7 مؤسسات فكرية وطنية تدعو إلى حوار وطني شامل

في مبادرة جديدة، دعت سبع مؤسسات فكرية وطنية إلى حوار وطني ونقاش شامل بين مكونات المغرب شعبا ودولة بهدف الخروج من الوضعية “المقلقة” التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وإحداث انفراج في كافة المسارات.
الدعوة التي وجهتها المؤسسات السبعة، والتحقت بها مؤسسات فكرية وطنية أخرى، تأتي حسب ممثلي هذه الهيئات في سياق تعيش فيه البلاد وضعية مقلقة تساءل كافة الفاعلين والقوى الحية في البلاد.
وبسط ممثلو التنظيمات السبعة وهي مؤسسة علي يعتة، مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، مؤسسة علال الفاسي، مؤسسة أبو بكر القادري، مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، مركز محمد بنسعيد آيت يدر، مركز محمد حسن الوزاني، في لقاء جمعهم أول أمس السبت بالرباط، أبرز المقترحات لتحقيق نهضة جامعة وفتح نقاش وطني يشمل جل الفئات وجل الفاعلين للنظر في الوضعية الراهنة والإجابة عن الأسئلة العالقة لتحقيق التقدم والخروج من الوضعية الراهنة.
وقال ممثلو المؤسسات الفكرية المذكورة إنه من الضروري تمكين الشعب المغربي، بمختلف قواه الحية، من لحظة حوار واسع حول مشروع النموذج التنموي الجديد، لاسيما أنه سيرهن السياسات العمومية لعدة عقود، مؤكدين على ضرورة تمكين المغاربة من مناقشة هذا النموذج بشكل واسع قبل تصريفه كسياسات عمومية.
وأضاف المتدخلون أن بلورة نموذج تنموي جديد، بعد حوار واسع يشمل مختلف مكونات وفئات ومناطق المغرب، كفيل بتوطيد التفاعل الإيجابي وتعزيز الثقة بين المجتمع والدولة، كما يمثل، وفق تعبيرهم، “الضمانة لتوفير الشروط الضرورية لإنجاح مشروع نراهن، جميعا، على أن يؤسس لتعاقد اجتماعي جديد”.
في هذا السياق، وفي كلمة قدمها باسم المؤسسات الفكرية السبعة، لفت مولاي اسماعيل العلوي الرئيس المؤسس لمؤسسة علي يعتة والقيادي في حزب التقدم والاشتراكية، إلى أن أكد أن أكبر تصدع يعاني منه المغرب هو تآكل الثقة بين المجتمع والدولة، بل وانكسار هذه الثقة.
وشدد العلوي على أن الوضع الذي تعيشه البلاد “يرغمنا على الاعتراف بأن بلادنا تعيش منذ سنوات وضعية أقل ما يمكن وصفه بها أنها وضعية مقلقة تسائل الكل”، وفق تعبيره.
وأوضح الرئيس المؤسس لمؤسسة علي يعتة أن المغرب يواجه تحديات كبرى قد ترهن مستقبله، وهو ما يستدعي تبني مقاربة تنموية جديدة وملحة، من أجل توطيد مغرب المواطنة المتجددة.
هذا التوطيد أكد مولاي اسماعيل العلوي أنه يأتي بمساواة فعلية وببذل المزيد من الجهد واستنهاض الإرادة السياسية لضمان هذه المساواة بين المواطنين والمواطنات، وكذا ضمان تكافؤ الفرص بين الجميع.

