1967 صدمة النكسة.. 1970 المغرب يحدث ضريبة “فلسطين”

المغرب وفلسطين تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات

في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية

في كتاب الأستاذ عبد الصمد بلكبير فلسطين قضية وطنية، يتحدث عن واحدة من أكبر المحطات التي تركت شرخا في حياة الشباب المغربي، ليس المغربي فحسب وإنما الشباب العربي، ويتعلق الأمر بنكسة 1967.
ويقول الأستاذ بلكبير في مقدمة الكتاب ويأتي العام 1967 وهزيمة الجيوش العربية في مواجهة الغدر والخديعة، من قبل الإمبريالية الأمريكية وقاعدتها العسكرية في فلسطين المحتلة. وتشكل أكبر صدمة وعي في تاريخ الشباب المغربي، الذي انتفض في الشارع، وانتفض خاصة في الجامعة، وانتفض على قياداته الحزبية والثقافية والدينية.. وكانت نقطة انطلاق ما يسمى بـ “اليسار الجديد والذي لا يمكن فهم أو تحليل مغرب السبعينيات والثمانينيات بدون إدخاله في الحساب والتحليل، كفاعل رئيس، وعلى جميع المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية – النقابية…. في المغرب المعاصر.
ويتابع الأستاذ بلكبير ونفس الأمر حدث بالنسبة للأحزاب الوطنية، خاصة من ذلك الزعيم عبد الرحيم بوعبيد في خطبة نقدية شاملة، بما في ذلك للذات الحزبية. في سينما النهضة بمدينة سلا على إثر الهزيمة مباشرة، ثم برقية القائد النقابي المحجوب ابن الصديق الاحتجاجية، والتي اعتقل وحوكم وسجن على إثرها . ثم جاءت المبادرة الوطنية بتأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني بقيادة أبو بكر القادري، والتي كانت اللبنة الأولى للتأسيس اللاحق لـ “الكتلة الوطنية” (1970).
وضمن هذا الحادث البارز، كان الشارع العربي والمغاربي يغلي بشكل كبير من أجل فلسطين، خصوصا ما أحدثته هزيمة الجيوش العربي من كسر في نفوس العرب، لاسيما وأن الاحتلال تمادى خلالها أكثر في احتلال أراضي فلسطين، بل وتعاداها واحتل صحراء سيناء المصرية حينها.
وهنا في المغرب انعكست هزيمة الجيوش العربية برفع وتيرة الدفاع عن القضية ونبذ العدو الصهيوني، وبعد تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني والتي بالمناسبة ما تزال تشتغل بدينامية كبيرة إلى اليوم وتضم كل من حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وعدد من القوى الوطنية والفاعلين السياسيين والمدنيين، جاءت مبادرات أخرى، ضمنها ما ذكره الأستاذ بلكبير حول مبادرة الشهيد عمر بنجلون، رفقة الشاعر الوديع الآسفي، إلى تأسيس جريدة “فلسطين” (1968) والتي قال إنها كانت مساهمة متميزة في تاريخ الوعي السياسي الوطني والممارسة الصحافية في المغرب، وكانت مبادرة فريدة في الساحتين العربية والإسلامية.
ثم يضيف المصدر نفسه أنه صدر لاحقا العدد الخاص من مجلة أنفاس” (1969) والذي كان مناسبة لنقد ذاتي شامل للنخبة المغربية في المسألتين الفلسطينية خاصة والقومية عموما. وشكل منعطفا حاسما في تاريخ اليسار المغربي، أعقبته الأعداد العربية من “أنفاس” والتي كانت اللسان الثقافي للتنظيمين: إلى الإمام و23 مارس.
ولم تذكر فقط المبادرات السياسية والمدنية من قوى الشعب، بل حتى على المستوى الرسمي، حيث بادرت السلطات المغربية بإرسال تجريدة عسكرية توقفت بمدينة بنغازي في ليبيا ، لأنالحرب كانت قد انتهت، كما جرى فرض ضريبة غير مباشرة لفلسطين بالنسبة للمغاربة وهمت حينها السجائر وقاعات السينما.
وما يزال المغرب منذ 1970 يفرض بظهير شريف، ضريبة على بيع السجائر وعلى تذاكر السينما والمسرح، قيمتها بضع سنتيمات، ويخصص ريعها لمساعدة الشعب الفلسطيني، وتدر حوالي 70 مليون درهم كل عام، حيث ينص الظهير الشريف حرفيا على أنه “يفرض لمساعدة الشعب الفلسطيني أداء خاص على جميع أنواع التبغ، ويستخلص هذا الأداء في شكل تصويرات توضع على علب التبغ والسجائر واللفائف طبق الشروط الآتية: 0.05 درهم فيما يخص التبع والسجائر واللفائف من النوع العادي، و0.10 درهم فيما يخص التبغ والسجائر واللفائف من النوع الممتاز”.

 إعداد: محمد توفيق أمزيان

Top