الرأسمالية لا تحترم السياسات الإيكولوجية إلا مرغمة

في ندوة نظمتها مؤسسة علي يعتة بمقر حزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء

معالجة القضايا البيئية لا يمكن أن تتم بمعزل عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية

نظمت مؤسسة علي يعتة ندوة حول موضوع ” هل يمكن للنظام الرأسمالي أن يحترم السياسات الإيكولوجية”، يوم الخميس 06 فبراير الجاري بمقر حزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، وحضر اللقاء أحمد زكي عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ودليلة لوديي عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وعبد المجيد بن ريسول أستاذ جامعي وخبير اقتصادي.
في بداية هذه الندوة أكد أحمد زكي أن النظام الرأسمالي واحترامه للسياسات الإيكولوجية موضوع مهم جدا يجب التطرق إليه في الظرفية الحالية، خاصة و”أننا لا زلنا في بداية هذا المجال، فكما نعلم أن هناك تصورات مختلفة حول تطور الكون خصوصا المحيط الذي تعيش فيه البشرية”، مضيفا أن التغيرات المناخية التي نناقشها في هذه الندوة ناتجة عن البشر حيث لها علاقة الإنتاج الاقتصادي التي تعرفها البشرية خاصة في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي، فهذه الظاهرة التي تسمى “العلاقة بين المناخ والنشاط الاقتصادي”.
وأوضح زكي أن الرأسمالية لا يمكن أن تتبنى الاختيار الايكولوجي والقضايا البيئية، إلا مرغمة من خلال الضغط الشعبي المدني والسياسي، والتشريع الوطني والدولي، داعيا إلى ضرورة فتح نقاش عمومي من w wأجل إدماج المسألة الإيكولوجية في البرامج التكوينية والانتخابية لحزب الكتاب.
وأضاف عضو المكتب السياسي أن الحركات الإيكولوجية والقوى التقدمية عبر العالم انفتحت تدريجيا على المجال الإيكولوجي وطورت توجهاتها البرنامجية نحو الدفاع عن سلامة البيئة، خصوصا وأن الإيكولوجية السياسية في ممارساتها اعتمدت عددا من القيم الاشتراكية كالمناصفة، والحريات الفردية والدفاع عن الأقليات وضمان حقوقها في التواجد والاستمرار.
وأوضح أحمد زكي أن موضوع الندوة هو إنتاج لمجموعة من الحركات الإيكولوجية عبر العالم خصوصا في أوروبا التي كانت تتنبأ أن توجه الاقتصاد عبر العالم والذي كان يرتكز على العنصر الإنتاجي، فعلى الصعيد الدولي تم الوصول إلى اتفاقيات باريس منذ عشر سنوات والتي كانت من شأنها التأكيد أن الخطر المحدق للبشرية هو التغيرات المناخية وأن هذه الأخيرة ناتجة عن النشاط الاقتصادي بالنظر إلى انبعاثات الغاز الناتجة عن الطاقات الأحفورية.”
ويضيف المتحدث أنه بخصوص مؤتمر باريس الذي انعقد بالمملكة بمدينة مراكش، والذي وضع أهدافا لجميع الدول من أجل الحد من هذا المنحى الذي يهدد مستقبل البشرية، حيث يلزم اتفاق باريس موقعيه بالسعي إلى خفض حرارة الأرض بأكثر من درجتين مئويتين مقارنة بالمستوى المسجل قبل الثورة الصناعية، غير أن هذا الهدف الطموح يتطلب إرادة راسخة ومئات المليارات من الدولارات من أجل الانتقال من مصادر الطاقة الملوثة مثل النفط والفحم إلى موارد طاقة نظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ويشدد زكي على أن هذا التوجه ينطلق من اختيارين، يتمثل الأول في “سياسة العرض”، ومعناها أن الدولة تشجع المقاولات الصناعية عن طريق إعطائهم امتيازات وأراضي لقيامهم بإنتاجات سواء كانوا في حاجة إليها أو لا، المهم من هذا هو تكديس الأموال، أما التوجه الثاني وهو “سياسة تلبية الحاجيات”، وهذا هو التوجه الاقتصادي الحقيقي، ومعناه أن نعرف جيدا ما هي احتياجاتنا، لنوجه إنتاجاتنا في هذا السياق.
ويلفت زكي إلى توجه آخر وهو التوجه الاشتراكي، والهدف منه هو المشاركة في تلبية حاجيات العيش اليومي وضمان الحد الأدنى للعيش الكريم، إضافة إلى الاجتهادات على الصعيد الدولي، ويذكر هنا فرنسا على سبيل المثال حيث برز فيها حركة سياسية مهمة، والتي تهدف في الأساس إلى ضمان الحاجيات الأساسية، والمشاركة في تلبيتها.