تقوية الوحدة الوطنية

في هذا الصدد، دعا العلوي إلى تقوية الوحدة الوطنية ودعمها بالتعبئة المتضامنة للجميع، قصد مواجهة الظروف الصعبة والمقلقة التي تعيشها البلاد، معتبرا أن التعبئة الوطنية تمثل شرطا ضروريا لوضع البلاد على السكة الصحيحة.
ومن بين المداخل لتجاوز حالة القلق، سجل العلوي ضرورة إرجاع الثقة إلى العلاقة بين المجتمع والمؤسسات، حيث قال إن مجموعة من الدراسات العلمية والبحوث الأكاديمية وكذا العديد من التقارير بما فيها تلك الصادرة عن بعض مؤسسات الدولة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية أشارت بدورها إلى مشكل انكسار الثقة بين المجتمع والدولة.
وأضاف المتحدث أنه مهما قامت الدولة بوضع مخططات ورصدت الأموال لتنفيذ مشاريع تهدف من ورائها للدفع بالتنمية البشرية في جهة ما، أو لمحاولة تقليص فوارق اجتماعية أو بشرية أو درء أخطار بيئية، فإنها لن تؤت أكلها ولن تؤدي هذه المجهودات سوى إلى استفادة قليلة لهذه الفئات، كما سيؤدي الأمر إلى استمرار تفشي اليأس أحيانا وانفجار الغضب وانكسار الثقة، مبرزا أن الحل يكمن في سبل طي هذا الشرخ، وهو الذي لا يمكن أن يتم، حسب العلوي، إلا بـحوار بناء.
سوء توزيع الثروة الوطنية

في هذا الإطار، لفت العلوي إلى أن الإخفاقات، المتجلية في تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية واستفحال مظاهر التخلف والإقصاء الاجتماعي، والزيادة في حدة الشعور بالحرمان والبؤس لدي الكثير من المواطنات والمواطنين، ناتجة عن سوء توزيع الثروة الوطنية، وفي افتقاد العديد من السياسات العمومية للفعالية والنجاعة، بسبب غياب الالتقائية وعدم التوفيق بين النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة.

صرخات الغضب

هذا، وبعدما نوه بمشروع التغطية الاجتماعية، وبالتطور الملحوظ على مستوى البنية التحتية، مؤكدا أنها إنجازات ومكتسبات لا يمكن التردد في تثمينها، سجل العلوي “أنه رغم كل هذه الإيجابيات إلا أنه وبكل موضوعية وبدون سقوط في أي مزايدة مجانية لا بد من الاعتراف بالنقائص والثغرات المسجلة على الخصوص في المجالات الاجتماعية، وفي برامج محاربة الهشاشة”.
ونبه القيادي في حزب التقدم والاشتراكية إلى تزايد صرخات الغضب التي يطلقها المواطنون من فئات وجهات مختلفة، وأكد أن إنقاذ الوطن من الانزلاق إلى وضع يزداد تدهورا، يقتضي خلق الشروط التي تسمح بإطلاق نقاش شامل بين مكونات المغرب شعبا ودولة، بهدف تهيء الأجواء لهبة وطنية جامعة، مشددا أن أول أمر يفرض نفسه علينا لتفادي هذا الانزلاق هو إرجاع الثقة للعلاقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة.
كما شدد على دور الدولة، التي قال إنه من واجبها الإنصات لصرخات الغضب الصادرة من عمق المجتمع، وتجنب التصرفات السلبية التي تؤدي إلى التشنج والتطاحن والتوتر وحتى إلى مواجهات.

نقاش علني واسع

إلى ذلك، وجه مولاي اسماعيل العلوي نداء باسم الهيئات السبعة إلى كافة المهتمين بالشأن العام يهدف إلى فتح نقاش علني واسع حول مستقبل الوطن يتطرق ابتداء من الأسابيع المقبلة إلى بعض المحاور المتعلقة بالإصلاحات السياسية التي لا غنى عنها، سبل إعطاء مضمون منتج ومقنع للديمقراطية على المستوى المحلي والجهوي والوطني، بالإضافة إلى الإجراءات السياسية والقانونية الكفيلة بوضع حد للفساد والرشوة واستغلال النفوذ، وتؤدي إلى إرساء قواعد استقلال القضاء وترسيخ الحريات وضمان صيانة الحقوق، فضلا عن مستلزمات إرساء مرفق عمومي ذي جودة في مجالي التعليم والصحة.
كما دعا العلوي إلى بلورة المشترك المؤسس لوطنية متجددة وبلورة أسس متينة جديدة تفي بحاجيات التقدم والازدهار والنماء، من خلال التأسيس الجماعي لرابطة المواطنة، بما تستدعيه من قيم ونمط عيش ونموذج تنموي ومخيال جماعي ينهل من الإيجابي في التراكم المحصل من تاريخ المغرب ومن تجارب أخرى.

