمية للرسول» بالحامل لـ «الرداءة» و»الخُبث» و»قلّة الحياء» و»السفاهة»، معتبرا الصحيفة قد «توالت إساءاتها للنبي والصحابة بأسلوب فجّ وبداعي البحث في الطابوهات»، ما يعتبر تحريضا حقيقيا عليها وعلى زملائنا العاملين فيها، وأيضا تخويفا وترهيبا لجميع الصحفيين.
ثم هناك آخر من ذات الطينة تقريبا طالب وزير الاتصال بـ «العين الحمرا» تجاه الصحافة والصحفيين، ناسيا أن نفس الوزير كان قد أعلن قبل مدة قصيرة عن تنصيب لجنة علمية لإصلاح التشريعات المتعلقة بالصحافة والصحفيين، وأن مطالب المهنيين تركز على إعلاء مبدأ الحرية، وأيضا التنظيم الذاتي للمهنة، وجعل القانون هو الفيصل في كل الخلافات ذات الصلة، وهذا المنحى طبعا ليس فيه لا «عين حمرا»، ولا ترهيبا ولا تكفيرا ولا استبدادا.
أحيانا تقترف بعض الأوساط السياسية والأمنية خطايا في حق البلاد بأكملها، كما لو أنها توجه طعنها لبلد خصم أو عدو.
ومن جهة أخرى، فإن الإصرار على إهانة الصحفيين، وخنق الصحافة وعدم إبداء أي احترام لصحافة البلد، هو بالضبط ما يطيل زمن الهشاشة والاختلال في هذا القطاع.

إن بلدا يعتز بديناميته الديمقراطية وبتميز نموذجه الإصلاحي على صعيد المنطقة كلها، ليس من حقه أن يسيء لنفسه بمثل هذه الأخطاء والخطايا، كما أنه ليس من حقه الاستمرار في الافتقار إلى دعامات إعلامية ذات جودة مهنية عالية وبانتشار وإشعاع واسعين داخل الوطن وخارجه، ثم ليس من حقه كذلك ترك قطاع الإعلام والصحافة خارج زمن التغيير والتأهيل.وإن ما تم سرده أعلاه يعتبر فعلا خطايا حقيقية اقترفت في حق البلاد، وهي تستحق الإدانة والرفض والاستنكار.

[email protected]

Top