وفي السياق ذاته، استحضر عبد المجيد ابن ريسول، وهو أستاذ جامعي وخبير اقتصادي، الأفكار الاقتصادية والسياسية والجامعية للمفكرعزيز بلال، حيث عرف الراحل علميا بأطروحات من أبرزها “التنمية والعوامل غير الاقتصادية”، كما عرف سياسيا بكونه من أبرز وجوه حزب “التقدم والاشتراكية”، ويضيف عبد المجيد ابن ريسول، أن الكتاب الذي بين يديه للمفكر والقائد عزيز بلال، يتضمن مجموعة من المناهج التحليلية في الاقتصاد والسياسة وتنمية المغرب، والدمقرطة أيضا.
ويشدد الخبير الاقتصادي في حديثه، أن عزيز بلال انتبه للعوامل الثقافية ومجمل العوامل الغير اقتصادية في التنمية في الوقت الذي كان جل الباحثين يركزون على العامل الاقتصادي سواء لتحليل ظاهرة التخلف أو اقتراح بدائل للتنمية، مضيفا أن الكتاب الذي يتحدث عنه يتضمن تحاليل وأفكار يمكن الاعتماد عليها لتحليل الواقع الحالي ولفهم أيضا مجمل التحولات التي حدثت وتحدث في بلدنا وبناء أيضا استراتيجية للتنمية ملائمة لها.
ويلفت ابن ريسول، في الصدد ذاته إلى فهم الميكانيزمات التي أدت إلى الانتشار الخارجي للرأسمالية وتحولها إلى الإمبريالية.. فميكانيزمات التحول تلك يحكمها القانون الداخلي لتطور النمط الرأسمالي للإنتاج، وهذا التطور الذي قاده إلى الانتشار في المناطق الواقعة خارج مواطنه الأصلية، وانتشاره ذاك أدى إلى تخريب البنيات الاقتصادية والاجتماعية لما قبل الرأسمالية في هذه المناطق، وهي بنيات مخالفة ومتميزة عن تلك التي سادت وتسود في المواطن الأصلية لنمط الإنتاج الرأسمالي…
وتطرقت دليلة لوديي، عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إلى النماذج الاقتصادية التي تتناسب مع الإيكولوجية، مضيفة أن النموذج الحالي الرأسمالي سيؤدي إلى هلاك البشرية، فكوكب الأرض خلق منذ 4 مليارات السنوات، والإنسان تواجد منذ مئتي ألف سنة، فالإنسان كان يعيش منذ الأزل على الفلاحة وبعد ذلك أنتج الكيمياء وبدأ يتطور ليضاعف إنتاجه وربحه، لكن هذا التطور أصبحت وتيرته سريعة جدا في الخمسين سنة الأخيرة ، وخلال هذا التطور تضاعف عدد النسمة إلى ثلاثة أضعاف على كوكب الأرض، ومعنى هذا أن احتياجات البشرية تضاعفت ثلاث مرات
وتوضح عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن هناك معطيات تفيد أن 50 بالمائة من الموارد الطبيعية على كوكب الأرض يمتلكها 2 بالمائة من البشر وأن 2 مليار من النسمة من أصل 7 يعيشون تحت عتبة الفقر، فبالرغم إذا من مضاعفة الإنتاج، وقيامنا باستغلال جل الثروات الطبيعية الموجودة على كوكب الأرض فالأجيال القادمة بعدنا لن يتبقى لها أي موارد.
وتقول دليلة لوديي : ” فكما ذكرت سابقا، بما معناه أن السبب الرئيسي هو وجود خلل في النموذج الاقتصادي، فعدد السكان المتواجدين بالمدن أكثر بكثير من المتواجدين بالأرياف، فالنموذج الاقتصادي زاد من حدة الهجرة والتي زادت من الفقر والهشاشة، وهذا ما أدى إلى خلل في توزيع الثروات على الأشخاص”
وتذكر المتحدثة في حديثها بفكر “كارل ماركس”، التنموي، والذي كان يقول : “إن طبيعته هي مجمل احتياجاته ودوافعه”، وأكدت دليلة أنه من خلال كتابات ماركس المبكرة، وحتى مؤلفاته اللاحقة، فهو يرى أن الطبيعة البشرية تتألف من “ميول”، و “قوى جوهرية”، و”غرائز”، للعمل من أجل تلبية “احتياجات”، فالنسبة لماركس فإن تفسير طبيعة الإنسان هو تفسير احتياجات البشر، مع التأكيد على أنهم سوف يعملون على تلبية تلك الاحتياجات.
وخلصت الندوة إلى أن التحديات الإيكولوجية ومجابهة التغيرات المناخية تمثل تهديدا وفرصة في نفس الآن للعالم وللمغرب أيضا، إن تم تكييفها من أجل إحداث التغيرات الاجتماعية والاقتصادية اللازمة، منبهة إلى عدم الاعتقاد بأن المسألة الإيكولوجية هي مسألة قائمة بذاتها وأن معالجتها يمكن أن تتم بمعزل عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، بل يتعين توفر الدولة على إرادة سياسية قوية لإنجاح نموذج تنموي بديل وشامل محوره الإنسان يدمج البعد البيئي بشكل حاسم وقوي.
هاجر العزوزي
تصوير: طه ياسين شامي
Top