سياق النزول

إلى ذلك، بسط مولاي اسماعيل العلوي أساب نزول مبادرة المؤسسات الفكرية الوطنية السبعة، بحيث لفت إلى أن هذه الهيئات عقدت عدة لقاءات لتوحيد الرؤى وتقوية المشترك لبحث سبل الاطلاع بأدوارها في ظل السياقات العامة والمصيرية التي تمر منها البلاد، محاولة طرح السؤال الصحيح أولا، قبل تلمس الإجابة الجماعية عليه ثانيا.
وأكد أنه بعد نقاش عميق وجاد وهادئ، وأمام الفراغ الفكري السائد، وغياب النقاش العمومي الجاد والحوار السياسي المسؤول، حيث تقدمت كل مؤسسة بورقتها المتضمنة لتصوراتها واقتراحاتها، فقد ارتأت أن تطلق نداء موجها لكل القوى الحية في البلاد من أجل حوار وطني شامل لبناء مغرب جديد، يضم كل مكونات وفئات البلاد لتوطيد الثقة وتوفير الشروط الضرورية لإنجاح مشروع نراهن جميعا أن يؤسس لتعاقد اجتماعي متجدد.
وشدد على أن هذه الهيئات ملتزمة بالانخراط بقوة في هذا الحوار والنقاش المجتمعي والتعبئة الوطنية في أفق البلورة الجماعية لمواطنة متجددة، وتحصين الوطن في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
وأبرز أن هدف هذه المؤسسات الفكرية هو ملء الفراغ وخلق فرص للنقاش والحوار دون أي دغمائية أو تحجر فكري، مشيرا أن هذه المبادرة ليست جامدة أو منغلقة على ذاتها، كما أنها ليست صدامية ولا تهدف لأي مواجهة كيف ما كانت، وستظل منفتحة على كل الفعاليات والطاقات الوطنية، مؤكدا أن ما يحرك هذه المؤسسات التي ستعقد سلسلة من الندوات وحوارا وطنيا شاملا، هو الإحساس العالي بالمسؤولية والروح الوطنية الصادقة، لأن التاريخ لا يرحم ويسجل كل شيء، ولذلك فعرفانا بالأسماء الوطنية الكبيرة التي تحملها هذه المؤسسات والمراكز، واستحضارا لتضحياتها الجسام فإنها تبادر لخلق هذا الحوار الوطني، الذي ينسجم مع رغبات المغاربة المتعطشين لبناء مغرب الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
إلى ذلك، عرف اللقاء الذي احتضنته قاعة علي يعتة بالمقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط سلسلة من التدخلات عن المؤسسات الفكرية السبعة ومؤسسات فكرية أخرى من ضمنها أكاديمية المهدي بنبركة، ومؤسسة عبد الهادي بوطالب ومؤسسات أخرى، والتي أجمعت في مجملها على ضرورة إيجاد تنزيل ناجع لأرضية الحوار الوطني المزمع والانخراط فيه ووضع التصورات الضرورية للمغرب الجديد الذي يطمح إليه الجميع.
يشار إلى أن اللقاء الذي انعقد أول أمس السبت، جاء بعد سلسلة من الاجتماعات المشتركة بين المؤسسات السبعة، وهي مؤسسة علال الفاسي، مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، مؤسسة علي يعتة، مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة، مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، مركز محمد بنسعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات، مركز محمد حسن الوزاني للديمقراطية والتنمية البشرية.
وكانت المؤسسات المذكورة قد أوضحت أنها اتفقت على تصور القيام بمبادرة جماعية ذات بعد مواطنتي، نائية بنفسها عن أي مزايدة سياسية أو حسابات انتخابية أو تنافس حزبي، على أساس أن تواصل خلال الأسابيع المقبلة تنزيل تصورات هذا الحوار الوطني وكذا تفاعل باقي الفاعلين والقوى، مبرزة أنها تفتح الباب لجميع المؤسسات الفكرية ومختلف الفاعلين للمساهمة في وضع أرضية لهذا النقاش الشامل الذي يجب أن يجمع جميع المغاربة.

< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top